نشر موقع الشروق مقال للكاتب ” عماد الدين حسين ” بعنوان ( الصوب الزراعية.. جدوى اقتصادية أم اجتماعية؟ ) جاء على النحو الآتي :-
يسأل البعض سؤالا منطقيا: إذا كانت الصوبة الزراعية توفر ٤٠٪ من المياه وتتيح أحيانا انتاج أربعة أو خمسة أضعاف نظيرتها من الزراعات المكشوفة.. فلماذا لا نزرع كل أرضنا صوبا حتى يتضاعف إنتاجنا الزراعى أربعة بنفس النسبة؟!
الإجابة ببساطة هى التكلفة العالية جدا للصوب مقارنة بالزراعة العادية، بل هناك أنواع مختلفة من الصوب طبقا لنوع التقنية المستخدمة فيها، بما يجعل تحويل كل الزراعات إلى صوب مكلفا جدا وغير اقتصادى.
صباح السبت الماضى، وقبل دخول قاعة الاحتفالات بافتتاح عدة مشروعات للصوب الزراعية فى العاشر من رمضان، جلست مع بعض خبراء الصوب، وفهمت منهم إلى حد ما بعض التفاصيل.
المزارع المصرى التقليدى يمكن أن يزرع فدانا بالخيار مثلا، ولا يتكلف ذلك أكثر من عشر آلاف جنيه فى العام، على اعتبار ان زرعة الخيار الواحدة تستغرق ثلاثة اشهر وتتكلف 3 الاف جنيه تقريبا، فى حين أن تكلفة زراعة صوبة بنفس المساحة أى فدان، فتتراوح ما بين ١٧٠ ألف جنيه إلى أكثر من مليون ونصف المليون جنيه.
لا أقصد بالطبع أن كل فدان صوب يتكلف هذا المبلغ، لكن المقصود هو تجهيز الصوبة حتى تبدأ الإنتاج لعدة سنوات قد تصل إلى ١٢ أو ١٥ عاما.
الفلاح العادى يزرع أرضه ويتوقف الإنتاج على العديد من العوامل أهمها المناخ من رياح وأمطار، فى حين أن صاحب الصوبة يمكنه التحكم فى كل شىء بحيث يخرج الإنتاج مضمونا ومتشابها فى كل شىء بما فيها الشكل والطول والحجم.
لكن الصوبة تتميز فى الأساس أنك تستطيع أن تزرع فيها الخضراوات فى كل أوقات السنة، وليس فقط وقت العروة والاهم ان انتاجها اكبر كثيرا من الزراعة العادية.
فى أوروبا توجد العديد من أنواع الصوب، بما فيها الزجاجية والمخصصة للجو شديد البرودة، لكنها مكلفة جدا.
بعض رجال الأعمال المصريين الذين يزرعون الصوب من أجل التصدير، ويريدون بالطبع تحقيق الأرباح، فإن تكلفة تأسيس الصوبة قد لا تزيد عن ١٧٠ ألف جنيه، لكن مستلزماتها تكون فى الأساس من الخشب والبلاستيك، أما إذا أراد أن يكون المحصول توت أحمر مثلا فإن التكلفة قد ترتفع إلى ٢٥٠ ألف جنيه، وهذه الصوبة تظل تقدم إنتاجا لمدة عشر سنوات.
فى المقابل فإن الصوبة التى تؤسسها الدولة هذه الأيام عالية التقنية، وتستخدم أحدث أنواع التكنولوجيا، وبالتالى تستمر سنوات أطول أولا، وثانيا يكون إنتاجها أعلى وبشكل أفضل.
هذا النوع الحديث لا يمكن لمستثمر فرد خصوصا إذا كان صغيرا أو متوسطا أن يتحمله. ليس فقط لأنه أغلى، ولكن لسبب جوهرى أن تغطيته للتكلفة الأصلية تستغرق وقتا، بل ربما لا تحقق ربحا ولذلك، فإن الدولة أو بعض مؤسساتها هى التى تتحملها، على أساس انها لا تهدف للربح فقط بل لديها نظرة وفلسفة اجتماعية وسياسية، أكثر منها جدوى اقتصادية. بعض أنواع الصوب الحديثة يمكن أن تصل تكلفتها إلى مليون وربما مليون ونصف المليون جنيه.
حينما تكون مستثمرا فردا أو شركة خاصة، فإنك تكون متفقا على بيع محصولك قبل أن تزرعه، لأنه لا يعقل أن تزرع ثم تحصد، وبعدها تبحث عمن يشترى من تجار الجملة، ولا يعقل أن تنزل لتبيع محصولك مباشرة فى السوق.
الرئيس السيسى قال خلال إحدى مداخلاته صباح السبت الماضى: «انتم عارفين تكلفة الصوب دى كام.. فلوس كثيرة».
الرئيس لم يذكر رقما محددا، لكن كان أكثر تحديدا حينما تحدث عن الهدف الرئيسى من وراء زراعة هذه الصوب، وهى سد حاجة السوق ثم التصدير، وتشغيل أكثر من ٢٠٠ ألف شخص، وأن يأكل المصريون خضراوات طبيعية «اورجانيك».. وكل هذه الأهداف لا تتوقف فقط عند الجدوى الاقتصادية، بل تسعى لتحقيق أهداف اجتماعية أولا.
ما فهمته يوم السبت الماضى أن الصوب لم تعد مجرد زراعة فقط، هى صناعة بكل ما تعنيه الكلمة من معنى. وبالتالى فما المانع أن نحقق أهدافا اجتماعية لكن فى ظل جدوى اقتصادية أيضا؟!