نشر موقع الشروق مقال للكاتب ” عماد الدين حسين ” بعنوان “خطورة استمرار المشروع الأردوغانى فى ليبيا”جاء على النحو الآتي :-
هل أخطأ المشير خليفة حفتر حينما قرر، مساء يوم الإثنين الماضى، إسقاط اتفاق الصخيرات لحل الأزمة الليبية؟.
تقديرى أن الإجابة هى لا، لأن «حكومة الوفاق» التى يرأسها فايز السراج، والتى تحكم العاصمة طرابلس، وبعض مدن الغرب الليبية، أسقطت الاتفاق عمليا، حينما قررت استدعاء الاحتلال التركى إلى ليبيا، وقبل ذلك حينما اعتمدت بالأساس على حماية الميليشيات الإرهابية والمتطرفة.
استمرار التعلق بهذا الاتفاق، الموقع عام ٢٠١٥ يعنى تمكين رجب طيب أردوغان، وقادة الميليشيات الإرهابية، من تحقيق هدفهم، وهو تحويل ليبيا إلى نقطة ارتكاز تركية لهز وخلخلة استقرار بقية دول المنطقة، خصوصا مصر، تمهيدا لإحياء المخطط التركى بغطاء إخوانى والذى تعرض لضربة قاصمة على يد ثورة ٣٠ يونيو ٢٠١٣.
من أجل كل ذلك فإن هزيمة المشروع التركى فى ليبيا خصوصا، والمنطقة العربية عموما، يصب فى صميم الأمن القومى المصرى والعربى، وبالتالى وجب على مصر وكل شقيقاتها العربيات خصوصا فى الخليج، التعاون، وبذل كل الجهد، لدحر هذا المشروع الذى يريد أن يعيد أمجاد الإمبراطورية الغابرة على حساب العرب بصورة حديثة.
لم يعد خافيا، أن أردوغان يسعى لفرض مشروعه بإحياء الإمبراطورية العثمانية سواء تحت لافتة سلطانية طورانية، أو خلافة إسلامية، ولم يعد خافيا أيضا أنه نجح فى استخدام جماعة الإخوان ومعها تنظيمات متطرفة وإرهابية متنوعة، كأداة رئيسية فى محاولة تحقيق حلمه، حتى لو تسبب ذلك فى تدمير العديد من دول المنطقة وتخريبها تحت وهم إحياء الخلافة الإسلامية.
أردوغان لا يغفر لمصر ونظامها أنها تمكنت من كسر الحلقة الرئيسية لمشروعه، بإسقاط دولة الإخوان فى منتصف عام ٢٠١٣.
أردوغان لم يستسلم، وتمكن من تجييش غالبية القوى الإرهابية فى المنطقة، بل وحولهم إلى مرتزقة يحركهم كيفما شاء من العراق إلى سوريا ومنها الآن إلى ليبيا.
وللأسف فإن غالبية الدول الأوروبية ــ باستثناءات قليلة ــ تتفرج بل وتركت أردوغان يرسل الأسلحة والعتاد والمرتزقة، رغم قرار الأمم المتحدة بحظر تصدير الأسلحة لليبيا، ورغم أن غالبية هذه الدول، ومن خلال عضويتها فى حلف الناتو تسببت فى تدمير ليبيا لإسقاط القذافى نهاية عام 2011،وللاسف فان استبداد القذافي كان احد الادوات الاساسية لتدمير ليبيا،مثلما كان استبداد الاسد وعلي صالح احد الاسباب الاساسية في دمار سوريا واليمن.
مساء الإثنين الماضى، أعلن اللواء أحمد المسمارى، المتحدث باسم الجيش الوطنى الليبى، أن تركيا أمدت حكومة السراج بأكثر من ١٧ ألف إرهابى، عاد منهم إلى سوريا ١٨٠٠ بينهم مصابون، وأكثر من ألف قتيل، المسمارى قال إن تركيا والميليشيات استغلوا الهدنة الموقعة فى ١٢ يناير الماضى، لاستقدام المرتزقة والمقاتلين الأتراك، وفشلوا فى السيطرة على مدينة ترهونة رغم أنهم هاجموها من ٧ محاور.
وجود المرتزقة فى ليبيا منع سقوط حكومة الميليشيات الإرهابية، بل جعلها تسيطر على مدينتين مهمتين قبل أيام هما صبراتة وصرمان. وبالتالى فاستمرار الالتزام الصورى من قبل الجيش الوطنى الليبى باتفاق الصخيرات، يعنى توفير الغطاء لأردوغان وميليشياته ومرتزقته، لقضم مزيد من المدن الليبية المهمة، وتغيير المعادلة على الأرض.
الجيش الوطنى الليبى حقق انتصارات مهمة فى الفترة الأخيرة، خصوصا أنه تمكن من الوصول إلى الحدود الغربية مع تونس، وقبلها سيطر على درنة وسرت، إضافة إلى بسط سيطرته على غالبية مدن الجنوب، وبالطبع على مدن الشرق خصوصا بنغازى، والأهم سيطرته على معظم حقول النفط الرئيسية.
لكن من الواضح أيضا أن هناك دولا أوروبية ومنها إيطاليا خصوصا، تسعى لتمكين السراج وميليشياته من تحقيق هدفه، وللأسف فإن الموقف التونسى والليبى ــ ولأسباب مختلفة ــ يتخذ مواقف عائمة بل وتميل أحيانا إلى مغازلة تركيا والجماعات الإرهابية فى ليبيا، رغم أنه يفترض بالجزائر أن تدرك خطورة تمكين الجماعات الإرهابية من إحكام سيطرتها على ليبيا، بما يذكر بالعشرية السوداء بالجزائر فى تسعينيات القرن الماضى، ومن البديهى فهم موقف حركة النهضة الإخوانية فى تونس من دعم شقيقتها فى ليبيا.
ما فعله حفتر خطوة مهمة، لكن وطبقا لبعض التحليلات العسكرية كثيرة فإنه غير قادر بمفرده على الحسم، خصوصا بعد التدخل التركى السافر بالأسلحة الحديثة، وبالتالى وجب على كل الدول العربية، دعم الجيش الوطنى الليبى بكل الطرق المشروعة، حتى يتمكن من إسقاط المشروع الأردوغانى الإخوانى، فى ليبيا، وبالتالى بدء إسقاطه فى المنطقة بأكملها.