نشر موقع الشروق الإخباري مقال للكاتب “عماد الدين حسين” بعنوان ” لماذا تتشدد طهران ضد المحتجين؟!” جاء على النحو الآتي :-
التوصيف الحكومى الإيرانى للمظاهرات الاحتجاجية ضد رفع أسعار الوقود، حسب ما جاء على لسان المقربين من المرشد الأعلى على خامنئى هى أنها «مؤامرة أجنبية عميقة وواسعة النطاق، وبالغة الخطورة»، وإذا كان الأمر كذلك فقد كان منطقيا أن تتهم الدولة وأجهزتها المحتجين بأنهم «متمردون ومشاغبون وفوضيون وأشرار وأعداء الدولة الإيرانية وشركاء فى فتنة عالمية فى إطار مؤامرة كونية!».
والنتيجة المنطقية لهذا التوصيف، هو اعتماد سياسة القبضة الحديدة، وانقضاض أجهزة الأمن المختلفة على المحتجين، مما خلف مئات القتلى وآلاف الجرحى فى الاحتجاجات المندلعة منذ ٢٥ أكتوبر الماضى، أما الأكثر لفتا للنظر فهو إعلان الحكومة الإيرانية أنها انتصرت على الأعداء.
وحينما يقول البعض للحكومة الإيرانية إن غالبية المحتجين هم مواطنون إيرانيون عاديون اكتووا بنيران ارتفاع أسعار الوقود بنسبة ٢٠٠٪ دفعة واحدة، ينكرون ذلك ويواصلون الإصرار على المؤامرة الكونية.
أفضل من عبر عن هؤلاء كان سعيد حداديان المداح الذى يحبه خامنئى، قال فى قصيدة ألقاها أمام حشد مؤيد للمرشد الأعلى فى طهران: «نحن متظاهرون ولسنا جسورا للأعداء، مشكلتنا مع غياب الكفاءة والكارثة التى حلت بسبب افتقارك إلى الكفاءة، لمرة واحدة اعترف، وقل إن الأمر كله خطؤك»!!.
أفهم وأدرك سر إصرار الحكومة الإيرانية على هذا التوصيف، لأنها أيضا تعتقد أن السماح بالتظاهر فى طهران وغالبية المدن الإيرانية، يعنى نقل الحالة العراقية واللبنانية إلى أراضيها، وربما استنساخ التجربة السودانية أو الجزائرية.
الفهم الوحيد الذى يصل إلى عقول القادة الإيرانيين، ليس هو الأوضاع الاقتصادية الصعبة التى يعانى منها غالبية الإيرانيين لأسباب كثيرة منها العقوبات الأمريكية، بل إن الولايات المتحدة وبعض حلفائها فى المنطقة، يريدون تغيير النظام الإيرانى عبر الاحتجاجات الشعبية، بعد أن فشلوا فى ذلك طوال عقود بالحصار والمقاطعة والعقوبات.
الفهم الإيرانى لا يكتفى بهذا التصور، بل يعتقد بوجود مؤامرة إقليمية تحاول ليس فقط محاصرة إيران، بل القضاء على النفوذ الإيرانى فى المنطقة العربية خصوصا لبنان والعراق، وبالتالى سمعنا من مسئولين إيرانيين كثيرين، التلويح بإعداد خطة للانتقام من الدول التى ساعدت أو دعمت المحتجين!!.
من سوء حظ إيران أن الاحتجاجات الشعبية العارمة فى كل من العراق ولبنان، كانت موجهة بالأساس إلى إيران خصوصا فى العراق، وإلى حزب الله حليف إيران القوى فى لبنان.
ما أزعج إيران أكثر أن المواطنين الشيعة فى العراق خرجوا ومزقوا صور المرشد الأعلى الإيرانى، وحذفوا اسم الخمينى من على أحد الشوارع الرئيسية فى النجف، واقتحموا قنصليات إيرانية فى مدن عراقية متعددة، ووصلت ذروتها قبل أيام بحرق القنصلية الإيرانية فى النجف، إحدى أهم المدن الرمزية للشيعة، والأخطر أن غالبية هؤلاء المحتجين كانوا من الشيعة، وهو خبر سيئ جدا لإيران، لأنه ينزع منها ورقة اتهام المتظاهرين بأنهم مناهضون لها ولحلفائها، على أساس طائفى.
نتيجة لكل ذلك يمكن فهم التشدد الإيرانى ضد المتظاهرين فى إيران، فالسماح لهم بحرية التظاهر يعنى عمليا إسقاط النظام فى نهاية الأمر.
من وجهة النظر الحكومية الإيرانية، فإنه حتى لو كانت هناك ظروف اقتصادية واجتماعية صعبة بسبب العقوبات الأمريكية وعوامل أخرى كثيرة، فإن المواطنين ينبغى أن يتحملوا، وأن «المؤامرة الغربية» سوف تحاول اللعب على الوتر الاقتصادى، ولو تم ترك المظاهرات والاحتجاجات بدون قمع، فإنها سوف تكبر وتنتشر وتتعمق، حتى يمكنها إسقاط النظام، بنفس الطريقة التى تم استعمالها لإسقاط نظام الشاه محمد رضا بهلول أى المظاهرات اليومية المستمرة وإنهاك النظام حتى سقط.
الحكومة الإيرانية تدرك أن أى ضعف يعتريها سيمتد بالضرورة إلى أطرافها وأذرعها فى المنطقة، خصوصا فى العراق وإيران وربما اليمن، ومن أجل كل ذلك يمكن فهم سر التشدد الأمنى ضد المحتجين ووصفهم بأنهم أشرار وأعداء للدولة، هذا التوصيف كان مهما لهم حتى يمكن تبرير استخدام العنف المفرط التى تقول تقارير عربية إن الضحايا زادوا عن ٣٠٠ قتيل، فى حين تقول تقارير أخرى أنهم ١٥٠ قتيلا وآلاف المصابين، وبنفس المنطق يمكن توقع أن تكون الحكومة الإيرانية قد نصحت مثيلتها العراقية باستخدام نفس القمع وربما تكون الرسالة قد وصلت أيضا إلى حزب الله فى لبنان.
الآن المؤشرات على الأرض تقول إن الطريقة الإيرانية بدأت تعمل فى بغداد وبيروت وبالتالى علينا توقع مزيد من الاضطراب فى كل المنطقة.