مقال للكاتب “عماد الدين حسين” على موقع الشروق الإخباري بعنوان ” لماذا تشددت قطر فجأة؟! ” جاء على النحو الآتي :-
انتهت القمة الخليجية فى الرياض يوم الثلاثاء الماضى، ولم تتحقق المصالحة التى توقعها كثيرون طوال الأسبوعين الماضيين، بل ربما الأمور زادت سوءا.
توقع كثيرون نهاية سعيدة، يقف فيها أمير قطر تميم بن حمد وسط قادة السعودية والإمارات والبحرين والكويت وعمان، رافعين أيديهم معا، لتدشين المصالحة. لكن المفاجأة، أن تميم بن حمد لم يأت أساسا للرياض، وفضّل أن يزور العاصمة الراوندية كيجالى، للمشاركة فى تكريم الفائزين بجائزة تحمل اسمه لمكافحة الفساد.
العاهل السعودى سلمان بن عبدالعزيز، استقبل بنفسه رئيس الوزراء القطرى عبدالله بن ناصر آل ثان، الذى مثّل بلاده فى القمة. هذا الاستقبال الحار جعل المراقبين يعتقدون أن المصالحة تسير فى طريقها المرسوم، أو على الأقل أنها قطعت خطوات متقدمة.
كانت هناك إشارة سلبية أخرى هى عدم مشاركة وزير الخارجية القطرى محمد بن عبدالرحمن آل ثان فى اجتماعات وزراء الخارجية التى سبقت القمة أو فى القمة نفسها، وتم إرسال وزير الدولة للشئون الخارجية سلطان المريخى، وهو نفس المسئول الذى مثّل قطر فى غالبية الاجتماعات العربية التى كانت الدوحة تريد أن تبعث لها برسالة أنها تتجاهلها وغير مكترثة كثيرا بها.
غاب الأمير وغاب وزير خارجيته، ويبدو أن الدول الثلاث السعودية والإمارات والبحرين، قد تفاجأت بالتصرفات القطرية. عقب نهاية القمة، وبعد ثلاثة أسابيع من التسريبات الإيجابية، وعبارات الغزل بين قطر والدول الثلاث، خرج وزير خارجية البحرين الشيخ خالد بن أحمد آل خليفة، ليعلن عن أسفه لعدم جدية قطر فى إنهاء الأزمة مع الدول العربية الأربع.
الوزير البحرينى قال إن ما صرّح به وزير خارجية قطر، بأن الحوار مع السعودية تجاوز المطالب الـ١٣ التى وضعتها الدول الأربع لا يعكس أى مضمون تم بحثه مطلقا، وأن الدول الأربع أى مصر والسعودية والإمارات والبحرين تتمسك بموقفها وبمطالبها المشروعة من قطر، والقائمة على المبادئ الستة الصادرة عن اجتماع القاهرة فى ٥ يوليو ٢٠١٧، والتى تنص على الالتزام بمكافحة التطرف والإرهاب وإيقاف جميع أعمال التحريض وخطاب الحض على الكراهية أو العنف والالتزام الكامل باتفاق الرياض عام ٢٠١٣ والاتفاق التكميلى عام ٢٠١٤، وكذلك جميع مخرجات القمة العربية الإسلامية الأمريكية بالرياض فى مايو ٢٠١٧، والامتناع عن التدخل فى الشئون الداخلية.
الوزير البحرينى اعتبر ضعف التمثيل القطرى رسالة عدم جدية لأنها لم تفوّض رئيس الوزراء، باتخاذ أى قرارات، يمكن أن تسهم فى حل الأزمة. ما زاد الطين بلة، هو كشف قطر عن رسالة، يعتبرها البعض أفشلت كل حديث عن مصالحة.
الناطقة باسم الخارجية القطرية لولوة الخاطر، قالت فى تصريحات لوكالة الأنباء القطرية «قنا»: «قطر تشكر المساعى الكويتية الحميدة مع دول الحصار، وأن قطر نجحت فيما فشلت فيه دول المقاطعة، وأنه فى كل مرة يظهر فيها أفق لبداية حل الأزمة تقوم إحدى دول الحصار بإرسال رسالة عدائية، تجاه تلك الجهود بغرض إفشالها».
الغريب أن هذه التصريحات كانت هى الغريبة، فالدول الثلاث تناست الماضى مؤقا ظنا أن هناك مصالحة، وبالتالى فإن التصريحات الغريبة للمتحدثة باسم الخارجية القطرية، هى التى ربما ساهمت فى إفشال الأمر، لأنها ببساطة عمقت الخلافات فى وقت كان الجميع يتحدث عن المصالحة. والغريب أن الناطقة استحضرت كل الذكريات الأليمة فى الملف، لتصب المزيد من الوقود فوق النيران التى لم تكن قد انطفأت بعد.
السؤال المنطقى هو لماذا كان هذا التصرف القطرى المجافى لكل التصريحات السابقة، بل وللزيارة التى كشفت عنها «وول ستريت جورنال» بأن وزير الخارجية القطرى زار السعودية قبل أسابيع وعرض قطع علاقة بلاده مع جماعة الإخوان؟!
البعض يقول إن الاعتقاد القطرى هو أن الدول الخليجية الثلاث صارت فى موقف أضعف من اليوم، الذى تم فيه قطع العلاقات أى ٥ يونيو ٢٠١٧، وبالتالى فقد حان الوقت لتقوم قطر بالانتقام.
التفسير الثانى أن موضوع المصالحة لم يكن جادا، وكل ما حدث هو استجابة لضغوط أمريكية تطالب بإنهاء هذه الأزمة، كى يحتشد الجميع خلف أمريكا فى مواجهة إيران.
التفسير الثالث أن خلافات قطر مع الدول الثلاث تتفاقم يوما بعد يوم، والأخطر أنها صارت شخصية بين القادة والزعماء والمسئولين، وتحتاج وقتا طويلا وبيئة مختلفة كى تتحلحل.
ورغم ذلك وفى ظل غياب معلومات أكثر توثيقا، فإن العلاقات الخليجية ــ الخليجية، عوّدتنا على المفاجآت التى تقترب أحيانا من الصدمات، بمعنى أنه لا يمكن استبعاد حدوث المصالحة فى أى وقت حتى لو كانت شكلية، على الأقل لإرضاء الأمريكيين، ما الذى سيحدث؟! علينا أن ننتظر وسوف نرى.