نشر موقع الشروق الإخباري مقال للكاتب الصحفي ” عماد الدين حسين ” بعنوان (ليس بالنيابة نصلح كرة القدم!) جاء على النحو الآتي :-
نلتمس العذر الكامل لكل المصريين المصدومين من الأداء الهزيل للمنتخب الوطنى وخروجه المبكر جدا من دور الـ ١٦ فى بطولة الأمم الإفريقية، المقامة حاليا فى مصر، لكن علاج هذا الأداء الفنى المزرى، لا يكون عبر تحقيقات النيابة العامة، بل عبر جهات احترافية متخصصة وخبيرة فى اللعبة.
النيابة العامة تنوب عن الشعب كله فى حماية المجتمع، يمكنها مثلا فى عالم كرة القدم أن تحقق فى إهدار أموال عامة داخل الاتحاد المصرى لكرة القدم، وهل قام البعض فعلا بالاتجار فى تذاكر مباريات البطولة خصوصا التى كان طرفا فيها المنتخب المصرى أم لا؟ وهل كانت هناك أخطاء إدارية ومالية أم لا، قادت إلى مخالفات قانونية محددة، خلال الاستعداد للبطولة، ومدى صحة كل ما يتردد بشأن وقائع فساد داخل الاتحاد ومنظومته؟! كل هذه الأمور تخضع لولاية النيابة العامة، وينبغى التحقيق فيها فورا، لكن المشكلة تبدأ حينما يتوسع البعض فى هذا المفهوم، ويريد من النيابة العامة أن تحاسب الفريق ولاعبيه على سوء الأداء!!.
فى ظنى المتواضع ليست تلك مهمة النيابة العامة، التى نكن لها ولدورها كل التقدير والاحترام.
يمكن لأى مواطن أن يتقدم ببلاغات للنيابة، عن أى شىء يراه مخالفا للقانون، أو مسيئا لسمعة الوطن، لكن سوء أداء المنتخب ليس مجاله النيابة العامة، فلا يوجد فى سلطاتها إمكانية الحكم، هل كان الأداء جيدا، أم سيئا، لأن تلك مسألة تقديرية وليس لها قوانين محددة.
يقول بعض المتحمسين إن دولا حاسبت لاعبيها حسابا عسيرا عقب هزائم مدوية، وأن إحدى الدول الإفريقية، حلقت لكل اللاعبين «زيرو أو زلبطة» عقابا لهم على أدائهم المشين!!!. وقبل سنوات قيل إن أولاد الرئيس العراقى صدام حسين قصى وعدى حبسا اللاعبين فى السجن، عقابا لهم على التقصير فى إحدى البطولات، وهو ما تكرر فى العديد من البلدان الديكتاتورية.
هذه الممارسات قد ترضى جمهور الترسو المتحمس والمتأثر دائما من سوء أداء فريقه، لكنها للأسف لن تحل المشكلة الجوهرية، ولن تجعلنا نضع أيدينا أبدا على أصل الداء، حتى نتمكن من علاجه بطريقة صحيحة وفعالة.
وفى مثل هذه الأوضاع فإن الأفضل هو تشكيل لجنة التحقق والمراجعة، على أن يكون معظم أعضائها من الخبراء والمختصين فى مجال الرياضة خصوصا كبار الخبراء فى كرة القدم والنقد الرياضى، بعدها يجلسون بهدوء، ولا يتخذون قرارات عنترية حماسية لامتصاص غضب الجمهور الغاضب، بل يدرسون الموضوع من كل جوانبه، ويضعون أيديهم على سبب الإخفاق ويعلنون توصيات، وليس قرارات، وعندما ينتهى هؤلاء من فحص ومناقشة ودراسة كل الجوانب، يقدمونها للرأى العام، وللجهات المختصة التى تقوم بعدها باتخاذ القرارات، سواء كانت إقالة المدرب وجهازه المعاون، أو التوصية بالاستغتاء عن بعض اللاعبين، والاستعانة بفريق جديد معظمه من الشباب مثلا.
إذا تم ذلك يكون الجميع قد استفاد، خصوصا مستقبل اللعبة.
فى كرة القدم، حينما يفوز الفريق أو يتألق لاعب معين يرفعه الجمهور إلى عنان السماء، وحينما يفشل ويخفق، ينزله الجمهور إلى سابع أرض، تلك هى قواعد الجماهير فى كل زمان ومكان، لكن الخبراء لا يتصرفون بطريقة الجماهير المتحمسة، وإلا صارت حياتنا كلها عشوائية، ومن شديد الأسف، فإن معظمنا صار يفكر بهذه الطريقة، وطوال الوقت لا نريد أن نعطى الخبراء، وأهل العلم الفرصة ليمارسون عملهم، والنتيجة أننا نكرر الأخطاء بصورة كربونية فى كل مرة!!، وفى المرات التى أعطينا فيها الفرصة لأهل الخبرة أيام المعلم حسن شحاتة مثلا، تألق الفريق، وفاز بثلاث بطولات متوالية.
لجنة التحقيق هذه يمكنها أن تخبرنا بعد الدراسة، هل كان هناك تدخل من كبار اللاعبين فى عمل الاتحاد، أو هل ضغطوا على مدرب الفريق لإشراك لاعبين غير مؤهلين أو جاهزين كنوع من المجاملة، وهل كان لبعض أعضاء الاتحاد أى دور سلبى، علما أن الحكومة والدولة تقول إنها قدمت كل الإمكانيات لإنجاح البطولة، وفى وقت قياسى.
مرة أخرى نتمنى أن نعتمد الطريقة العقلانية فى مناقشة ومراجعة وحل مشاكلنا، وأن نتوقف عن المنهج الذى تعاملنا به مع اللاعب عمرو وردة، ولا نزال نتعامل به مع الكثير من قضايانا.