نشر الكاتب الصحفي عماد الدين حسين مقال بعنوان “هل من مصلحتنا مقاطعة الإعلام الأجنبى؟! ” على موقع صحيفة الشروق الإخباري , وذلك على النحو التالي :-
هل نحن فى مصر عموما ــ وليس فقط فى الحكومة أو كل مكونات النظام السياسى ــ فى حاجة إلى وسائل الإعلام الدولية، أم يمكننا أن نقاطعهم أو حتى نطردهم من مصر، ونقول لهم: اخرجوا من بلادنا واذهبوا إلى الجحيم؟!
أسأل هذا السؤال جادا ولست هازلا، بمناسبة بعض الردود المتشنجة على قيام محطة «بى بى سى» ببث تحقيق وثائقى تضمن معلومة خاطئة تفيد بأن أجهزة الأمن المصرية أخفت المواطنة زبيدة محمد يوسف قسريا، ثم خرجت المواطنة ونفت الواقعة.
قلت بوضوح فى هذا المكان قبل أيام إن «بى بى سى» أخطأت، وكان ينبغى عليها أن توضح حقيقة ما حدث أو تعتذر عن الخطأ وبسرعة، فالأمر لا يتطلب كل هذا الوقت للتحقق من صحة الأمر، وكيف حدث، وقلت أيضا إننى أعذر بعض الزملاء الإعلاميين المصريين فى ردودهم الساخنة على المحطة البريطانية.
لكن كل ما سبق شىء، ومطالبة البعض بحسن نية ــ أغلب الظن ــ بطرد المحطة وإغلاق مكتبها فى القاهرة ومقاطعتها شىء مختلف تماما.
المحطة قد تتضرر إذا تم طردها، لكنها ستنقل مكتبها الإقليمى ربما إلى بيروت أو عمان، وفى هذه الحالة، ستكتب وتبث ما تشاء، من دون أن يكون لدينا أى هامش للتأثير أو للتغيير أو إقناعهم بتطبيق المعايير المهنية التى يقولون إنهم يطبقونها.
الكلام السابق بأكمله قد يكون مقدمة أطول مما ينبغى، لكنها من وجهة نظرى مهمة، بسبب أن بعض الزملاء والمسئولين ــ وبحسن نية شديد أيضا ــ يندفعون فى وصلة من الحماس المتشنج أحيانا، فى أفكار وتصورات من دون مناقشتها وتقييمها وتقليبها من كل الزوايا.
للأسف مضى وولى الزمن الذى كان يمكن للدول أن تنعزل فيه عن العالم تماما، كما كان يفعل بعض حكام صنعاء قديما بإغلاق بواباتها بعد حلول الظلام، فتنعزل عن العالم!.
وسائل التواصل الحديثة خصوصا الاجتماعية مثل الفيسبوك وتويتر جعلت العالم فعلا أضيق من غرفة صغيرة وليس قرية أو بلدا صغيرا.
لم يعد بمقدور الحكام والحكومات التحكم بصورة مطلقة فى تقرير شئون بلدانهم. ثورة الاتصالات جعلت هناك ما يمكن تسميته تدخلا دوليا عبر وسائل الإعلام فى شئون الدول الأخرى. نتذكر حينما وضع أحد المصورين صورة للطفل السورى الكردى إيلان قبل أكثر من عام، وهو غارق على أحد الشواطئ التركية، فاهتز العالم وبدأ فى مناقشة المأساة السورية خصوصا فيما يتعلق باللاجئين.
أعلم أننا نسينا الموضوع، مثلما نسينا موضوعات أخرى كثيرة، لكن حاولوا أن تتذكروا الموضوعات والقضايا التى أثارها الإعلام الحديث، فما بالك بالإعلام التقليدى؟!
وبما أننا فى مصر أو غيرنا من الدول لن تتمكن من الانعزال عن العالم ــ حتى لو أردنا ــ فالمطلوب أن نبحث فى أفضل الصيغ للتعامل مع هذا العالم، خصوصا وسائل إعلامه، وبالأخص الأكثر تأثيرا وانتشارا.
الموضوع ليس مجرد صراخ وعويل، لنصرخ بأعلى أصواتنا كما نشاء، لكن بعد أن نتعب من الصراخ ونهدأ، علينا أن نفكر فى أفضل الطرق للتعامل مع هذا الإعلام الأجنبى أو حتى مع العالم أجمع!.
إذا سملنا بهذا الأمر، فالمطلوب أن يكون لدينا كوادر ذات كفاءة حقيقية، تكون قادرة على التواصل الفعال مع وسائل الإعلام الأجنبية تتحدث لغات أجنبية، والأهم أن تعرف كيف تفكر هذه الشعوب وتلك الوسائل، ومناقشتها وتوضيح وجهة النظر المصرية أولا بأول. سيقول البعض، ولكن بعض هذه الوسائل متحيزة، وتنخرط بغطرسة فى مؤامرة شاملة ضدنا!.
إذا افترضنا أن هذا التحليل صحيح، فالحل ليس هو القطيعة، بل مواجهة هؤلاء وكشف هذه المؤامرة وفضحها. لو فعلنا ذلك، فالمؤكد أن المؤامرة ستنحسر وتتراجع.
المؤامرة موجودة فى كل مكان منذ بدء الخليقة وإلى أن تقوم الساعة، لكن ما يسهل عملها هو ضعفنا وتراجعنا وجهلنا وانعدام كفاءتنا.
وقبل كل شىء وبعده ينبغى أن نكون واثقين من أنفسنا، وأن نضمن أن الملفات سليمة، وألا نعطى المتربصين والمتآمرين الفرصة ليشوهوا صورتنا.
صحيح أن هناك تربصا، لكن الأكثر صحة أن طريقة معالجتنا لبعض القضايا، هى التى تعطى المتربصين السلاح الأشد قسوة لاستهدافنا!.