نشر موقع الشروق الإخباري مقال للكاتب ” عماد الدين حسين ” بعنوان هل أخطأنا بتوقيع اتفاق المبادئ؟! جاء على النحو الآتي :-
سألنى أحد الأصدقاء: ألا ترى أن إعلان المبادئ الذى وقعته مصر مع إثيوبيا والسودان فى عام ٢٠١٥، كان خطأ كبيرا لأنه أعطى أديس أبابا اعترافا مصريا واضحا بسد النهضة، فى حين أنه لم ينص صراحة على حق مصر فى حصتها التاريخية من مياه النيل؟!
السؤال شرعى وموضوعى ويسأله كثيرون ليل نهار، ليسوا فقط من عموم الناس، ولكن بعض الخبراء والمختصين فى قضية مياه نهر النيل وأزمة سد النهضة الإثيوبى.
طبعا الأوراق والمعاهدات والاتفاقيات مهمة جدا فى العلاقات الدولية، لكن علينا أن نفهم جيدا أن موازين القوى هى الأساس وعندما تتغير هذه الموازين لا يصبح لهذه الأوراق كثير قيمة، فإما أن تتغير برضا الأطراف الموقعة عليها، وإما بحكم الأمر الواقع. لكى يكون كلامى واضحا فإن إثيوبيا لم تعترف إطلاقا باتفاقية ١٩٢٩ التى أبرمتها بريطانيا دولة الاحتلال نيابة عن كل من أوغندا وتنزانيا وكينيا مع الحكومة المصرية، والتى تتضمن إقرار دول الحوض بحصة مصر المكتسبة من مياه النيل وأن لها الحق فى الاعتراض فى حالة إنشاء هذه الدول مشروعات جديدة على النهر ورافده، وتراها مفروضة من المستعمر البريطانى.
إثيوبيا أيضا لم تعترف باتفاقية ١٩٥٩ بين مصر والسودان المكملة لاتفاقية ١٩٢٩، حيث شملت الضبط الكامل لمياه النيل الواصلة للبلدين، ورغبة مصر فى إنشاء السد العالى وخزان الروصيرص على النيل الأزرق وتحديد حصة البلدين من المياه بحيث تحصل مصر على ٥٥٫٥ مليار مكعب والسودان على ١٨٫٥ مليار متر. بل سحبت اعترافها باتفاقية ١٩٠٢ التى وقعتها بمحض إرادتها.
إثيوبيا لم تعترف بالاتفاقيات لكن ــ وتلك هى القصة المهمة ــ ظلت ملتزمة بها حتى عام ٢٠١١ حينما أعلنت عن بناء سد النهضة فى فبراير ٢٠١١، ثم وضع حجر الأساس له فى إبريل من نفس العام.
الذى جعل إثيوبيا تلتزم بهذه الاتفاقيات لم يكن قيمتها القانونية، بل حقائق القوة على الأرض، وظلت تتحين الفرصة لتمزيق هذه الأوراق حتى جاءت اللحظة المناسبة.
نتذكر أيضا أن إثيوبيا لم تتملص من هذه الاتفاقيات بين يوم وليلة أو حينما وقعنا معها اتفاق المبادئ فى الخرطوم بل تم ذلك عبر تراكم وقائع وحقائق على الأرض.
لمن نسى، فإن الأساس الفعلى لاتفاقية عنتيبىى التى نسفت اتفاقيتى ١٩٢٩ و١٩٥٩، تم خلال اجتماعات كثيرة لوزراء مياه ورى دول حوض النيل خصوصا فى شرم الشيخ والإسكندرية عام ٢٠٠٩ و٢٠١٠.
وقتها كنا نكرر لمدة سنوات أن المشكلة مع إثيوبيا ودول حوض النيل قد تم حلها بنسبة ٩٩٪، وحينما وقعت الواقعة اكتشفنا أن المأساة تكمن فى الـ١٪! أى إلغاء حقنا فى حصتنا التاريخية، وإلغاء حقنا فى الاعتراض على المشروعات والسدود المائية على نهر النيل.
إثيوبيا تخطط لهذه اللحظة منذ عشرات السنين، لم تجرؤ على التنفيذ إلا حينما تراجعت قوتنا، وضعفت أوراقنا.
إعلان المبادئ فى مارس ٢٠١٥، تنقسم بشأنه آراء الخبراء، المؤيدون يقولون إنه بمثابة ورقة فى يد مصر تقول أن إثيوبيا لن تتسبب فى أى ضرر مائى لمصر وكذلك ضرورة الاتفاق على الخطوط الإرشادية لقواعد التشغيل السنوى للسد وتلتزم إثيوبيا بالتنفيذ الكامل للتوصيات الخاصة بالسد الواردة فى تقارير لجنة الخبراء الدولية.
فى حين أن المعارضين يقولون إن كل ما ورد فى النص غير ملزم لإثيوبيا، فى حين أنها حصلت على اعتراف مصرى بحقها فى إنشاء السد.
مرة أخرى إثيوبيا تحاول فرض أمر واقع، والقضية الجوهرية ليست اتفاق إعلان المبادئ، بل فى حجم وقيمة وأهمية الأوراق الشاملة التى نمتلكها، وتجعل إثيوبيا ــ أو غيرها ــ تفكر تريليون مرة قبل أن تحاول إحداث ضرر فى حقوقنا المائية.
إذا كانت إثيوبيا تملصت من اتفاقية ١٩٢٩ الأساسية والملزمة والدولية، فهل نستغرب إذا تمصلت من إعلان مبادئ غير نهائى؟!.
مرة أخرى علينا أن نمتلك كل أسباب القوة الشاملة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والفنية وبالطبع العسكرية، هذه القوة هى التى تحمى حقوقنا ليس فقط فى مياه النيل ولكن فى كل القضايا. والأهم أن يكون هناك دعم حقيقى من المجتمع المصرى للمفاوضين فى هذه القضية القومية، شرط أن تشرك الدولة المجتمع فى هذه القضية حتى يكون لها سندا وعونا كى تنتهى هذه المشكلة بما لا يضر بحقوقنا التاريخية.