نشر موقع الشروق مقال نائب رئيس مجلس الوزراء الأسبق ” زياد بهاء الدين “بعنوان وزير جديد للنقل.. أم سياسة جديدة؟ على النحو الآتي :-
لم تتح لى فرصة لقاء وزير النقل الجديد، الفريق كامل الوزير، خلال رئاسته للهيئة الهندسية بالقوات المسلحة. ولكن من تعاملوا معه فى موقعه السابق يجمعون على كفاءته ونزاهته واستعداده لاتخاذ القرار بسرعة وحسم ودون البحث عن الأضواء، وهى صفات يتمنى كل مصرى أن تتوافر فى كل أعضاء الحكومة. ولهذا فإن قيادة وزير بهذه الصفات لواحدة من أشد الوزارات أهمية وأكثرها تأثيرا على حياة الناس وعلى التنمية الاقتصادية يجب أن يكون محل ترحيب وتفاؤل.
وإذا كان بالاضافة لما سبق يتمتع بثقة السيد رئيس الجمهورية ودعم الأجهزة الرقابية واستعداد الدولة لتوفير الامكانات والموارد اللازمة لنجاح مهمته، فإن الأرجح أن يشهد قطاع النقل، وبخاصة السكك الحديدية، الاصلاح المنشود الذى تأخر عقود طويلة بسبب المعوقات المادية والبشرية والبيروقراطية. ولعل هذه المساندة السياسية وتلك الموارد والامكانات لو أُتيحت لوزراء نقل سابقين لكانوا حققوا نتائج أفضل مما حققوه وبتكلفة اقل من اليوم. ولكن لا بأس، فالمهم أن يبدأ التطوير الحقيقى والشامل لمنظومة النقل فى مصر ولو بعد حين.
أتصور أن المهمة الأولى والأكثر إلحاحا للوزير الجديد هى اصلاح نظم الإشارات والأمن والسلامة فى السكك الحديدية لأن كل يوم يمر دون التصدى لها يمثل خطرا على الناس ولأن الرأى العام ضج من تكرار حوادث القطارات الناجمة عن الإهمال أو الفساد أو تهالك المعدات. ولكن تولى وزير بهذه المواصفات والامكانات التنفيذية والمساندة من الدولة يمثل فرصة للنظر إلى ملف النقل والمواصلات ليس فقط من المنظور الفنى والهندسى، بل لتذكر أنه ملف اقتصادى واجتماعى فى المقام الأول، وأنه ــ مع الصحة والتعليم والسكن ــ من أركان تحقيق العدالة الاجتماعية والتنمية الاقتصادية.
من هذا المنظور فإن مصر بحاجة لإعادة توجيه السياسة العامة للدولة فى مجال النقل كى تستند، كما هو الحال فى كل بلدان العالم، على تقديم النقل العام على النقل الخاص لأن هذا هو ما يحقق وفرا فى الموارد وعدالة بين الناس وحماية للبيئة. وهذا ليس كلاما نظريا بل له أثر عملى ومباشر على اختيار الطرق والكبارى التى يجرى إنشاؤها، وعلى زيادة الاستثمار فى المواصلات العامة، وعلى تنظيم وتشجيع وسائل النقل الجماعى، وغير ذلك مما يعبر عن اختيار اجتماعى وتفضيل للعام على الخاص.
كذلك، ومع كل احترامى وتقديرى لوزير النقل السابق إلا أننى اعترضت العام الماضى على قراره بزيادة أسعار تذاكر المترو لأن النقل العام سلعة اجتماعية وبالتالى لا يوجد ما يدعو على الإطلاق لافتراض وجوب تسعيرها بتكلفتها الحقيقية بل يلزم دعمها مثلما تدعم الدولة التعليم والصحة والسكن من مواردها السيادية ومن الضرائب التى يدفعها الموسرون فى إطار تحقيق العدالة الاجتماعية والتكافؤ فى الفرص. ولهذا أقترح على الوزير الجديد ليس فقط اعادة النظر فى أسعار المواصلات العامة، بل الأهم من ذلك الانتقال من فرضية أن النقل العام يجب أن يغطى تكلفته ولا يحقق خسائر إلى فرضية أخرى تعتبر دعم النقل العام هو الأصل.
وبشكل عام، فى النقل وفِى غيره من القطاعات الخدمية، فإن الاهتمام بالاصلاح العاجل والشامل للسكك الحديدية يجب أن يكون بداية للعودة إلى الاهتمام بصيانة وتطوير الخدمات والمرافق العامة القائمة التى يستخدمها ملايين المواطنين كل يوم وتؤثر فى حياتهم بشكل مباشر بدلا من توجيه كل الجهد والموارد للجديد منها.
الأمل معقود على أن يقود الفريق كامل الوزير نهضة كبيرة لمنظومة النقل فى مصر، ونجاحه الحقيقى لن يأتى من مجرد تطوير الإنشاءات والأنظمة الفنية والهندسية للسكك الحديدية أو من استكمال شبكة الطرق والكبارى الجارى تنفيذها، بل من تناول هذا الملف الشائك من منظور اقتصادى واجتماعى شامل ومن اعادة توجيه سياسة الدولة حياله نحو ما يحقق مصلحة غالبية المواطنين، مع خالص التمنيات له بالنجاح فى هذه المهمة الشاقة.