” أيها الرجال.. إنكم إن لم تحاربوا الناس حاربوكم، وإن لم تغزوهم غزوكم، لا مكان لمغلوب على ظهر هذه الأرض”.. عبارة لقحطان؛ الجد الأكبر لقبائل اليمن، عن الحرب والسلطة والحكم، لذلك تعد قبائل اليمن أهل حرب ونزال، ولا تتوقف الحرب إلا بانتصار ساحق وهزيمة نكراء، وها هي صنعاء تشهد فصلا جديدا من الصراع على السلطة يقترب فيه صائد الأفاعي الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح من قطع رءوس الحوثيين والسيطرة على اليمن من جديد؛ ليكتب تاريخا آخر في حكم اليمن.
ليلة قطع الرءوس
“ليلة قطع رءوس الأفاعي” إنه الحاوي وحامل أسرار خلطة الحكم في اليمن علي عبد الله صالح، حيث اندلعت اشتباكات الحسم بقيادة طارق صالح نجل شقيق علي صالح، وسيطرة قوات الحرس الجمهوري على صنعاء في ساعات معدودة وقامت القبائل المتحالفة مع صالح بدورها في السيطرة على المقرات الحكومية في المحافظات اليمنية، ليقترب صالح من دفن الحوثيين في كهوف صعدة مرة أخرى.
مع سيطرة الحوثيين على مقاليد الأمور بصنعاء في 21 سبتمبر 2014، توقع الجميع أن يعاني اليمن تحت حكم الحوثيين، وهو ما بدا واضحا من لهجة الخطاب الحوثية والتي تمسكت بالعداء للدول الخليجية خاصة السعودية، وتقارب واضح لإيران وظهر جليا من وصول أول طائرة إلى مطار صنعاء بعد سيطرة الحوثيين التي كانت من إيران؛ لتشير إلى مدى التحالف والترابط القوي بين أتباع عبد الملك الحوثي والمرشد الأعلى في إيران علي خامنئي.
القرار في الرياض
مع سيطرة الحوثيين على صنعاء في 21 سبتمبر 2014، كانت الرياض تتقرب وترصد كل تحركات الحوثيين داخل صنعاء، في الوقت نفسه بقي علي عبد الله صالح يرصد بعين الصقر كل ما يدور من خطط وصفقات معلنة وغير معلنة في اليمن وخارجه، وهو يجمع ويتريث ويمد الحبل لغاربه لخصومه القدامى وحلفائه الجدد؛ ليكشفوا كل أوراقهم، ويبقى هو ممسكا بالحبل ليعدمهم وقتما شاء.
الرياض كانت مشغولة في اللحظات الأخير للعاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز، والذي رحل في 15 يناير 2015، وأيام قليلة وتولى العرش وزير الدفاع وولي العهد الأمير سلمان بن عبد العزيز في 23 يناير 2015، ليتولى عرش آل سعود وتبدأ معها السعودية مرحلة جديدة من الحزم والحسم، حيث أطلقت السعودية عاصفة الحزم في 15 مارس 2015 ضد الحوثيين لاستعادة الحكومة الشرعية في اليمن بقيادة الرئيس عبد ربه منصور هادي، عبر تحالف من 9 دول عربية.
وفي 25 يوليو 2015 تمكن التحالف من تحرير عدن بدعم من المقاومة الجنوبية، وخلال أشهر قليلة تمكن التحالف من تحرير غالبية محافظات اليمن الجنوبية، ولكن بقت صنعاء وتعز لغزا لم تُفك طلاسمه إلا عبر علي عبد الله صالح في 2 ديسمبر 2017 حيث سيطر على صنعاء ودحر الحوثيين في ساعات قليلة.
رحيل أوباما
مر اليمن والعلاقة بين الحوثيين والرئيس صالح بمراحل من عدم الثقة في ظل رصد صالح لكل صفقات ومخططات الحوثيين في اليمن وتقديمه مجانا لإيران وحزب الله ليمارسوا فيه حربا بالوكالة لصالح المرشد الأعلى في طهران.
ومع تغير الإدارة الأمريكية الجديدة ورحيل الرئيس الأمريكي باراك أوباما في يناير 2017 والذي كان يعرف بدعمه لإيران والإخوان وجماعات الإسلام السياسي، جاء الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ليقلب الطاولة على إيران في المنطقة.
مقاطعة قطر
الأمور سارت بوتيرة سريعة في المنطقة، وصالح يرصد ويترقب الفرصة للانقضاض على الحوثيين قبل أن يمسحوه من تاريخ اليمن، وجاء قرار التحالف الرباعي “مصر والسعودية والإمارات والبحرين” في 5 يونيو 2017، بقطع العلاقات مع قطر الداعم الأكبر للإخوان وجماعات الإسلام السياسي في المنطقة، وعلى رأسهم الحوثيون في اليمن، أصبح “صالح” الأكثر سعادة بالقرار، وقال “حان الآن إزاحة الكهنة من حكم اليمن”، في إشارة للتخلص من الحوثيين بعدما أصبح حليفهم الخفي مكشوفا للدول الخليجية خاصة السعودية.
شعرة معاوية
صالح وعبر “شعرة معاوية” مع أصدقائه في الإمارات استطاع خلال الأشهر الأخيرة أن يكون مصدر ثقة لهم، وتوصل إلى اتفاق غير معلن حتى الآن وفقا لتصريح المتحدث الرسمي باسم الحوثيين محمد عبد السلام في إقصاء الحوثيين ودحرهم من صنعاء بدعم من التحالف.
وجاء فتح قناة غير مباشرة بين صالح والأمير محمد بن سلمان ولي العهد السعودي لتبدأ مرحلة أفول الحوثيين في اليمن، على طريقة سيناريو سقوط الإخوان في مصر.
ففي أكتوبر الماضي، ذكرت تقارير إعلامية عربية، أن رئيس حزب المؤتمر الشعبي العام، علي عبد الله صالح، فتح قنوات تواصل مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بعد أن كان يرفض بن سلمان أي حديث للتواصل مع صالح، وجاء الاتصال برعاية وتنسيق مع ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد، بهدف التنسيق ما بين “المؤتمر” جناح صالح، وبين قيادة تحالف العدوان على اليمن لدحر الحوثيين وإنهاء الصراع في اليمن.
تحييد “إخوان اليمن”
الهدية الأخرى التي جاءت لصالح من الرياض وكمؤشر على التوافق والرضا السعودي، كانت عبر رصد الرياض، في 4 نوفمبر، مكافآت مليونية للإبلاغ عن قيادات الحوثيين تتراوح بين 5 إلى 30 مليون دولار، وجاء في قائمة المطلوبين من عناصر الميليشيات الإيرانية الإرهابية في اليمن 40 مطلوبًا، فيما خلت القائمة من أي قيادي بحزب المؤتمر الشعبي العام الذي يتزعمه صالح.
الطريق الآخر الذي يؤمن تحرير اليمن من الحوثيين، هو تحييد جماعة حزب التجمع اليمني للإصلاح “الإخوان المسلمين في اليمن”، حيث أعلنت وكالة الأنباء السعودية “واس” في 10 نوفمبر الماضي، عن لقاء ولي العهد السعودي محمد بن سلمان مع رئيس حزب التجمع اليمني للإصلاح “الإخوان المسلمين في اليمن” محمد اليدومي، والأمين العام للحزب عبد الوهاب الآنسي، وهو ما يمنع يجعل “صالح” مؤمنا في تحركه ضد الحوثيين في ظل العلاقات القوية التي تربط الإخوان بالحوثيين وقطر؛ الحليف الأمين لجماعة عبد الملك الحوثي، وتأتي مكاسب “إخوان اليمن” في البقاء “شرعيا” من قبل السلطة الجديدة في اليمن، ومع إعلان “حزب الإصلاح” فك الارتباط بجماعة الإخوان المصنفة “إرهابية” في مصر والسعودية والإمارات.
الساعات الأخيرة
أصبح الحوثيين يعتريهم الغرور في إطلاق صواريخ “بالستية إيرانية” على السعودية لا تصيب شيئا، ولكن تمثل لهم الفخر في مواجهة السعودية، بينما اليمنيون يعانون من الفقر والجوع والأمراض، وأصبحت خزائن الدول خاوية على عروشها، بينما قادة الحوثيين يشترون الأراضي والقصور والعقارات داخل وخارج اليمن. كما ذكر السياسي اليمني على البختي.
جاءت المناوشات المتكررة في الأسابيع الأخيرة بين قوات صالح “الحرس الجمهوري”، وميليشيات الحوثيين كاختبارت أخيرة قبل ساعة الصفر في ليل السبت 2 ديسمبر.
اليوم سيطر قوات الرئيس صالح على صنعاء العاصمة ودحر الحوثيين، جاء دعم التحالف العربي والإمارات والسعودية والحكومة الشرعية متمثلة في حكومة عبد ربه منصور هادي لتشكل تناغما قويا في إنهاء الحرب ودحر الحوثيين وعودة الاستقرار في اليمن عبر الحاوي، وملك الخلطة السرية في حكم اليمن الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح.
ماذا عن القادم؟
يرى مراقبون أن الخريطة باتت واضحة وقوية، بتأمين الدولة اليمنية من سيطرة الإيرانيين، وبذلك يؤمن العرب باب المندب من أي تسلل إيراني إلى المنطقة، وتنهي دول التحالف عملياتها العسكرية وتبدأ مشروع “مارشال” في إعمار اليمن، ويحتفظ علي عبد الله صالح -كمهندس المرحلة المقبلة “سياسيا”- بحكم اليمن، وهو تحديد إجراء انتخابات جديدة قد يكون ابنه أحمد علي صالح مرشحا للرئاسة وقد يفوز بالأغلبية.
أما “الإخوان” سيكون لهم دور سياسي عبر بقاء حزب التجمع اليمني للإصلاح كظهير سياسي، فيما تنتهي مرحلة “هادي” ونائبه اللواء “علي محسن الأحمر” لتبدأ مرحلة جديدة لشباب اليمن.