أعلن الرئيس التركي ” رجب طيب أردوجان ” يوم (20) يناير 2018 بدء العملية العسكرية في مدينة ” عفرين ” السورية ، مشيراً إلى أنها ستستمر حتى تطهير مدينة ” منبج ” على الحدود التركية من المنظمات الإرهابية .. في السياق ذاته أكدت رئاسة الأركان التركية أن العملية العسكرية أطلق عليها اسم عملية ” غصن الزيتون ” ، تستهدف القضاء على إرهابيي ( حزب العمال الكردستاني / حزب الاتحاد الديمقراطي / وحدات حماية الشعب الكردية / تنظيم داعش ) في ” عفرين ” وإنقاذ شعب المنطقة من قمع الإرهابيين .
تكمن أهمية عفرين بالنسبة لتركيا في أنها تخضع لسيطرة الأكراد ، كغيرها من مناطق الشمال السوري ، وتخشى أنقرة أن تكون عفرين نقطة انطلاق للقوات الكردية لضم مناطق أخرى .. وتعتبر أنقرة القوات الكردية المنتشرة شمال سوريا امتدادا لمتمردي حزب العمال الكردستاني في تركيا .
تأتي العملية بعد تصاعد التوتر السياسي ما بين ( تركيا / الولايات المتحدة ) بعد الكشف عن خطط أمريكية لإنشاء قوات أمنية حدودية في شمال سوريا ، قوامها (30 ) ألف مسلح بالتعاون مع ” قوات سوريا الديمقراطية ” ( التي تقاتل ضمن صفوفها قوات كردية ) تنتشر على طول الحدود السورية مع تركيا والعراق وضفة نهر الفرات الشرقية ، وتخشى تركيا أن يتمكن أكراد سوريا من إقامة كيان جغرافي متصل على حدود تركيا قبالة المحافظات الجنوبية التي تقطنها أغلبية كردية .. الأمر الذي اعتبرته أنقرة تهديداً مباشراً موجهاً لها من واشنطن .. واستدعى ذلك توضيحات من وزير الخارجية الأمريكي ” ريكس تيلرسون ” لنظيره التركي ” مولود جاويش أوغلو ” ، نفى فيها تشكيل مثل هذه القوة .. وطمأنت واشنطن الجانب التركي بأن التحالف الدولي ضد تنظيم (داعش) لن يشن عمليات عسكرية في منطقة مدينة عفرين السورية ، كما نفت أي دعم لـ ( وحدات حماية الشعب الكردية ) الموجودة في مدينة عفرين ، وقالت إنها ” لا صلة لها بها ” .
كما تُمثل العملية العسكرية التركية في منطقة عفرين شمال سوريا ، مدخل لترسيخ النفوذ التركي في سوريا ضمن أهداف أوسع تحاول أنقرة إنجازها في الإقليم ، كما أن هناك أهداف استراتيجية – بجانب ما سبق – غير معلنة أبرزها الآتي :
أ – الوجود العسكري التركي على الأرض هو الضامن الوحيد للفوز بنفوذ مؤثر في مستقبل سوريا ، حيث ستستغل تركيا ذلك في الحصول على مقعد آخر على طاولة إعادة إعمار سوريا ، مما يعني استفادة مباشرة للشركات التركية وضمان حصة مهمة من أموال المانحين الدوليين بعد انتهاء الحرب .
ب – يعزز هذا التدخل العسكري المزيد من الحضور التركي في مناطق سورية أخرى ، مثل إدلب التي تحتضن الجماعات المعارضة المسلحة المرتبطة والمدعومة من تركيا ، وتأمل أنقرة في أن يوازي تواجدها النفوذ الإيراني الذي تؤيده السلطات في دمشق .
جـ – على الصعيد الداخلي في تركيا ، فإن حزب العدالة والتنمية الحاكم سيستفيد من المعارك الدائرة في حشد الأصوات القومية إلى جانبه ، فعلى الرغم من الخلافات الكثيرة بين الحزب الحاكم ذو التوجهات الإسلامية وأحزاب المعارضة المختلفة ، فإن ثمة إجماع تركي على ضرورة منع قيام دولة كردية على الحدود سواء في كردستان العراق أو في سوريا .. ويخدم هذا التوجه طموح ” أردوجان ” في جلب مزيد من الأصوات في الانتخابات البرلمانية والرئاسية المقبلة .
بالرغم من التحفظ الروسي على تلك العملية ، فإن مجريات الأمور تشير إلى أن هناك تنسيقاً عالياً بين ( تركيا / روسيا ) .. وهو ما يشير إليه زيارة رئيس هيئة الأركان التركية ” خلوصي آكار ” إلى روسيا قبل انطلاق العملية بأيام ، وما أعقبها من سحب روسيا لمراقبيها في عفرين .. وفي بيان لاحق اتهمت روسيا الولايات المتحدة بأنها السبب في تجدد الاشتباكات على الحدود السورية .. حيث أكدت أن أعمال واشنطن الاستفزازية بهدف عزل المناطق التي يسكنها الأكراد ، أحد العوامل الرئيسية التي أسهمت بتطوير الأزمة في هذا الجزء من سوريا ( عفرين ) .. وهو ما يعد اتهام روسي مباشر لواشنطن بأنها كانت تسعى لتكوين قوه كردية على الحدود .
سياسياً .. من الواضح أن التنسيق ( التركي / الروسي ) على العملية العسكرية في عفرين سيخضع لمساومات بينهما ، حيث أنه لن يتم التنسيق قبل العملية إلا مقابل تنفيذ الجانب التركي التزاماته المتعلقة بمسار ( مفاوضات أستانا ) ، والقاضية بضمان الأمن في إدلب والتحرك نحو تصفية ” جبهة فتح الشام ” ( جبهة النصرة سابقا ) تدريجياً .
يأتــي كل ذلك في وقت تستعد فيه موسكـو – بالاشتراك مـع أنقـرة وطهـران – لعقـد مؤتمر ” سوتشي ” لما يسمى ( الحوار الوطني السوري ) نهاية الشهر الجاري ، حيث إن أي إعاقة من طهران أو موسكو للرغبة التركية ستؤثر على ظروف وعوامل نجاح عقد هذا المؤتمر ، بل وعلى مستقبل الوضع في سوريا .. ولذلك ليس مصادفة أن يعلن ” جاويش أوغلو ” أن نائب مستشار الخارجية التركية سيتوجه إلى ” سوتشي ” لحضور اللقاء التحضيري لمؤتمر الحوار الوطني ، وأن وحدات حماية الشعب الكردية لن تحضر هذا المؤتمر .
فيما يخص الجانب الإيراني .. أجرت أنقرة اتصالات مكثفة مع طهران في إطار التمهيد لعملية عفرين ، مستندة لرفض الطرفين قيام كيان كردي مستقل سواء أكان في سوريا أم العراق ، تحسباً لانعكاسات محتملة على أمنهما القومي ، وتعوّل على التنسيق المشترك بينهما في الملف السوري ، الأمر الذي يعتبره الأتراك عاملاً مساعداً في موافقة إيران على تحرك بلادهم في الشمال السوري .. ولكن طهران في المقابل لا تريد أن تُطلق يد تركيا في شمال سوريا ، تخوفاً من تأثير الدور التركي على مشروعهم التوسعي فيها وفي المنطقة العربية ، إضافة إلى سعي طهران لأن تكون صاحبة اليد الطليقة في الوضع السوري بالتعاون والتنسيق مع روسيا .
الموقف الميداني على الأرض :
أشارت وكالة الأناضول التركية إلى أن الجيش التركي دخل لمسافة (5 ) كيلو متر داخل عفرين ، فيما نفت وحدات حماية الشعب الكردية دخول الجيش التركي إلى عفرين ، مشيرة إلى أنها تصدت لمحاولات عبور الحدود إلى عفرين .. وفيما يخص الخسائر فهناك تقارير من الجانبين حول وقوع خسائر بشرية .. حيث تقول الوحدات الكردية أن أكثر (4 ) جنود من الأتراك قتلوا خلال الاشتباكات ، ولكن أنقرة لم تؤكد أو تنفي ذلك .. في المقابل أعلنت تركيا عن مقتل أكثر ( 9) من عناصر المليشيا الكردية .
أبرز ردود الفعل
تباينت ردود الفعل على العملية العسكرية التي تشنها القوات التركية في مدينة عفرين السورية ، على النحو التالي :
سوريــــــا
وصف الرئيس السوري ” بشار الأسد ” ، العملية بـالعدوان التركي الغاشم على مدينة عفرين .. في المقابل صرح وزير خارجية تركيا ” مولود جاويش أوغلو ” أن كل من يعارض العملية التركية في منطقة عفرين يأخذ جانب الإرهابيين ويجب أن يعامل على هذا الأساس .
تركيــــــا
أعلنـت وزارة الخارجيــة التركيــة أمــس عــن استدعاء ممثلي البعثات الدبلوماسية لـ ( الكويت / السعودية / قطر / العراق / لبنان ) لتطلعهم على آخر التطورات حول عملية عفرين .. وذكرت مصادر دبلوماسية لـوكالة الأناضول أن الخارجية التركية استدعت سفراء ( بريطانيا / فرنسا / الصين ) في العاصمة أنقرة إلى مقرها وأطلعتهم على معلومات حول عملية ” غصن الزيتون ” في عفرين ، إضافة إلى ممثلي البعثات الدبلوماسية الأمريكية والإيرانية والروسية لديها .
روسيـــا
إعلان وزير الخارجية الروسي ” سيرجي لافروف ” أن الأعمال الأحادية للولايات المتحدة في سوريا قادت تركيا إلى الغضب الشديد .
الولايات المتحدة
دعت الولايات المتحدة تركيا إلى ضبط النفس خلال عملياتها العسكرية لتجنب حدوث خسائر في صفوف المدنيين ، وأشارت وزارة الخارجية الأمريكية إلى أن زير الخارجية ” ريكس تيلرسون ” ناقش مع وزيري الخارجية التركي والروسي الوضع في عفرين .
إيـــــران
طالب رئيس الأركان الإيراني ” محمد باقری ” في اتصال هاتفي مع نظيره التركي ” خلوصي آكار ” عدم التعرض لوحدة الأراضي السوریة .
فرنســـا
صرح وزير الخارجية الفرنسي أن بلاده تدعو لعقد جلسة طارئة لمجلس الأمن الدولي لبحث الأوضاع في سوريا بعد أحداث عفرين وإدلب ، وطالبت بوقف إطلاق النار بشكل كامل ، في حين صرح وزير الخارجية التركي أن أنقرة تتوقع أن تساند فرنسا العملية التركية في عفرين ، مضيفا: ” إذا نقلت فرنسا أو أي دولة أخرى هذه المسألة ، إلى مجلس الأمن الدولي ، فستجد نفسها في موقف الدول التي تقف مع الإرهابيين ، نحن لا نرى دواعي لنقل مسألة عملياتنا في عفرين إلى الأمم المتحدة ” .
ألمانيــا
أعرب وزير الخارجية الألماني عن قلق بلاده من المواجهة العسكرية بين تركيا والأكراد في مدينة عفرين .
مصـــر
أعربت مصر ، عن رفضها للعمليات العسكرية التي تشنها القوات التركية في مدينة عفرين السورية ، واعتبرتها انتهاكا جديدا للسيادة السورية .
الناتــو
صرح مسئول في حلف ” الناتو ” أن تركيا تطلع الحلف على مجريات العملية العسكرية في عفرين السورية ، وأنها زودت أعضاء الحلف بمعلومات عن العملية .