أكد السفير عمرو أبو العطا مندوب مصر لدى الأمم المتحدة إن فاتورة مأساة سوريا لم يعد يتحملها سوى أبناء الشعب السورى الذى تفرق دمه بين مصالح الدول والجماعات، وبين تزييف الحقائق والمتاجرة بمعاناة الأطفال والنساء، مضيفا : لقد حان الوقت لتجنيب المصالح الضيقة التى تحكمت خلال السنوات الماضية فى مصير السوريين، والتى يهدد استمرارها بتدمير مستقبلهم.
وأكد أبو العطا خلال إلقاءه بيان مصر أمام الجلسة الخاصة بحلب داخل مجلس الأمن، على أن عملية جنيف التى يديرها المبعوث الأممى ستافان دى مستورا وفقاً لمحددات القرار 2254، والتى تستهدف التوصل للانتقال السياسى فى سوريا، تظل بارقة الأمل الوحيدة للتسوية، وأدعو جميع أعضاء المجتمع الدولى للوقوف خلف تلك العملية، وخلف المبعوث الدولي، بصدق ونية خالصة، وأدعوهم إلى إيلاء مصلحة الشعب السورى الأولوية الأولى بعيداً عن الحسابات السياسية ومواءمات المصالح والأطماع.
وقال أبو العطا فى بيانه “أتحدث إليكم اليوم ليس فقط بصفتى ممثلاً لدولة عضو بمجلس الأمن، بل أيضاً من منطلق كونى مواطناً مصرياً عربياً يتألم من واقع المأساة التى يعيشها الشعب السورى الشقيق تحت وطأة النزاع المسلح المستمر منذ خمسة أعوام، لقد انطلق الحراك الشعبى السورى فى مارس 2011، حراكاً سلمياً يتطلع للتغيير، إلا أن العديد من العوامل أدت إلى ازدياد حدة الاحتجاجات والمواجهات وسقوط الأبرياء، وتدهورت الأوضاع على مدار السنوات الخمس الماضية، وزادت التدخلات الخارجية فى الشأن السورى بصورة غير مسبوقة، فتم السماح للميليشيات والمقاتلين الإرهابيين الأجانب والسلاح بالعبور للداخل السورى للقتال لصالح أطراف خارجية وداخلية، فاختفى الحراك السلمي، وتحولت الأوضاع إلى صراع مسلح بالوكالة، وتحولت الأراضى السورية إلى ملاذ آمن ومرتع للإرهاب والطائفية والفوضى”.
وأضاف أبو العطا ” بعد سنوات طويلة من معاناة الشعب السورى ، تمكن المجتمع الدولى مؤخراً، ولأول مرة، من خلال مجلس الأمن ومجموعة الدعم الدولة لسوريا، من التوصل إلى توافق حول الحل السياسى، ولعله من المهم التأكيد فى هذا الشأن على أن التوافق الدولى تأسس على عدد من الدعائم الرئيسية والمتوازية، هي:
1- وقف العدائيات فى سوريا وصولاً لوقف إطلاق نار شامل فى البلاد.
2- تحقيق الانتقال السياسى من خلال مفاوضات بين الحكومة السورية وأوسع طيف ممكن من المعارضة، بناءً على قرار مجلس الأمن 2254 وبيان جنيف.
3- العمل على تحسين الأوضاع الإنسانية وإيصال المساعدات الإنسانية للمحتاجين فى سوريا بما فى ذلك بالمناطق المحاصرة.
4- مكافحة الإرهاب والتطرف. وقال مندوب مصر لدى الامم المتحدة ” ورغم وضوح عناصر التوافق الدولى وتماشيها مع المنطق السياسى والإنساني، ورغم التطورات الإيجابية التى شهدتها الأوضاع على الأرض فى سوريا منذ إعلان وقف العدائيات، إلا أننا فوجئنا مجدداً بتجدد الاشتباكات العنيفة بمدينة حلب وسقوط العديد من المدنيين والضحايا الأبرياء.
ودعونى فى هذا الصدد أكرر مجدداً إدانة مصر لعمليات القصف التى استهدفت المدنيين، ولا سيما قصف المستشفيات وما خلفته من مشاهد يندى لها الجبين، كما يهمنى التأكيد على ضرورة احترام جميع الأطراف فى سوريا للقانون الدولى الإنساني، ونفاذ المساعدات الإنسانية والطبية، والتأكيد كذلك على التزام مصر بالعمل مع شركائها فى المجلس للتأكد من احترام قرار مجلس الأمن رقم 2286 الخاص بحماية المنشآت الطبية فى أوقات الحرب، وهو القرار الذى تم تبنيه يوم أمس بالمجلس بناء على مشروع مقدم من مصر وشركائها أسبانيا ونيوزيلاندا واليابان وأوروجواى”.
وأكد ابو العطا انه رغم أن مكافحة الإرهاب تظل إحدى الدعائم الرئيسية لتسوية الأزمة السورية، بل ولحماية الأمن والسلم الدوليين فى العالم أجمع، إلا أن التردد مازال ينتاب بعض القوى ويعرقل الحسم، ومازال بعض آخر يعتقد أنه محصن من خطر الإرهاب، أو أنه سيتمكن من الاستفادة منه إذا غض الطرف عنه أو أمد له يد العون، وقال “ولعله قد حان الوقت لنواجه أنفسنا، ولنضع النقاط فوق الحروف، فقد توافق هذا المجلس وتوافقت الدول الأعضاء فى مجموعة الدعم الدولية الخاصة بسوريا على استثناء الجماعات الإرهابية من وقف إطلاق النار، إلا أننا مازلنا نلحظ تلكؤً فى مواجهة هذا الخطر، وتسييساً غير مفهوم أدى إلى نجاح جبهة النصرة –أو فرع تنظيم القاعدة بسوريا- فى استغلال وقف العدائيات للسيطرة على مزيد من الأراضى السورية لا سيما بمدينة حلب التى تشهد معارك عنيفة، كما تمكنت الجبهة من زيادة معدل التجنيد بصفوفها، واحتواء بعض الفصائل المسلحة التى لم تدرج على قائمة التنظيمات الإرهابية.
إن تلك الفصائل مازالت غير عابئة بالتهدئة وتصر على التعاون والتنسيق العملياتى مع النصرة رغم مرور أكثر من شهرين على وقف العدائيات، ورغم مناشدتها بفصل نشاطها عن التنظيمات الإرهابية، وهو أمر غير مقبول، ولا يجب أن يمر دون مراجعة”. وأضاف “وإننى أنتهز هذه المناسبة لأجدد دعوتى إلى مجموعة الدعم الدولية الخاصة بسوريا، لاسيما الرئاسة المشتركة الأمريكية الروسية، من أجل حسم هذا التردد والتلكؤ، فجبهة النصرة وحلفاؤها لا يقلون خطورة عن داعش، ولن يقبلهم الشعب السوري، ولا شعوب المنطقة، جزءً من حاضرهم أو مستقبلهم”.