أكد اللواء محمد إبراهيم نائب مدير المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية أن الدولة المصرية تعاملت مع أزمة فيروس “كورونا” بكل شجاعة وشفافية ومصداقية من منطلق كونها قضية “أمن قومي” وحرصت على اتخاذ كافة الإجراءات والقرارت التي تحافظ على قيمة الإنسان الذي يمثل الأساس في قوة الدولة وأهم عنصر في تنميتها وتقدمها، ومن ثم تركز القيادة السياسية على المواطن وصحته مع توفير كل الإجراءات الوقائية التي من شأنها احتواء هذا الوباء.
وقال اللواء محمد إبراهيم – في حوار مع مجلة (الأهرام العربي) – إن الدولة وهى تؤدي دورها في هذه الأزمة بتفان وبكفاءة وحرفية، فيجب على المواطن أن يكون لديه ثقة كاملة فيها وفي قياداتها ومؤسساتها وأن تكون هى مرجعيته الوحيدة في كل ما يتعلق بالتعامل مع هذه الأزمة مع حتمية أن يلتزم بتنفيذ كافة تعليماتها لأنها تصب في صالحه.
وأشار إلي أهمية ابتعاد المواطنين عن ترديد الشائعات التي تعج بها مواقع التواصل الإجتماعى لأنها تهدف إلى إحداث حالة من القلق وعدم الاستقرار داخل الدولة.
وأضاف إبراهيم – في الحوار الذي أجراه معه الصحفي هاني بدر الدين – أن آلية تعامل الدولة المصرية مع هذه الأزمة قد لاقى قدراً كبيراً من الاستحسان والتقدير الملحوظ على مستوى الرأى العام نظراً لشعور المواطن بمدى حرص الدولة عليه من كل النواحي بحيث يمكن القول إن هذه الأزمة زادت من ثقة المواطن في قيادته وهو الأمر الذي يفرض على الدولة أن يكون تعاملها مع كافة الأزمات التي قد نواجهها مستقبلاً بنفس هذه الحرفية وخاصة فيما يتعلق بآثار التغييرات الشديدة في الطقس التي لابد من أن يتم الاستعداد لها بشكل أكثر فاعلية .
سد النهضة
وحول ملف سد النهضة.. قال نائب مدير المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية إن مصر أبدت في مفاوضات سد النهضة التي استمرت حوالي 9 سنوات كل المرونة اللازمة التي من شأنها إنجاح المفاوضات من أجل الوصول إلى اتفاق شامل ودائم يحقق مصالح الأطراف الثلاثة “مصر والسودان وأثيوبيا”، ولم تمانع مصر في قيام أثيوبيا ببناء السد لتوليد الكهرباء بشرط ألا يؤثر ذلك على حصص مصر المائية وحقوقها التاريخية.
وأشار إلى أن أثيوبيا انتهجت موقفاً متشدداً وأبدت تعنتاً واضحاً خلال مراحل المفاوضات ولم تلتزم بإعلان المبادئ الذي وقعت عليه في 23 مارس 2015 كما غابت عن جولة واشنطن الأخيرة التي وقعت فيها مصر وحدها بالأحرف الأولى على الاتفاق النهائي الذي تم التوصل إليه بعد شهور مكثفة من التفاوض بمشاركة أمريكية والبنك الدولى .
وقال إن الولايات المتحدة بذلت جهداً كبيراً، وأبدت مصر تقديرها وامتنانها لهذا الجهد وذلك من خلال دور الوساطة الذي قامت به مع البنك الدولى حتى وصلت هذه الجهود إلى بلورة اتفاق نهائى لحل الأزمة، وبالرغم من عدم توقيع أثيوبيا والسودان علي الاتفاق فإن واشنطن أكدت أنها سوف تواصل جهودها حتى يتم حل هذه الأزمة.
وأوضح أن الموقف السوداني خلال فترات طويلة من التفاوض لم يكن مرضياً ولاسيما في ظل نظام الرئيس السابق حسن البشير ولكن من الإنصاف أن نقول إن هناك تطوراً إيجابياً طرأ على هذا الموقف مؤخراً في ضوء التحسن الواضح في العلاقات المصرية السودانية ، مشيرا إلى توافق الدولتين على رفض قيام أثيوبيا بالبدء في ملء السد دون اتفاق مع كل من مصر والسودان وهو نفس موقف واشنطن والبنك الدولى.
وأكد أن مصر لم تركن لحالة الجمود الراهنة في المفاوضات بل بدأت حركة دبلوماسية دولية نشطة مكثفة، حيث قام وزير الخارجية سامح شكرى بجولات عربية وأوروبية وأفريقية حاملاً رسائل من الرئيس عبد الفتاح السيسى إلى رؤساء هذه الدول توضح طبيعة الموقف المصري وآخر تطورات المفاوضات .
ولفت اللواء محمد إبراهيم إلى أن مصر ما زالت تأمل في التوصل لاتفاق من خلال المفاوضات ولكن في حالة استمرار الموقف الأثيوبى المتعنت واعتزامه بدء عملية الملء دون توافق مع السودان ومصر فلن يكون أمام مصر إلا أن تنتهج كافة الوسائل المتاحة لديها التي يكفلها لها القانون الدولى للحفاظ على حقوقها ومصالحها لاسيما وأن قضية المياه بالنسبة لنا هى قضية وجود.
مجلس النواب
وحول أداء مجلس النوب.. أكد نائب مدير المركز المصري للفكر والدراسات الإستراتيجية أن البرلمان قام بدور هام في الفترة السابقة في مجالات متعددة، ومن الطبيعي أن يكون الأمر في حاجة إلى تقييم أداء المجلس خلال المرحلة الماضية للوقوف على كل الإيجابيات لتعظيمها مع تلافي أية سلبيات تكون قد حدثت وهو أمر طبيعى حتى يظل البرلمان منارة عظيمة تؤدي دورها بكل كفاءة، كما أنه من الضرورى أن يكون الرأى العام على بينة بما يقوم به البرلمان من دور في سن القوانين التي تساهم في خدمة الوطن والمواطن من أجل إحداث عملية التفاعل المطلوبة بين البرلمان والمواطن.
مجلس الشيوخ
وحول انتخابات مجلس الشيوخ الذي تم إقراره في التعديلات الدستورية، قال اللواء محمد إبراهيم إن تجربة مجلس الشيوخ الذي سنشهد إعادة مولده من جديد خلال المرحلة القادمة ستكون خطوة هامة للغاية في دعم الحياة البرلمانية في مصر ومن ثم تبدو أهمية اختيار دقيق لأعضاء هذا المجلس الذي سيكون إضافة قوية تؤكد مدى أهمية التكامل المطلوب بين مجلسي الشيوخ والنواب وبما يصب في النهاية في دعم الدولة المصرية التي من المؤكد أنها ترنو إلى تعظيم قيمة وشأن هذين المجلسين.
الانتخابات البرلمانية
وبشأن الانتخابات المرتقبة بمجلسي النواب والشيوخ.. قال إبراهيم إن هناك نقطة هامة تتعلق بضرورة أن يقتنع المواطن بدور مجلسي النواب والشيوخ حتى يكون لديه الدافع القوى للتوجه إلى صناديق الانتخابات وأن يمارس حقه الدستورى عن قناعة وهذا الأمر لن يتأتى إلا من خلال ثلاثة عوامل؛ الأول أن يكون لدى السادة المرشحين برامج واقعية ورؤية مقنعة للمواطن، والعامل الثانى أن تكون الشخصيات المرشحة لتنال شرف عضوية هذين المجلسين من الشخصيات المشهود لها بالكفاءة والنزاهة والقدرة على الدفاع عن حقوق الوطن والمواطن، والعامل الثالث أن يقوم الإعلام بدور هام في توعية المواطنين بضرورة ممارسة حقهم الدستورى في انتخاب ممثليهم.
المحليات
وحول انتخابات المحليات المقبلة، قال اللواء محمد إبراهيم إن الانتخابات المحلية المقبلة لا تقل أهمية عن انتخابات مجلسي النواب والشيوخ، لأن المحليات هى القاعدة التي تؤسس لمدى رضاء المواطن عن أداء الدولة، نظراً لتعاملها المباشر مع المواطنين، وهنا أرى أهمية الإعداد الجيد لهذه الانتخابات وأن يكون عمادها جيل الشباب كما يطالب الرئيس عبد الفتاح السيسى بذلك، ونظراً لحساسية هذه الإنتخابات فلا مانع من أن تجرى في مرحلة تالية بعد الإنتهاء من إنتخابات البرلمان والشيوخ.
الحياة الحزبية
أما عن رأيه في الحياة الحزبية بمصر بعد ثورة 30 يونيو.. أكد اللواء محمد ابراهيم أن تجربة الأحزاب بعد ثورة يونيو 2013 وحتى الآن في حاجة إلى إعادة نظر وليس من المنطق أن نحكم على هذه التجربة بأنها سلبية أو غير مفيدة، فهناك جهد كبير ونشاط تقوم به بعض الأحزاب على مستوى الشارع، ولكن لازالت هذه التجربة في حاجة إلى تفعيل، وأن تصل الأحزاب إلى قلب وعقل المواطن، من خلال برامج واقعية تقنع المواطن وتربطه بها وتزيد من ولائه وانتمائه وتزيد من ربطه باستراتيجية الدول، وفي الوقت نفسه مطلوب من الأحزاب أن تكون لها رؤيتها وشخصيتها حتى لا تكون نسخة مكررة من أحزاب سابقة لم يكتب لها النجاح.
مكافحة الإرهاب
وبشأن دور الدولة في مكافحة الإرهاب، قال اللواء محمد إبراهيم إن مصر حققت نجاحا بشكل غير مسبوق في مواجهة الإرهاب وذلك من خلال بلورتها رؤية شاملة تتناول كافة مجالات المواجهة على المستويات العسكرية والأمنية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية والفكرية بحيث أصبحت التجربة المصرية نموذجاً متكاملاً لأية دولة ترغب في مكافحة ناجحة للإرهاب.
وأعرب عن الشكر والتقدير والامتنان للقوات المسلحة الباسلة والشرطة الوطنية للدور الهام الذي قاموا به في مواجهة الإرهاب وقدموا كل التضحيات فداء للوطن دون أى مقابل سوى قناعتهم بأن الدفاع عن الوطن هو واجب مقدس لا يعلوه أى واجب.
وقال: “بالرغم من كافة الجهود الناجحة التي تقوم بها الدولة إلا أن هناك ضرورة لأن تظل كل المؤسسات المنوط بها مكافحة الإرهاب يقظة ومتنبهة في ضوء عاملين رئيسيين؛ الأول أن جماعة الإخوان الإرهابية لازالت تحاول العبث بأمن البلاد رغم الضربات التي تلقتها, والعامل الثاني أن هناك دولا راعية للإرهاب تهدف إلى عدم استقرار مصر وهنا لابد أن نشير إلى أن تركيا قد قامت بنقل أعداد كبيرة من الميلشيات والمرتزقة من سوريا إلى الغرب الليبى وهو الأمر الذي يمكن أن يهدد الأمن القومي المصري في مرحلة لاحقة”.
الرئيس السيسي
وحول الوضع في مصر في ظل قيادة الرئيس السيسي، قال نائب مدير المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية “على المستوى الداخلي فقد تم دعم القوات المسلحة بأحدث الأسلحة مما جعل الجيش المصرى يقفز في تصنيفه إلى أن يكون واحداً من أقوى جيوش العالم وأصبح جيشاً يشار إليه بالبنان، كما تم تحقيق طفرة فى مجالات الطرق والإسكان والعشوائيات وتنمية غير مسبوقة لسيناء، مع تحقيق تقدم كبير بالنسبة لتنفيذ برنامج الإصلاح الإقتصادى الذي شهد لنا العالم بنجاحه، أما على المستوى الخارجي فقد تم تدعيم العلاقات المصرية المتميزة على كل المستويات العربية والإفريقية والإسلامية والأسيوية الأوروبية والأمريكية، وكذا دعم العلاقات مع كل من روسيا والصين وهو إنجاز يؤكد النجاح الكبير في سياساتنا الخارجية”.
القضية الفلسطينية
وبالنسبة للدور المصري في مساندة القضية الفلسطينية، قال نائب مدير المركز المصري للفكر والدراسات الإستراتيجية: “لقد بذلت مصر جهداً كبيراً على مدار ثلاث سنوات ابتداء من عام 2008 حتى وصلت عام 2011 إلى توقيع اتفاق في القاهرة لإنهاء الإنقسام الفلسطينى من خلال تقديم رؤية شاملة لحل كافة الخلافات ثم انطلقت بعد ذلك في مفاوضات مكثفة بين حركتى فتح وحماس حتى وصلت لاتفاق تنفيذي في أكتوبر 2017 ولكن للأسف لم تكن هناك إرادة سياسية كافيةلإنهاء هذا الانقسام وإن كان من الإنصاف الإشارة إلى أن الرئيس الفلسطيني محمود عباس “أبو مازن “قدم كل المرونة المطلوبة من أجل تحقيق المصالحة, ونأمل أن تقوم حماس المسيطرة على غزة بالتعامل مع موضوع المصالحة بمرونة أكبر حتى يتم تحقيق إختراق في هذه المشكلة وتعود اللحمة الفلسطينية كما كانت، ولازالت مصر مستعدة للقيام بدورها خاصة وأنها المفوضة من الجامعة العربية بهذا الملف.
وأشار إلى أن مصر تعاملت مع خطة السلام الأمريكية بقدر كبير من المسئولية، حيث أبدت تقديرها للجهود الأمريكية من ناحية،وأكدت على ثوابت الموقف المصري تجاه القضية الفلسطينية من ناحية أخرى، كما توافقت مع الإجماع العربى الذي أعلن في إجتماع الجامعة العربية في الأول من فبراير الماضي رفضه هذه الخطة.
وقال إن مصر لم ولن تغير موقفها تجاه أسس حل القضية الفلسطينية والتي تتلخص في إقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود عام 1967 عاصمتها القدس الشرقية على أن يتم ذلك من خلال التفاوض بين الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني، كما رفضت مصر كافة الإجراءات أحادية الجانب التي اتخذتها إسرائيل في الأراضي المحتلة.
وأكد ضرورة إعادة قراءة شاملة للموقف والدفع في اتجاه استئناف المفاوضات بمرجعية متفق عليها وإن كان هذا الأمر لا يمكن أن يتم إلا في أعقاب تشكيل حكومة إسرائيلية مستقرة ونأمل أن تكون حكومة تؤمن بالسلام وتفتح ذراعيها للإتفاق مع الفلسطينيين، حيث أن رؤية مصر التي عبر عنها الرئيس عبد الفتاح السيسى مراراً أن حل القضية الفلسطينية هو أساس الاستقرار في المنطقة.
الأزمة السورية
وحول الأوضاع في سوريا ومستقبلها، أكد اللواء محمد إبراهيم أن سوريا عانت بشكل كبير ولازالت، نتيجة التدخل الخارجي الذي ساهم في زيادة حدة الأزمة، وأصبح الصراع الدولي واضحاً يعبث بها، دون أي اكتراث بمصالح سوريا وشعبها وليس أدل على ذلك من التدخل التركي واحتلال مساحات كبيرة من الشمال السوري ثم بدأ الصراع يتفاقم بين تركيا وروسيا على الأرض السورية بحيث يحرص كل من الطرفين على تحقيق أهدافه وتكريس وجوده داخل سوريا، وفي ظل هذا الموقف المعقد تتحرك مصر من أجل أن تعود سوريا قوية مستقرة إلى الصف العربي مرة أخرى.
الأزمة الليبية
وبالنسبة للأزمة الليبية، قال نائب مدير المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية إن مصر أكدت منذ البداية أن ليبيا تمثل إحدى أهم أولويات الأمن القومي المصري ومن هنا تحركت مصر من أجل الحفاظ على الدولة الليبية الوطنية قوية ومستقرة، وفي هذا المجال دعمت مصر الجيش الوطني الليبي الذي يسعى إلى تطهير ليبيا من الجماعات الإرهابية، وتواصلت مع كل القوى الليبية الوطنية المتوافقة على مبدأ الحفاظ على وحدة الأراضي الليبية, كما رفضت بقوة التدخل التركي في الغرب الليبي وقيام “أردوجان ” بنقل آلاف من العناصر الإرهابية والميلشيات والمرتزقة حتى تكون رأس حربة تحقق الأهداف التركية في ليبيا.
وأشار إلى أن مصر ترى أن الأزمة الليبية لن يتم حلها إلا من خلال المسار السياسى التفاوضى ولن يتم حلها عسكرياً .
وقال إن النظام التركي يتبنى النهج التوسعي الذي يهدد الاستقرار في المنطقة، كما تقوم تركيا بإيواء ودعم العناصر الإخوانية الهاربة، وتوفير كافة السبل لهم من أجل مهاجمة مصر.
كما تسعى تركيا إلى أن يكون لها الدور الرئيسي في منطقة شرق المتوسط وأن تكون هي الدولة الرئيسية في تصدير الغاز إلى أوروبا، ومن ثم قام أردوغان بتوقيع اتفاق غير شرعى مع حكومة الوفاق الليبية من أجل ترسيم الحدود بين الدولتين لتحقيق نفس الهدف.
ونوه بأن هذه التحركات التركية في شرق المتوسط ستؤدي إلى إثارة المشكلات في هذه المنطقة وقد يصل الأمر إلى صراعات قد يصعب السيطرة عليها.
الأزمة اليمنية
وحول الأزمة اليمنية، قال نائب مدير المركز المصري للفكر والدراسات الإستراتيجية إن اليمن ما زال يعانى من عدم الاستقرار وتعدد دوائر الصراع في ظل السياسات الحوثية المدعومة بقوة من إيران والتي أدت إلى دخول اليمن في دوامة الصراعات دون وجود بارقة أمل على انتهاء هذه الأزمة خلال وقت قريب، ومن الضروري أن تكون هناك تحركات عربية جماعية قادرة على فرض إرادتها وإجبار الحوثيين على التوصل إلى حل يحقق المصلحة اليمنية ويعيد الاستقرار إلى دولة اليمن الشقيقة.