تحقيقات و تقاريرعاجل

هل‭ ‬العاصمة‭ ‬الجديدة‭ ‬قرار‭ ‬عشوائي‭ ‬ورغبة‭ ‬فرد‭ ‬واحد؟ ولماذا تحتاج مصر إلى عاصمة جديدة ؟… ( تقرير )

قديما‭ ‬كان‭ ‬الإغريق‭ ‬يعرفون‭ ‬أهمية‭ ‬سلاح‭ ‬الأمل‭ ‬فى‭ ‬بناء‭ ‬الدولة‭ ‬ومدها‭ ‬بقوة‭ ‬الصبر‭ ‬والاستمرار‭ ‬فى‭ ‬مواجهة‭ ‬محاولات‭ ‬تدميرها،‭ ‬لذا‭ ‬جعلوا‭ ‬من‭ ‬الأمل‭ ‬والرجاء‭ ‬إلها‭ ‬يقدسونه‭ ‬‮«‬Elpis‮»‬،‭ ‬ونشروا‭ ‬بين‭ ‬الناس‭ ‬أن‭ ‬إله‭ ‬الأمل‭ ‬الذى‭ ‬خرج‭ ‬من‭ ‬صندوق‭ ‬باندورا‭ ‬ليواجه‭ ‬آلهة‭ ‬الشر،‭ ‬خرج‭ ‬ضعيفا‭ ‬وبطيئا‭ ‬ولكنه‭ ‬أصبح‭ ‬أكثر‭ ‬قوة‭ ‬حينما‭ ‬استوطن‭ ‬فى‭ ‬نفوس‭ ‬الناس‭.‬

من‭ ‬تلك‭ ‬النقطة‭ ‬يمكنك‭ ‬أن‭ ‬تنطلق‭ ‬لتفهم‭ ‬ما‭ ‬تتعرض‭ ‬له‭ ‬المشروعات‭ ‬الكبرى‭ ‬التى‭ ‬تنفذها‭ ‬مصر‭ ‬فى‭ ‬السنوات‭ ‬الأخيرة‭ ‬من‭ ‬محاولات‭ ‬تشكيك‭ ‬لا‭ ‬تعتمد‭ ‬على‭ ‬منطق‭ ‬أو‭ ‬معلومة،‭ ‬فقط‭ ‬حملات‭ ‬لا‭ ‬تستند‭ ‬إلى‭ ‬منهج‭ ‬علمى‭ ‬أو‭ ‬أرقام‭ ‬واضحة‭ ‬لأن‭ ‬هدفها‭ ‬الأساسى‭ ‬ليس‭ ‬الإصلاح‭ ‬أو‭ ‬التعبير‭ ‬عن‭ ‬الرأى‭ ‬كما‭ ‬يروجون،‭ ‬بل‭ ‬هدفها‭ ‬قتل‭ ‬الأمل‭ ‬فى‭ ‬نفوس‭ ‬الناس،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬التشكيك‭ ‬فى‭ ‬قدرة‭ ‬هذه‭ ‬الدولة‭ ‬على‭ ‬النهوض‭ ‬مجددا‭.‬

لا‭ ‬يمكن‭ ‬لعاقل‭ ‬أن‭ ‬يرفض‭ ‬نقدا‭ ‬موضوعيا‭ ‬أو‭ ‬رأيا‭ ‬مغايرا‭ ‬فى‭ ‬مسألة‭ ‬المشروعات‭ ‬الكبرى‭ ‬التى‭ ‬تنفذها‭ ‬مصر‭ ‬بحثا‭ ‬عن‭ ‬تأسيس‭ ‬مستقبل‭ ‬جديد‭ ‬قادر‭ ‬على‭ ‬صناعة‭ ‬نهضة‭ ‬اقتصادية‭ ‬حقيقية‭ ‬تلك‭ ‬حقوق‭ ‬كفلها‭ ‬الدستور‭ ‬والقانون‭ ‬وأقرتها‭ ‬الطبيعة‭ ‬نفسها،‭ ‬أن‭ ‬تسأل‭ ‬لماذا‭ ‬قررت‭ ‬مصر‭ ‬بناء‭ ‬عاصمة‭ ‬جديدة؟،‭ ‬ولماذا؟‭ ‬ومن‭ ‬ينفذ‭ ‬ومن‭ ‬يراقب؟‭ ‬ومن‭ ‬أين‭ ‬يأتى‭ ‬تمويلها؟‭ ‬وكيف‭ ‬تحقق‭ ‬الاستفادة‭ ‬لعموم‭ ‬المواطنين؟‭ ‬وهل‭ ‬نحتاج‭ ‬إلى‭ ‬عاصمة‭ ‬جديدة‭ ‬أصلا؟‭ ‬هذا‭ ‬حق،‭ ‬ولكن‭ ‬يبقى‭ ‬الفارق‭ ‬كبير‭ ‬بين‭ ‬حقوق‭ ‬يراد‭ ‬بها‭ ‬باطل‭ ‬أدناه‭ ‬قتل‭ ‬الأمل‭ ‬فى‭ ‬نفسه‭ ‬الناس‭ ‬وأقصاه‭ ‬تخريب‭ ‬وطن‭ ‬بأكمله،‭ ‬وحقوق‭ ‬يراد‭ ‬بها‭ ‬الإصلاح‭ ‬وتحقيق‭ ‬الأفضل‭ ‬للوطن‭ ‬والمواطن. ‬

لم‭ ‬تعد‭ ‬النغمة‭ ‬التى‭ ‬يرددها‭ ‬العازفون‭ ‬حول‭ ‬المشروعات‭ ‬الكبرى،‭ ‬سواء‭ ‬قناة‭ ‬السويس‭ ‬أو‭ ‬العاصمة‭ ‬الإدارية‭ ‬الجديدة‭ ‬أو‭ ‬المليون‭ ‬ونصف‭ ‬فدان‭ ‬أو‭ ‬الإسكان‭ ‬المتوسط‭ ‬والإجتماعى‭ ‬أو‭ ‬المشروع‭ ‬القومى‭ ‬للطرق،‭ ‬نغمة‭ ‬غريبة‭ ‬بل‭ ‬تحولت‭ ‬إلى‭ ‬فعل‭ ‬مألوف‭ ‬بسبب‭ ‬كثرة‭ ‬تكرارها‭ ‬حتى‭ ‬بات‭ ‬واضحا‭ ‬أن‭ ‬مايتم‭ ‬ترديده‭ ‬فى‭ ‬إعلام‭ ‬الإخوان‭ ‬أو‭ ‬المخطوفين‭ ‬ذهنيا‭ ‬عبر‭ ‬مواقع‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعى‭ ‬لا‭ ‬يهدف‭ ‬إلى‭ ‬نقاش‭ ‬جاد‭ ‬ولا‭ ‬يمثل‭ ‬معارضة‭ ‬حقيقية‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬تطرح‭ ‬أسئلة‭ ‬منطقية‭ ‬مستندة‭ ‬إلى‭ ‬حقائق‭ ‬وأرقام،‭ ‬بل‭ ‬أصبحنا‭ ‬أمام‭ ‬كورال‭ ‬يردد‭ ‬اتهامات‭ ‬عشوائية‭ ‬ونغمات‭ ‬تشكيك‭ ‬بلا‭ ‬سند‭ ‬بشكل‭ ‬أفسد‭ ‬على‭ ‬أصحاب‭ ‬الآراء‭ ‬المغايرة،‭ ‬ومن‭ ‬يملكون‭ ‬انتقادات‭ ‬بناءة‭ ‬دورهم‭ ‬فى‭ ‬طرح‭ ‬وجهات‭ ‬نظرهم‭ ‬الجادة‭ ‬والحقيقية‭ ‬والمستندة‭ ‬إلى‭ ‬رغبة‭ ‬حقيقية‭ ‬فى‭ ‬التطوير‭ ‬وبناء‭ ‬مستقبل‭ ‬أفضل‭ ‬لهذا‭ ‬الوطن‭.‬

خلال‭ ‬السنوات‭ ‬الماضية‭ ‬كنا‭ ‬نقرأ‭ ‬ونشاهد‭ ‬تقارير‭ ‬دولية‭ ‬تتحدث‭ ‬عن‭ ‬الخراب‭ ‬المنتظر‭ ‬فى‭ ‬مصر،‭ ‬الآن‭ ‬أصبحت‭ ‬كافة‭ ‬تقارير‭ ‬المؤسسات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬الدولية‭ ‬تتحدث‭ ‬عن‭ ‬وضع‭ ‬اقتصادى‭ ‬مستقر‭ ‬وإيجابى‭ ‬ومبشر،‭ ‬وفى‭ ‬الأغلب‭ ‬هذه‭ ‬التقارير‭ ‬الدولية‭ ‬تأتى‭ ‬الإشارة‭ ‬واضحة‭ ‬إلى‭ ‬المشروعات‭ ‬الكبرى‭ ‬التى‭ ‬تنفذها‭ ‬مصر‭ ‬كسبب‭ ‬مباشر‭ ‬فى‭ ‬هذا‭ ‬التطور‭ ‬الإيجابى،‭ ‬وعلى‭ ‬رأسها‭ ‬مشروع‭ ‬العاصمة‭ ‬الإدارية‭ ‬الجديدة‭ ‬التى‭ ‬قالت‭ ‬وكالة‭ ‬موديز‭ ‬الدولية‭ ‬فى‭ ‬تقريرها‭ ‬الأخير‭ ‬بأنه‭ ‬من‭ ‬ضمن‭ ‬أسباب‭ ‬تحسن‭ ‬مؤشرات‭ ‬الأداء‭ ‬الإقتصادى‭ ‬المصرى‭ ‬مؤخرا‭.‬

ومع‭ ‬ذلك‭ ‬تتعرض‭ ‬العاصمة‭ ‬الإدارية‭ ‬الجديدة‭ ‬لحملات‭ ‬تشكيك‭ ‬وانتقاد،‭ ‬أغلبها‭ ‬لا‭ ‬يستند‭ ‬منهج‭ ‬أو‭ ‬معلومة‭ ‬واضحة،‭ ‬بل‭ ‬يرتدى‭ ‬ثوب‭ ‬العشوائية‭ ‬الهادفة‭ ‬إلى‭ ‬الإحباط‭ ‬وكسر‭ ‬الأمل‭ ‬فى‭ ‬نفوس‭ ‬الناس،‭ ‬وقليل‭ ‬منها‭ ‬يأتى‭ ‬مشروعا‭ ‬ومغلفا‭ ‬برغبة‭ ‬حقيقية‭ ‬فى‭ ‬الإطمئنان،‭ ‬المثير‭ ‬فى‭ ‬دراسة‭ ‬الإنتقادات‭ ‬التى‭ ‬وجهت‭ ‬للعاصمة‭ ‬الإدارية‭ ‬أن‭ ‬معظمها‭ ‬انتقادات‭ ‬عامة‭ ‬غير‭ ‬محددة‭ ‬أو‭ ‬مباشرة‭ ‬أو‭ ‬واضحة،‭ ‬فقط‭ ‬عبارات‭ ‬مطاطية‭ ‬لا‭ ‬تحمل‭ ‬نقدا‭ ‬محملا‭ ‬بمعلومة‭ ‬أو‭ ‬رقم،‭ ‬بينما‭ ‬جزء‭ ‬آخر‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الانتقادات‭ ‬جاء‭ ‬مستندا‭ ‬إلى‭ ‬شائعات‭ ‬لا‭ ‬أساس‭ ‬لها،‭ ‬بينما‭ ‬بعض‭ ‬الانتقادات‭ ‬الخاصة‭ ‬بمسألة‭ ‬الشفافية‭ ‬جاءت‭ ‬لتحمل‭ ‬الرد‭ ‬عليها‭ ‬بأن‭ ‬ما‭ ‬يتعلق‭ ‬بها‭ ‬موجود‭ ‬فى‭ ‬أرواق‭ ‬الدولة‭ ‬الرسمية‭ ‬منذ‭ ‬قررت‭ ‬الإعلان‭ ‬عن‭ ‬العاصمة‭ ‬الإدارية‭ ‬الجديدة‭. ‬

مع‭ ‬بدء‭ ‬الإعلان‭ ‬عن‭ ‬إنشاء‭ ‬العاصمة‭ ‬الإدارية‭ ‬الجديدة‭ ‬بدأت‭ ‬الانتقادات،‭ ‬تعالت‭ ‬بعض‭ ‬الأصوات‭ ‬التى‭ ‬تتحدث‭ ‬عن‭ ‬عشوائية‭ ‬اتخاذ‭ ‬القرار،‭ ‬وأنه‭ ‬قرار‭ ‬يعبر‭ ‬عن‭ ‬رؤية‭ ‬فردية‭ ‬ورغبة‭ ‬يملكها‭ ‬الرئيس‭ ‬فقط،‭ ‬وأن‭ ‬قرار‭ ‬إنشاء‭ ‬العاصمة‭ ‬الإدارية‭ ‬الجديدة‭ ‬لم‭ ‬يأتى‭ ‬ضمن‭ ‬خطة‭ ‬أو‭ ‬دراسة‭ ‬شاملة‭ ‬للدولة‭ ‬المصرية؟

والحقيقة‭ ‬أن‭ ‬أصحاب‭ ‬تلك‭ ‬الأسئلة‭ ‬النقدية‭ ‬فاتهم‭ ‬التدقيق‭ ‬فى‭ ‬أوراق‭ ‬الدولة‭ ‬الرسمية‭ ‬التى‭ ‬تكشف‭ ‬أن‭ ‬مشروع‭ ‬انشاء‭ ‬العاصمة‭ ‬الإدارية‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬فقط‭ ‬مجرد‭ ‬حلم‭ ‬قديم‭ ‬أثقلته‭ ‬السنوات‭ ‬بالدراسة‭ ‬والبحث‭ ‬والتمنى،‭ ‬خلال‭ ‬العهود‭ ‬السابقة،‭ ‬بل‭ ‬كان‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬رؤية‭ ‬الدولة‭ ‬المصرية‭ ‬الرسمية‭ ‬المعنونة‭ ‬برؤية‭ ‬مصر‭ ‬2030‭ ‬التى‭ ‬تم‭ ‬تقديمها‭ ‬للرأى‭ ‬العام‭ ‬كخريطة‭ ‬مستقبل‭ ‬رسمية‭ ‬تم‭ ‬اعتمادها‭ ‬بعد‭ ‬نداءات‭ ‬بضرورة‭ ‬وجود‭ ‬رؤية‭ ‬مستقبلية‭ ‬طويلة‭ ‬المدى‭ ‬للدولة‭ ‬المصرى‭ ‬التى‭ ‬عانت‭ ‬لعقود‭ ‬كثيرة‭ ‬من‭ ‬النظر‭ ‬تحت‭ ‬قدميها‭ ‬بسبب‭ ‬الاعتماد‭ ‬على‭ ‬الخطط‭ ‬قصيرة‭ ‬الأمد‭ ‬فقط،‭ ‬ومن‭ ‬هنا‭ ‬تحركت‭ ‬كل‭ ‬المؤسسات‭ ‬فى‭ ‬تنسيق‭ ‬لإجراءات‭ ‬الدراسات‭ ‬المكثفة‭ ‬لتظهر‭ ‬أول‭ ‬رؤية‭ ‬شاملة‭ ‬لمستقبل‭ ‬مصر‭ ‬الاجتماعى‭ ‬والاقتصادى‭ ‬تحت‭ ‬عنوان‭ ‬رؤية‭ ‬مصر‭ ‬2030‭ ‬التى‭ ‬تضمنت‭ ‬تصورا‭ ‬وخططا‭ ‬لزيادة‭ ‬الانتشار‭ ‬العمرانى‭ ‬بهدف‭ ‬مواجهة‭ ‬الزيادة‭ ‬السكانية‭ ‬المتنامية،‭ ‬والتى‭ ‬تمثل‭ ‬التحدى‭ ‬الأكبر‭ ‬أمام‭ ‬النهوض‭ ‬المصرى،‭ ‬ومن‭ ‬هنا‭ ‬كانت‭ ‬الرؤية‭ ‬الحتمية‭ ‬بضرورة‭ ‬البدء‭ ‬الفورى‭ ‬فى‭ ‬بناء‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬المدن‭ ‬الجديدة‭ ‬المتطورة،‭ ‬تواكب‭ ‬متطلبات‭ ‬الحياة‭ ‬والتقدم‭ ‬فى‭ ‬عصر‭ ‬جديد،‭ ‬وتم‭ ‬إطلاق‭ ‬خطة‭ ‬مدروسة‭ ‬ومرسومة،‭ ‬بتأسيس‭ ‬وإنشاء‭ ‬العاصمة‭ ‬الجديدة‭ ‬و13‭ ‬مدينة‭ ‬أخرى،‭ ‬فى‭ ‬شمال‭ ‬الدلتا،‭ ‬وشرق‭ ‬القناة‭ ‬بسيناء،‭ ‬والساحل‭ ‬الشمالى،‭ ‬وفى‭ ‬صعيد‭ ‬مصر،‭ ‬توفر‭ ‬المسكن‭ ‬اللائق،‭ ‬وفرص‭ ‬العمل‭ ‬الواسعة،‭ ‬والمرافق‭ ‬والخدمات‭ ‬المتطورة،‭ ‬لعشرات‭ ‬الملايين‭ ‬من‭ ‬المصريين،‭ ‬خلال‭ ‬السنوات‭ ‬المقبلة‭.‬

ولم‭ ‬يكن‭ ‬الإعلان‭ ‬عن‭ ‬انشاء‭ ‬العاصمة‭ ‬الإدارية‭ ‬الجديدة‭ ‬عشوائية‭ ‬أو‭ ‬وليد‭ ‬رغبة‭ ‬فردية‭ ‬لمؤسسة‭ ‬بعينها،‭ ‬بدليل‭ ‬أن‭ ‬الإعلان‭ ‬الأول‭ ‬تم‭ ‬فى‭ ‬13‭ ‬مارس‭ ‬2015‭ ‬داخل‭ ‬أروقة‭ ‬مؤتمر‭ ‬دعم‭ ‬وتنمية‭ ‬الاقتصاد‭ ‬المصرى،‭ ‬وفى‭ ‬هذا‭ ‬دلالة‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬العاصمة‭ ‬الإدارية‭ ‬الجديدة‭ ‬هى‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬تصور‭ ‬كامل‭ ‬للإصلاح‭ ‬الإقتصادى‭. ‬

مع‭ ‬الإعلان‭ ‬عن‭ ‬إنشاء‭ ‬العاصمة‭ ‬الإدارية‭ ‬الجديدة،‭ ‬رددت‭ ‬الألسنة‭ ‬فى‭ ‬كورال‭ ‬له‭ ‬رائحة‭ ‬إخوانية‭ ‬وهى‭ ‬مصر‭ ‬محتاجة‭ ‬عاصمة‭ ‬جديدة‭ ‬أصلا؟‭ ‬ويبدو‭ ‬السؤال‭ ‬فى‭ ‬ظاهره‭ ‬منطقيا‭ ‬ومحترما‭ ‬ولكن‭ ‬غرابة‭ ‬السؤال‭ ‬تكمن‭ ‬فى‭ ‬الأسئلة‭ ‬التى‭ ‬ظلت‭ ‬تردده‭ ‬بينما‭ ‬هى‭ ‬نفسها‭ ‬ذات‭ ‬الألسنة‭ ‬التى‭ ‬تشهد‭ ‬مضابط‭ ‬جلسات‭ ‬البرلمان‭ ‬وحوارات‭ ‬الصحف‭ ‬وتصريحات‭ ‬الندوات‭ ‬منذ‭ ‬سنوات‭ ‬طويلة‭ ‬أنها‭ ‬كانت‭ ‬تطالب‭ ‬دوما‭ ‬بالتوسع‭ ‬العمرانى،‭ ‬بل‭ ‬وتطالب‭ ‬بأن‭ ‬يتخذ‭ ‬التخطيط‭ ‬العمرانى‭ ‬للمدن‭ ‬الجديدة‭ ‬منهجا‭ ‬علميا‭ ‬لإنقاذ‭ ‬القاهرة‭ ‬من‭ ‬الزحام‭ ‬والاختناق‭ ‬والانهيار‭ ‬وتقديم‭ ‬خدمات‭ ‬إدارية‭ ‬وحكومية‭ ‬أفضل‭ ‬للمواطن‭ ‬المصرى‭.‬

المدهش‭ ‬أن‭ ‬الأصوات‭ ‬الإخوانية‭ ‬أو‭ ‬التابعة‭ ‬لحركات‭ ‬وأحزاب‭ ‬يسارية‭ ‬كانت‭ ‬هى‭ ‬أكثر‭ ‬الأصوات‭ ‬اتهاما‭ ‬لنظام‭ ‬مبارك‭ ‬فى‭ ‬الماضى‭ ‬بأنه‭ ‬يؤسس‭ ‬مدنا‭ ‬جديدة‭ ‬لا‭ ‬تتضمن‭ ‬خدمات‭ ‬حكومية‭ ‬متكاملة،‭ ‬وبالتالى‭ ‬مصر‭ ‬فى‭ ‬حاجة‭ ‬إلى‭ ‬فكر‭ ‬مختلف‭ ‬فى‭ ‬التخطيط‭ ‬العمرانى‭ ‬يضمن‭ ‬إنشاء‭ ‬مدن‭ ‬جديدة‭ ‬كاملة‭ ‬المرافق،‭ ‬وتستوعب‭ ‬المؤسسات‭ ‬والمصالح‭ ‬الحكومية،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬تحقق‭ ‬فى‭ ‬تصور‭ ‬الدولة‭ ‬لإنشاء‭ ‬عاصمة‭ ‬إدارية‭ ‬جديدة‭ ‬تضم‭ ‬الوزرات‭ ‬ومقرات‭ ‬الحكم‭ ‬والمجالس‭ ‬النيابية‭ ‬وكل‭ ‬ما‭ ‬يمكنه‭ ‬تأسيس‭ ‬مجتمع‭ ‬عمرانى‭ ‬جديد،‭ ‬بحيث‭ ‬تكون‭ ‬العاصمة‭ ‬الإدارية‭ ‬الجديدة‭ ‬مقراً‭ ‬للبرلمان‭ ‬والرئاسة‭ ‬والوزارات‭ ‬الرئيسية،‭ ‬وكذلك‭ ‬السفارات‭ ‬الأجنبية‭ ‬ويتضمن‭ ‬المشروع‭ ‬أيضاً‭ ‬متنزه‭ ‬رئيسى‭ ‬ومطار‭ ‬دولى،‭ ‬ويقام‭ ‬المشروع‭ ‬على‭ ‬مساحة‭ ‬إجمالية‭ ‬170‭ ‬ألف‭ ‬فدان‭.‬

ليتحقق‭ ‬حلم‭ ‬كان‭ ‬الرئيس‭ ‬الراحل‭ ‬أنور‭ ‬السادات‭ ‬أباح‭ ‬به‭ ‬حينما‭ ‬قرر‭ ‬إنشاء‭ ‬مدينة‭ ‬السادات‭ ‬فى‭ ‬شمال‭ ‬غرب‭ ‬القاهرة،‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تحويلها‭ ‬إلى‭ ‬عاصمة‭ ‬ثانية‭ ‬ولكن‭ ‬الحلم‭ ‬مات‭ ‬مع‭ ‬اغتيال‭ ‬الرئيس‭ ‬السادات‭ ‬فى‭ ‬أكتوبر‭ ‬1981،‭ ‬واستمرت‭ ‬القاهرة‭ ‬فى‭ ‬التكدس‭ ‬والتضخم‭ ‬والتلوث‭ ‬وظهرت‭ ‬العشوائيات‭ ‬التى‭ ‬كانت‭ ‬الخطر‭ ‬الأكبر‭ ‬على‭ ‬المجتمع‭ ‬المصرى،‭ ‬ثم‭ ‬جاء‭ ‬عهد‭ ‬الرئيس‭ ‬الأسبق‭ ‬حسنى‭ ‬مبارك‭ ‬وطرحت‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الأفكار‭ ‬الخاصة‭ ‬بنقل‭ ‬الوزرات‭ ‬والمقرات‭ ‬الحكومية‭ ‬خارج‭ ‬القاهرة‭ ‬تخفيفا‭ ‬للزحام‭ ‬وحفاظا‭ ‬على‭ ‬العاصمة‭ ‬العريقة،‭ ‬ووضعت‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬خطة‭ ‬لنقل‭ ‬مربع‭ ‬الوزارات‭ ‬إلى‭ ‬مدينة‭ ‬أكتوبر‭ ‬ولكن‭ ‬شيئا‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬لم‭ ‬ينفذ‭.‬

لذا‭ ‬يبدو‭ ‬غريبا‭ ‬أن‭ ‬الأصوات‭ ‬التى‭ ‬طالما‭ ‬كان‭ ‬حلمها‭ ‬هو‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬العاصمة‭ ‬التاريخية،‭ ‬وتخفيف‭ ‬الضغط‭ ‬عليها‭ ‬بإحياء‭ ‬المدن‭ ‬الجديدة‭ ‬ونقل‭ ‬المقرات‭ ‬الإدارية‭ ‬والحكومية‭ ‬إليها،‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تحقيق‭ ‬الانتشار‭ ‬الجغرافى‭ ‬هى‭ ‬التى‭ ‬تعلو‭ ‬الآن‭ ‬وتسأل‭ ‬مشككة‭ ‬عن‭ ‬جدوى‭ ‬انشاء‭ ‬العاصمة‭ ‬الإدارية‭ ‬وإذا‭ ‬ماكانت‭ ‬مصر‭ ‬تحتاجها‭ ‬أم‭ ‬لا؟

تمويل‭ ‬إنشاء‭ ‬العاصمة‭ ‬الإدارية‭ ‬الجديدة‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬أكثر‭ ‬الانتقادات‭ ‬والأسئلة‭ ‬التى‭ ‬تم‭ ‬تداولها‭ ‬بخصوص‭ ‬هذا‭ ‬المشروع‭ ‬الضخم،‭ ‬ومن‭ ‬أسفل‭ ‬هذه‭ ‬العباءة‭ ‬انطلقت‭ ‬أسئلة‭ ‬أخرى‭ ‬من‭ ‬نوعية،‭ ‬هتجيبوا‭ ‬فلوسها‭ ‬منين،‭ ‬أليس‭ ‬التعليم‭ ‬والصحة‭ ‬أولى‭ ‬بالإنفاق‭ ‬وهذه‭ ‬الأموال؟‭ ‬والحقيقة‭ ‬تبدو‭ ‬الأسئلة‭ ‬فى‭ ‬ثوبه‭ ‬المشروع‭ ‬شديدة‭ ‬النقاء،‭ ‬ولكن‭ ‬تكرار‭ ‬نغمة‭ ‬تلك‭ ‬الأسئلة‭ ‬رغبة‭ ‬الإجابات‭ ‬الرسمية‭ ‬التى‭ ‬جاءت‭ ‬على‭ ‬لسان‭ ‬رئيس‭ ‬الجمهورية،‭ ‬ثم‭ ‬رئيس‭ ‬مجلس‭ ‬الوزراء،‭ ‬ثم‭ ‬وزير‭ ‬المالية،‭ ‬ثم‭ ‬المتحدث‭ ‬باسم‭ ‬مشروع‭ ‬العاصمة‭ ‬الإدارية‭ ‬الجديدة،‭ ‬وكلها‭ ‬تنفى‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬تمويل‭ ‬إنشاء‭ ‬العاصمة‭ ‬الإدارية‭ ‬الجديدة‭ ‬من‭ ‬أموال‭ ‬الموازنة‭ ‬العامة‭ ‬للدولة‭ ‬جعل‭ ‬السؤال‭ ‬يتحول‭ ‬من‭ ‬طبيعته‭ ‬الطاهرة‭ ‬إلى‭ ‬سؤال‭ ‬خبيث،‭ ‬لا‭ ‬يهدف‭ ‬للحصول‭ ‬على‭ ‬الإجابة‭ ‬بقدر‭ ‬ما‭ ‬يهدف‭ ‬إلى‭ ‬تشكيك‭ ‬المواطن‭ ‬فى‭ ‬مؤسسات‭ ‬دولته‭ ‬ونشر‭ ‬الإحباط‭ ‬حول‭ ‬المشروع‭.‬

الإجابة‭ ‬الخاصة‭ ‬بمصادر‭ ‬تمويل‭ ‬إنشاء‭ ‬العاصمة‭ ‬الإدارية‭ ‬جاءت‭ ‬واضحة‭ ‬فى‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬موضع،‭ ‬أولها‭ ‬حينما‭ ‬قال‭ ‬وزير‭ ‬المالية‭ ‬فى‭ ‬تصريح‭ ‬رسمى‭ ‬نوفمبر‭ ‬2018‭: ‬إن‭ ‬الموازنة‭ ‬العامة‭ ‬للدولة‭ ‬لا‭ ‬تتحمل‭ ‬أية‭ ‬أعباء‭ ‬فى‭ ‬تمويل‭ ‬إنشاء‭ ‬العاصمة‭ ‬الإدارية‭ ‬الجديدة،‭ ‬وهو‭ ‬التصريح‭ ‬الذى‭ ‬يؤكد‭ ‬أن‭ ‬مخصصات‭ ‬الموازنة‭ ‬العامة‭ ‬للدولة‭ ‬الخاصة‭ ‬بالتعليم‭ ‬والصحة‭ ‬لم‭ ‬تتأثر‭ ‬بإنشاء‭ ‬العاصمة‭ ‬الإدارية‭ ‬الجديدة،‭ ‬ولم‭ ‬يتم‭ ‬تغير‭ ‬موضعها‭ ‬فى‭ ‬أجندة‭ ‬الأولويات‭ ‬بسبب‭ ‬هذا‭ ‬المشروع،‭ ‬لأنه‭ ‬وطبقا‭ ‬لتصريح‭ ‬السيد‭ ‬رئيس‭ ‬الجمهورية،‭ ‬فإن‭ ‬العاصمة‭ ‬الإدارية‭ ‬الجديدة‭ ‬لا‭ ‬تتلقى‭ ‬تمويلًا‭ ‬من‭ ‬موازنة‭ ‬الدولة،‭ ‬بل‭ ‬إن‭ ‬تمويل‭ ‬البنية‭ ‬الأساسية‭ ‬للمدن‭ ‬الجديدة‭ ‬مصدره‭ ‬بيع‭ ‬الأراضى‭ ‬التى‭ ‬ترتفع‭ ‬قيمتها‭ ‬لقربها‭ ‬من‭ ‬مشروعات‭ ‬الطرق‭ ‬الجديدة‭ ‬التى‭ ‬تنفذها‭ ‬الدولة‭.‬

بعض‭ ‬الأسئلة‭ ‬حول‭ ‬العاصمة‭ ‬الإدارية‭ ‬الجديدة‭ ‬كانت‭ ‬تأتى‭ ‬فى‭ ‬ثوب‭ ‬شائعات‭ ‬مثل‭ ‬تراجع‭ ‬الاستثمارات‭ ‬وعدم‭ ‬وجود‭ ‬جدوى‭ ‬اقتصادية‭ ‬للمشروع‭ ‬؟‭ ‬وبعيدا‭ ‬عن‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬حققه‭ ‬قرار‭ ‬إنشاء‭ ‬العاصمة‭ ‬الإدارية‭ ‬فى‭ ‬تلك‭ ‬المنطقة‭ ‬أحيا‭ ‬مجتمعا‭ ‬عمرانيا‭ ‬أدى‭ ‬لزيادات‭ ‬الاستثمارات‭ ‬فى‭ ‬تلك‭ ‬المنطقة‭ ‬وحقق‭ ‬نسبا‭ ‬مرتفعة‭ ‬من‭ ‬التوظيف‭ ‬بشكل‭ ‬يعالج‭ ‬أزمة‭ ‬البطالة،‭ ‬فإن‭ ‬الأخبار‭ ‬المتداولة‭ ‬عن‭ ‬الاستثمارات‭ ‬الأجنبية‭ ‬فى‭ ‬مشروع‭ ‬العاصمة‭ ‬الإدارية‭ ‬تقضى‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬الشائعات،‭ ‬ويكفى‭ ‬أن‭ ‬تعود‭ ‬إلى‭ ‬تقارير‭ ‬المؤسسات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬الدولية،‭ ‬سواء‭ ‬البنك‭ ‬الدولى‭ ‬أو‭ ‬صندوق‭ ‬النقد‭ ‬أو‭ ‬موديز‭ ‬أو‭ ‬شبكة‭ ‬بلومبيرج‭ ‬لتجد‭ ‬أن‭ ‬التقارير‭ ‬التى‭ ‬تتحدث‭ ‬بإيجابية‭ ‬عن‭ ‬الاقتصاد‭ ‬المصرى‭ ‬دوما‭ ‬ما‭ ‬تشير‭ ‬إلى‭ ‬العاصمة‭ ‬الإدارية‭ ‬بصفته‭ ‬مشروع‭ ‬جاذب‭ ‬للاستثمار‭ ‬وقادر‭ ‬على‭ ‬تغيير‭ ‬وجه‭ ‬تلك‭ ‬المنطقة،‭ ‬مستعينين‭ ‬على‭ ‬تأكيد‭ ‬ذلك‭ ‬بالطفرة‭ ‬الهائلة‭ ‬التى‭ ‬حققتها‭ ‬كازاخستان‭ ‬إقتصاديا‭ ‬وسياحيا‭ ‬بعد‭ ‬انشاء‭ ‬عاصمة‭ ‬جديدة،‭ ‬حيث‭ ‬تم‭ ‬إنشاء‭ ‬مدينة‭ ‬أستانا‭ ‬كعاصمة‭ ‬جديدة‭ ‬للبلاد،‭ ‬عقب‭ ‬الاستقلال‭ ‬عن‭ ‬الاتحاد‭ ‬السوفيتى‭ ‬كانت‭ ‬نموذجا‭ ‬فى‭ ‬التطوير‭ ‬والهيكلة،‭ ‬وفق‭ ‬أحدث‭ ‬الطرق‭ ‬التكنولوجية‭ ‬واللمسات‭ ‬الجمالية‭ ‬التى‭ ‬جعلت‭ ‬المدينة‭ ‬قبلة‭ ‬السياح‭ ‬فى‭ ‬العالم،‭ ‬فضلا‭ ‬عن‭ ‬كونها‭ ‬باتت‭ ‬مركز‭ ‬جذب‭ ‬للاستثمارات‭ ‬المتنوعة‭ ‬وريادة‭ ‬الأعمال،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬ترجمه‭ ‬منتدى‭ ‬إكسبو‭ ‬2017‭ ‬الذى‭ ‬استضافته‭ ‬أستانا،‭ ‬وساهم‭ ‬فى‭ ‬انتعاشة‭ ‬كبرى‭ ‬لاقتصاد‭ ‬كازاخستان،‭ ‬هذا‭ ‬بخلاف‭ ‬ما‭ ‬تم‭ ‬الإعلان‭ ‬عنه‭ ‬رسميا‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬اللواء‭ ‬أشرف‭ ‬فطين،‭ ‬رئيس‭ ‬القطاع‭ ‬الهندسى‭ ‬بشركة‭ ‬العاصمة‭ ‬الإدارية‭ ‬للتنمية‭ ‬العمرانية،‭ ‬بخصوص‭ ‬استثمارات‭ ‬أجنبية‭ ‬وخليجية‭ ‬مرتقبة‭ ‬بالمرحلة‭ ‬الأولى‭ ‬بمشروع‭ ‬العاصمة‭ ‬الإدارية‭ ‬الجديدة‭ ‬بقيمة‭ ‬50‭ ‬مليار‭ ‬دولار،‭ ‬أغلبها‭ ‬فى‭ ‬مجالات‭ ‬البنية‭ ‬التحتية‭ ‬والتكنولوجية،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬مشروعات‭ ‬ترفيهية‭ ‬ورياضية‭.‬

من‭ ‬بعيد‭ ‬تأتى‭ ‬انتقادات‭ ‬خاصة‭ ‬بمصير‭ ‬عشرات‭ ‬الآلاف‭ ‬من‭ ‬الموظفين‭ ‬كيف‭ ‬سيتم‭ ‬نقلهم،‭ ‬وهل‭ ‬سيتم‭ ‬تسريحهم‭ ‬والاستغناء‭ ‬عنهم،‭ ‬والجحيم‭ ‬الذى‭ ‬سيتعرض‭ ‬له‭ ‬العاملون‭ ‬فى‭ ‬تلك‭ ‬المصالح‭ ‬الحكومية‭ ‬بسبب‭ ‬نقل‭ ‬المقرات‭ ‬إلى‭ ‬مركز‭ ‬الحكم‭ ‬والعاصمة‭ ‬الجديدة؟‭ ‬والحقيقة‭ ‬أن‭ ‬أغلب‭ ‬ما‭ ‬يتم‭ ‬ترديده‭ ‬فى‭ ‬هذا‭ ‬الشأن‭ ‬يتنافى‭ ‬تماما‭ ‬مع‭ ‬الواقع‭ ‬والحقيقة‭ ‬التى‭ ‬تقر‭ ‬بأن‭ ‬العاصمة‭ ‬الإدارية‭ ‬الجديدة‭ ‬التى‭ ‬يتم‭ ‬تأسيسها‭ ‬وفق‭ ‬أحدث‭ ‬النظم‭ ‬المتطورة‭ ‬ستكون‭ ‬أول‭ ‬بداية‭ ‬حقيقية‭ ‬لهيكلة‭ ‬وتطوير‭ ‬المنظومة‭ ‬الإدارية‭ ‬فى‭ ‬المؤسسات‭ ‬الحكومية،‭ ‬وهو‭ ‬الأمر‭ ‬الذى‭ ‬نحلم‭ ‬به‭ ‬منذ‭ ‬زمن،‭ ‬بل‭ ‬أن‭ ‬الخطط‭ ‬الموضوع‭ ‬لنقل‭ ‬المقرات‭ ‬الحكومية‭ ‬للعاصمة‭ ‬الإدارية‭ ‬تضمنت‭ ‬إعادة‭ ‬تدريب‭ ‬وتأهيل‭ ‬الموظفين‭ ‬بالشكل‭ ‬الأمثل‭ ‬لتقديم‭ ‬خدمة‭ ‬حكومية‭ ‬أفضل،‭ ‬وهو‭ ‬أمر‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬ضمن‭ ‬أحلام‭ ‬المصريين،‭ ‬وفى‭ ‬هذا‭ ‬الشأن‭ ‬ستجد‭ ‬أنه‭ ‬منذ‭ ‬أيام‭ ‬اجتمع‭ ‬الرئيس‭ ‬السيسى‭ ‬مع‭ ‬الدكتور‭ ‬مصطفى‭ ‬مدبولى،‭ ‬رئيس‭ ‬مجلس‭ ‬الوزراء،‭ ‬والدكتورة‭ ‬هالة‭ ‬السعيد‭ ‬وزيرة‭ ‬التخطيط‭ ‬والإصلاح‭ ‬الإدارى،‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬مناقشة‭ ‬تطورات‭ ‬تنفيذ‭ ‬خطة‭ ‬الإصلاح‭ ‬الشامل‭ ‬للجهاز‭ ‬الإدارى‭ ‬للدولة،‭ ‬قبل‭ ‬انتقال‭ ‬الحكومة‭ ‬إلى‭ ‬العاصمة‭ ‬الإدارية‭ ‬الجديدة‭ ‬حتى‭ ‬يكون‭ ‬الأمر‭ ‬بمثابة‭ ‬نقلة‭ ‬نوعية‭ ‬لمستقبل‭ ‬الأداء‭ ‬الحكومى‭ ‬الحديث،‭ ‬وهو‭ ‬الأمر‭ ‬الذى‭ ‬يتم‭ ‬تنفيذه‭ ‬عبر‭ ‬برامج‭ ‬تدريب،‭ ‬وتأهيل‭ ‬موضوعة‭ ‬بعناية‭ ‬لتدريب‭ ‬ورفع‭ ‬كفاءة‭ ‬العاملين‭ ‬بالدولة،‭ ‬عبر‭ ‬بعثات‭ ‬خارجية‭ ‬وبرامج‭ ‬تدريبية‭ ‬داخلية‭ ‬بالشراكة‭ ‬مع‭ ‬أفضل‭ ‬الجامعات‭ ‬التعليمية‭ ‬الدولية.

ومثلما‭ ‬كشفت‭ ‬الأيام‭ ‬أكاذيب‭ ‬الإخوان‭ ‬التى‭ ‬أطلقت‭ ‬على‭ ‬مشروع‭ ‬العاصمة‭ ‬الإدارية‭ ‬الجديدة‭ ‬بأنه‭ ‬فنكوش،‭ ‬ومثلما‭ ‬ردت‭ ‬كتب‭ ‬التاريخ‭ ‬والعمارة‭ ‬على‭ ‬منتقدى‭ ‬إنشاء‭ ‬مسجد‭ ‬وكنيسة‭ ‬فى‭ ‬العاصمة‭ ‬الإدارية‭ ‬الجديدة‭ ‬بأن‭ ‬التاريخ‭ ‬الإسلامى‭ ‬والتخطيط‭ ‬العمرانى‭ ‬كان‭ ‬يشهد‭ ‬دوما‭ ‬بأن‭ ‬ما‭ ‬يتم‭ ‬تأسيسه‭ ‬فى‭ ‬المدن‭ ‬الجديدة‭ ‬هو‭ ‬المسجد‭ ‬والكنيسة،‭ ‬تجيب‭ ‬الأيام‭ ‬الآن‭ ‬على‭ ‬السؤال‭ ‬التشكيكى‭ ‬الأبرز‭ ‬الذى‭ ‬تم‭ ‬الترويج‭ ‬له‭ ‬عبر‭ ‬حملات‭ ‬متعددة‭ ‬فى‭ ‬مواقع‭ ‬التواصل‭ ‬الإجتماعى‭ ‬عن‭ ‬تخريب‭ ‬القاهرة‭ ‬العاصمة‭ ‬التاريخية‭ ‬لصالح‭ ‬العاصمة‭ ‬الإدارية‭ ‬الجديدة‭.‬

بينما‭ ‬الحقيقة‭ ‬الواضحة‭ ‬كما‭ ‬وضوح‭ ‬الشمس‭ ‬أن‭ ‬القاهرة‭ ‬التاريخية‭ ‬بأهلها‭ ‬وحضارتها‭ ‬وآثارها‭ ‬هم‭ ‬أكبر‭ ‬المستفيدين‭ ‬من‭ ‬مشروع‭ ‬العاصمة‭ ‬الإدارية‭ ‬الجديدة،‭ ‬لأن‭ ‬القاهرة‭ ‬التاريخية‭ ‬التى‭ ‬اختنق‭ ‬جمالها‭ ‬وآثارها‭ ‬وأهلها‭ ‬حتى‭ ‬كادوا‭ ‬أن‭ ‬يموتوا‭ ‬ستشهد‭ ‬نقلة‭ ‬حضارية‭ ‬من‭ ‬نوع‭ ‬مختلفة،‭ ‬بسبب‭ ‬مشروع‭ ‬العاصمة‭ ‬الإدارية‭ ‬الجديدة‭ ‬التى‭ ‬نصت‭ ‬أهداف‭ ‬تأسيسها‭ ‬على‭ ‬تحقيق‭ ‬حلم‭ ‬تطوير‭ ‬القاهرة،‭ ‬وتحولها‭ ‬إلى‭ ‬مركز‭ ‬سياسى‭ ‬وثقافى‭ ‬واقتصادى‭ ‬رائد‭ ‬لمنطقة‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬وشمال‭ ‬إفريقيا‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬بيئة‭ ‬اقتصادية‭ ‬مزدهرة‭ ‬تدعمها‭ ‬الأنشطة‭ ‬الاقتصادية‭ ‬المتنوعة،‭ ‬وتحقيق‭ ‬التنمية‭ ‬المستدامة‭ ‬لضمان‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬الأصول‭ ‬التاريخية‭ ‬والطبيعية‭ ‬المميزة‭ ‬التى‭ ‬تمتلكها‭ ‬القاهرة،‭ ‬وتسهيل‭ ‬المعيشة‭ ‬فيها،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬بنية‭ ‬تحتية‭ ‬تتميز‭ ‬بالكفاءة،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬تم‭ ‬التأكيد‭ ‬عليه‭ ‬فى‭ ‬يوليو‭ ‬2018‭ ‬مع‭ ‬تأسيس‭ ‬صندوق‭ ‬الدولة‭ ‬السيادى‭ ‬الذى‭ ‬يهدف‭ ‬إلى‭ ‬تحقيق‭ ‬أقصى‭ ‬تطوير‭ ‬واستفادة‭ ‬لأصول‭ ‬الدولة‭ ‬المصرية‭ .‬

ملخص‭ ‬الأمر‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬يحدث‭ ‬فى‭ ‬قلب‭ ‬صحراء‭ ‬ظن‭ ‬البعض‭ ‬بعد‭ ‬سنوات‭ ‬طويلة‭ ‬من‭ ‬الصراخ‭ ‬لتعميرها‭ ‬أنه‭ ‬يؤذن‭ ‬فى‭ ‬مالطة،‭ ‬تزهر‭ ‬وتظهر‭ ‬بشاير‭ ‬إرادة‭ ‬مصرية‭ ‬جديدة‭ ‬بتعمير‭ ‬ما‭ ‬كنا‭ ‬نظنها‭ ‬قبلا‭ ‬ستظل‭ ‬خرابا‭ ‬أو‭ ‬ساحة‭ ‬يتنفع‭ ‬منها‭ ‬رجال‭ ‬الأعمال‭ ‬فقط،‭ ‬هناك‭ ‬فى‭ ‬قلب‭ ‬الصحراء‭ ‬الآن‭ ‬ينمو‭ ‬محور‭ ‬قناة‭ ‬السويس،‭ ‬وتثمر‭ ‬أرض‭ ‬الفرافرة‭ ‬ضمن‭ ‬مشروع‭ ‬المليون‭ ‬ونصف‭ ‬فدان،‭ ‬وتنشق‭ ‬الجبال‭ ‬عن‭ ‬استثمارات‭ ‬سياحية‭ ‬وصناعية‭ ‬وعلاجية‭ ‬فى‭ ‬هضبة‭ ‬الجلالة،‭ ‬وتظهر‭ ‬بشائر‭ ‬العاصمة‭ ‬الإدارية‭ ‬الجديدة‭ ‬معلنة‭ ‬عن‭ ‬إرادة‭ ‬مصرية‭ ‬نجحت‭ ‬فى‭ ‬تحويل‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬فى‭ ‬الماضى‭ ‬حلما،‭ ‬وما‭ ‬كان‭ ‬فى‭ ‬الحاضر‭ ‬محل‭ ‬تشكيك‭ ‬إلى‭ ‬واقع‭ ‬ملموس،‭ ‬ينقذ‭ ‬هذا‭ ‬الوطن‭ ‬من‭ ‬الترهل‭ ‬الإدارى‭ ‬ويصطحبه‭ ‬إلى‭ ‬حيث‭ ‬ساحة‭ ‬التنمية‭ ‬الراسخة‭ ‬فوق‭ ‬أرض‭ ‬تملك‭ ‬بنية‭ ‬تحتية‭ ‬قوية‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬قادرة‭ ‬لنمو‭ ‬اقتصادى‭ ‬واستثمارى‭ ‬فى‭ ‬المستقبل‭ ‬القريب‭.‬

زر الذهاب إلى الأعلى