هل تورط الرئيس السوري في مقاطعة الدول العربية لقطر؟
في سنوات قليلة، نجحت قطر في الارتقاء بمكانتها الاقتصادية لتصبح من أغنى دول العالم، بفضل الغاز الطبيعي الذي استخدمته ليكون سلاحًا قويا لتدمير دول المنطقة العربية وزعزعة استقرارها، إرضاءً لطموحاتها ومصالحها الشخصية، غافلة عن نتائج سياستها التي قد تسبب الإخلال بتوازن القوى.
فما تشهده الساحة العربية من خلافات هي نِتاج لخلاف جيوسياسي، بسبب وجود حدود ومصالح مشتركة بين دول الشرق الأوسط، ولفهم ذلك الأمر يجب أن نعي تمامًا أن الأزمة بين دول الخليج وقطر إضافة لمصر لها أهداف متعددة.
البداية كانت في سوريا حينما عرض أمير قطر حمد بن خليفة الثاني على الرئيس السوري بشار الأسد في 2009، مد خط أنابيب عبر أراضيه ليمر بتركيا ومنها نحو سوق الغاز الأوروبي، إلا أن الأخير رفض الأمر بشدة، خشية فقدان الحليف الأول روسيا.
تلك المبادرة كانت ستمنح قطر خطوة للسيطرة على سوق الغاز العالمية، إلا أن الأسد رفض وقتها بسبب العلاقات الجيدة طويلة الأمد مع روسيا في مجال الغاز، وعدم رغبته بتقليص صادرات الغاز الروسي إلى الاتحاد الأوروبي لمصلحة الغاز القطري.
فهل مقاطعة الدول العربية للدوحة له علاقة بالإرهاب فقط؟
الكاتب الأمريكي ويليام إنجدال، وضع تفسيرًا جديدًا للمقاطعة العربية، حيث أكد أنها غير مرتبطة بتمويل الإرهاب فقط، بل الهدف منها إشعال حروب الغاز في العالم أسره، حيث إن الدوحة تسعى جليا للسيطرة على سوق الغاز، وهو ما ترفضه السعودية والإمارات ومصر مؤخرًا عقب اكتشافها لحقول غاز تجعلها من أغنى دول العالم هي الأخرى، وهو ما سيتيح لها تصدير الفائض، لا في صورة غاز خام بل في صورة منتج نهائي كامل يكون الغاز أحد مكوناته كالبتروكيماويات والأسمدة ومشتقاتهما وغيرها، وفقًا للمتحدث باسم شركة "سنام" الإيطالية للغاز الطبيعي والتي تعد أكبر شركة غاز طبيعي في أوروبا.
وأشار "إنجدال" إلى أن سوريا والعراق وإيران، وقعت في عام 2011، بموافقة موسكو، اتفاقًا لمدّ خط أنابيب مختلف يسمى "خط أنابيب الصداقة"، من أجل إرسال غاز حقل بارس الجنوبي إلى سوق أوروبا الناشئة عبر العراق وسوريا وإلى البحر المتوسط عبر لبنان، وفي عام 2011 كانت بداية تدفق الأموال القطرية لتسعير الحرب ضد الأسد مدعومة آنذاك بالسعودية ودول خليجية أخرى.
وما زاد الأمر غموضًا، هو الكشف عن محادثات سرية بين الدوحة وطهران من أجل التوصل إلى تسوية بشأن الاستفادة من حقل بارس الجنوبي، الأمر الذي أفقد قطر أحلامها بمد خط أنابيب عبر حلب إلى تركيا ومنها إلى دول الاتحاد الأوروبي، وذلك بعد دخول روسيا في الحرب السورية.
تقارير غربية أوضحت أن الدوحة وإيران توصلتا إلى اتفاق بشأن المد المشترك لخط أنابيب غاز من إيران إلى البحر المتوسط أو تركيا، والذي سينقل بدوره الغاز القطري إلى أوروبا، مقابل موافقة الدوحة على إنهاء دعمها للإرهاب في سوريا.
إلا أن أمير قطر حينذاك رفض الأمر، وهو ما دفع واشنطن والرياض وتل أبيب للتعاون في مهاجمة إيران وقطر من أجل تجنب هذه الكارثة الجيوسياسية، ومن هذا المنطلق، اتهمت قطر بدعم الإرهاب العالمي، حسب الكاتب الأمريكي.
في هذا الإطار، أكد الرئيس السوري بشار الأسد، أن طلب قطر بمد خط أنابيب عبر سوريا هو أحد أسباب الحرب في عام 2011، إضافة إلى التوتر القائم مع الدول الخليجية الآن.
ليس هذا فحسب، فتأكيد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب دعم قطر للإرهاب، أسهم كثيرًا في الحد من نفوذ الدوحة في المنطقة، وهو ما دفع "ترامب للقول: "حان الوقت لدعوة قطر لوقف الإرهاب، حيث لا يمكن لأي دولة متحضرة أن تتسامح مع هذا العنف أو تسمح لهذه الأيديولوجية الشريرة بالانتشار على شواطئها".
ووفقًا للإذاعة الوطنية العامة الأمريكية "أن بي آر"، فإن السبب الرئيسي في التوتر بين قطر والدول المقاطعة، يعود إلى نفوذ الدوحة باعتبارها قوة نفطية وغازية، حيث جعلها النفط والغاز واحدة من أغنى الدول على الأرض بالنسبة لمستوى الدخل، إضافة إلى سيطرتها على ثالث أكبر احتياطيات الغاز في العالم، الأمر الذي أثار غضب السعودية.
وفي هذا الصدد بدأت الدول المقاطعة باتخاذ تدابير احترازية من أجل إنهاء سيطرة قطر على سوق الغاز العالمي، رغم وجود احتمالية بتعرض شركات إماراتية وسعودية لموجة خسائر مالية بسبب استيراد الغاز القطري.
لكن تمسك قطر بموقفها الداعم لإيران والإرهاب، أنهى التلاحم العربي، وخلق تحالفًا جديدًا قادرا على غزو السوق العالمي.