تحقيقات و تقاريرعاجل

هل ينتزع الجيش السوري المبادرة من وكلاء إيران؟

تساءل الباحث كان كاسابوجلو، المحلل العسكري في مركز إسطنبول للدراسات الاقتصادية والسياسة الخارجية إيدام، عن مستقبل جيش النظام السوري، وإذا كان سيتحول إلى حزب الله آخر في سوريا، أم أنه سيعود كما كان في زمن الحرب الباردة.

ويشير الباحث، في مقال تحليلي بمجلة “ناشونال إنترست”، إلى التغييرات الجذرية في المواقع القيادية الرئيسية التي أجراها أخيراً الرئيس السوري بشار الأسد في الجيش السوري، لافتاً إلى أن الفيلق الثاني للجيش، الذي كان سابقاً قوة احتلال حافظ الأسد في لبنان مع الحرس الجمهوري، وإحدى الوحدات الأساسية الحاكمة في نظام حزب البعث، سيكونان في دائرة الأضواء في 2019.

تعديلات

ويرى أن التعديلات التي أجراها الأسد على قيادات الجيش ليست مجرد إجراءات روتينية، والواقع أن جيش النظام السوري وراعيه الرئيسي، الاتحاد الروسي، يواجهان إشكالية كبرى، إذ أن التشكيلات القتالية غير النظامية، الخاضعة للمستفيدين وأمراء الحرب المحليين، والمقاتلين الشيعة الأجانب الموالين لإيران، تتجاوز أعدادها بكثير وحدات جيش النظام السوري المسؤولة عن الدفاع عن الدولة والجهاز الأمني في دمشق.

ويحذر الباحث من سعي خطط إيران المستقبلية إلى استنساخ نموذج حزب الله اللبناني في سوريا، وتحديداً بإنشاء ومأسسة الوكلاء لإيجاد حالة من القتال الدائم، وعلاوةً على ذلك بدأ الحرس الثوري الإيراني في التأثير على الثقافة الاستراتيجية السورية التي تشكلت تاريخياً من قبل المدرسة السوفيتية الروسية.

وفي ضوء التنافس بين روسيا وإيران في سوريا، فإن إصلاح قطاع الأمن بشكل عام يظل أمراً محورياً في الأجندة المقبلة.

الحفاظ على المكاسب الروسية
ويوضح الباحث أنه على موسكو ضمان وحدة ومركزية جيش النظام السوري حتى يتسنى لها تحويل الانجازات العسكرية، التي تحققت لها بعد نشر الوحدات العسكرية الروسية في سوريا، إلى مكاسب جيوسياسية طويلة الأمد في الشرق الأوسط.

ولتحقيق ذلك، يقترح بعض الخبراء الروس إحياء الشكل الذي كان عليه الجيش السوري قبل الحرب الأهلية، إذ كان يتألف من ثلاثة فيالق رسمية، وتحويلها إلى وحدات عسكرية إقليمية، على غرار القوات العسكرية للمناطق الروسية، لتغطية كل الجماعات المسلحة، النظامية وغير النظامية، في المناطق الواقعة تحت مسؤوليتها.

ويعتبر الباحث، أن الفيلق الثاني لجيش النظام السوري، تحت قيادة اللواء طلال مخلوف الذي ينتمي إلى عائلة مخلوف، هي ثاني أهم عشيرة بعد عائلة الأسد، ستكون على الأرجح التجربة الأولى في هذا الصدد.

ومن ناحية أخرى يمكن أن يحاكي الحرس الجمهوري القوات الروسية المحمولة جواً باعتبارها الاحتياط الاستراتيجي المستقل للقائد الأعلى للقوات المسلحة.

إعادة هيكلة الجيش السوري
ويرى المقال أن التعديلات الأخيرة في قيادات جيش النظام السوري تعكس بشكل عام جهود روسيا للإصلاح في سوريا، وشهد الحرس الجمهوري التغيير الأبرز بتعيين العميد مالك عليا لقيادة الحرس الجمهوري بدل اللواء طلال مخلوف، ابن عم بشار الأسد، الذي عين قائداً للفيلق الثاني.

ويُعتبر الحرس الجمهوري عاملاً حاسماً في حكم عائلة الأسد، وتشغل عائلة مخلوف المراكز القيادية العليا في الحرس الجمهوري، الأمر الذي يعكس جانباً أساسياً من توازن القوى داخل نظام الأسد، لاسيما أن الحرس الجمهوري يرتكز على الإطار الطائفي، وتأتي قواته البشرية في الغالب من الطائفة العلوية الحاكمة.

ويقول الباحث: “منصب الجنرال طلال مخلوف الجديد قائداً للفيلق الثاني للجيش السوري يستحق بالفعل الاهتمام، وكما ذكرنا من قبل، تعد عشيرة مخلوف واحدة من أقوى اللاعبين بين النخبة الحاكمة، ورامي مخلوف، الأكثر ثراءً في الأسرة وفي سوريا أيضاً، هو الفاعل الرئيسي في تجاوز العقوبات نيابة عن نظام الأسد، وعلاوة على ذلك، ترعى مؤسسته الخيرية البستان، منذ وقت طويل الجماعات المسلحة الموالية للنظام. ومن المحتمل أن ترتبط مهمة الجنرال مخلوف بخطط روسيا لإعادة هيكلة جيش النظام السوري لمنع إيران من التلاعب بالميليشيات المسلحة التابعة لأمراء الحرب”.

لا تغيير للحرس القديم
وبغض النظر عن التعديلات، ينوه الباحث أيضاً إلى احتفاظ بعض القادة بمناصبهم، فظل الجنرال سهيل الحسن قائد قوات النمر الشخصية العسكرية المفضلة لدى لروسيا، والجنرال جميل الحسن مدير المخابرات الجوية السورية في منصبيهما، رغم تولي الأخير منصبه منذ 2009 وتجاوزه سن التقاعد، ولكنه من الحرس القديم الذي لا يمكن استبداله بسهولة.

واللافت للنظر، حسب الباحث، أن الجنرال أوس أصلان، الشخصية لعسكرية البارزة الذي أشارت إليه بعض مصادر المعارضة باعتباره مرشح الكرملين لاستبدال الأسد، أعفي من منصبه القيادي وعين نائباً للعمليات، رغم أنه لايزال يتمتع بمكانة عالية في التسلسل القيادي، إلا أن لا وحدة قتالية مباشرة تحت تصرفه.
    
وفي الوقت نفسه، لا يزال الجنرال ماهر الأسد قائداً للفرقة المدرعة الرابعة دون تغيير، ولكن العثور على مكان ملائم للأخير في فترة ما بعد الحرب لن يكون سهلاً، في رأي الباحث.

وعلى الأرجح سيرفض ماهر الأسد التبعية لأي تسلسل رسمي للقيادة، كما تعتبر بعض التقييمات الروسية أن ماهر الأسد “إحدى القنوات الرئيسية لمصالح إيران في القيادة السورية”.

وثمة أمر واحد واضح تماماً ويتمثل في أنه إذا شعر الأخير بأي تهديدات لأمنه الشخصي، فإن أشياء سيئة يمكن أن تحدث في العاصمة.

إرث حافظ الأسد
ويلفت المقال إلى أن الجيش السوري كان يشبه إلى حد كبير الجيش الأحمر السوفيتي، في النهج التكتيكي، والتنظيم، والعقيدة، والعمليات، وفي حرب 1973 كرست قوات حافظ الأسد جهودها لتقليد الهجمات المتسلسلة على غرار الجيش الأحمر، مع دور مركزي للدبابات إلى جانب التركيز بشكل خاص على الدفاع الجوي فرعاً منفصلاً. وكان هذا الجيش الذي شكلته هيمنة الوحدات الحربية ذات الهوية الطائفية العلوية، الركيزة الأساسية لنظام البعث السوري.

وأسفر إرث حافظ الأسد عن إشراف السوفييت على العديد من وكالات الاستخبارات والقوات المسلحة. وعمد الأسد إلى تشييد نظام إسكان عسكري خاص بضباط الجيش، خاصةً الذين يعملون في وحدات النخبة، وارتبطت كل حياتهم تقريباً بالنظام السوري.

 ويعتبر المقال أن مثل هذه العوامل، حالت دون الانهيار الكامل لجيش النظام السوري، أو انهيار جماعي للتكوينات التقليدية، رغم الانشقاقات التي أصابت الجزء الأكبر من المشاة.

ويختم الباحث أن مسار جيش النظام السوري سيعكس ماهية سوريا بعد الحرب إلى حد كبير، ومن المتوقع أن يعود الجيش إلى أصوله التي كان عليها في زمن الحرب الباردة، أو أن يتغلب عليه وكلاء إيران، فيتحول إلى نموذج آخر لحزب الله. 

زر الذهاب إلى الأعلى