حذّر الكاتب روبرت فيسك في صحيفة الإندبندنت البريطانيّة من أنّ نظرة الدول العربية الكبيرة المؤيدة لواشنطن ستتغيّر في حال نقل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب سفارة بلاده إلى القدس. ولا شيء سيكون أخطر من هذه الخطوة أو أكثر استفزازاً إذا قرّر الأمريكيون الركون إليها.
ويشير الصحافي إلى أنّ الفكرة هذه كانت تجول في خاطر ترامب خلال هذا الأسبوع، لكنّه تعجب من أنّ أحداً لم ينصحه بالعدول عن فكرته، حتى صهره جاريد كوشنير من المفترض أن يكون مستشاره الأبرز في شؤون الشرق الأوسط.
إنّ نقل السفارة الأمريكية يعني أنّ الولايات المتحدة ستعترف بأنّ القدس، المدينة المقدسة بالنسبة إلى المسلمين والمسيحيين، هي عاصمة الدولة الإسرائيلية وأنّ الفلسطينيين لن يستطيعوا أبداً مشاركتها. إنّ مسار السلام الذي تخلى عنه الإسرائيليون ثم الأمريكيون منذ سنوات، سيختفي ولن يكون موجوداً حتى في المخيلات.
سيغضب السعودية وإيران معاً
يكتب فيسك أنّه لهذا السبب انتقد عدد من الأطراف هذه الخطوة المحتملة، مثل السعودية وفرنسا والاتحاد الأوروبي وغيرها، كأنه لا حروب في الشرق الأوسط بما يكفي لإبقاء البيت الأبيض مشغولاً عن هذه الفكرة. في الصراع بين السعودية وإيران، وقف ترامب إلى جانب الأولى، لكنّه الآن يخاطر بإغضابها. إذا أقدم الرئيس الأمريكي على خطوته، فسيكون قد أخبر العرب، بمسلميهم ومسيحييهم، أنّ ثاني مدنهم المقدسة هي ليهود إسرائيل وليست لهم. وسيكون قد أبلغ الإيرانيّين أيضاً الفكرة نفسها. الوقع سيكون نفسه على جميع المسلمين في كل الدول المسلمة.
لا استقبالات حارّة بعد الخطوة
“هل يمكن لترامب أن يتوقع استقبالاً حارّاً آخر ورقصة سيف تقليدية في الرياض؟ هل سيختار السعوديون شراء جميع هذه الأسلحة بالمليارات من الولايات المتحدة لو سلّمت القدس إلى الإسرائيليين؟.” يشير الصحافي إلى أهمية القدس بالنسبة للمسلمين من خلال شرح ليلة الإسراء والمعراج لقرّائه في الصحيفة البريطانية. لكنّ وقع الخطوة الأمريكية لن يكون محصوراً فقط في الدول العربية والإسلامية. ففي الغرب ستتوتر العلاقات أكثر بين واشنطن والاتحاد الأوروبي. والأمر نفسه سينطبق على العلاقات الأمريكية الكندية، لأنّ أوتاوا لن تتبع واشنطن في خطوتها بكل تأكيد. من جهتها، ما زالت أوروبا تعتقد بأهمية مسار السلام، لذلك لن تقوم دولها بنقل سفاراتها إلى القدس. ويذكر فيسك وجود قنصليات أوروبية في القدس، لكنّه يشدد على أنّ وجودها هو لتغطية القدس الشرقية والضفة الغربية لا إسرائيل.
لن يُسرّ إلّا الإسرائيليون
يكتب الصحافي أنّ رئيس الوزراء الإسرائيلي وحكومته اليمينية سيكونان مسرورين حتماً لأنّ هكذا خطوة ستطلق توسعاً جديداً للمستعمرات الإسرائيلية التي ستظل تُدعى ب “المستوطنات”. وهذا سيشكل مزيداً من الخطر على الفلسطينيين. لقد أمضى الإسرائيليون سنوات وهم يسرقون أراضي شرعية لأصحابها العرب، فيما سيكون ترامب قد سرق منهم حتى الأمل بعاصمة في القدس الشرقية. ويسأل فيسك عن رد فعل اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، إذ لا يوجد بيت فلسطيني لم يعلّق أصحابه صورة للمسجد الأقصى على أحد جدرانه. ولن يكتفي حزب الله بالبيانات بل سيطلق صواريخ على إسرائيل للتعبير عن غضبه، وسيعلن الأسد أيضاً الانضمام إلى معركة جديدة لتحرير القدس. وستقف روسيا إلى جانب العرب وتبيعهم السفن الحربية والمقاتلات والصواريخ.
كابوس عربي
قد يتحقق الحلم الإسرائيلي إذا أعلن ترامب القدس عاصمة لإسرائيل. لكن مع هذا الإعلان سيكون هنالك كابوس عربي أيضاً. على الأقل، إذا بقيت القدس موضوع المفاوضات الإسرائيلية والفلسطينية، فيمكن لعرب الضفة الغربية أن يشعروا بأمل ولو كان غامضاً في القدرة على تقاسم المدينة. لكن إن مضى ترامب في تنفيذ فكرته، فلن يكون بإمكان أمريكا أن تطلق مساراً آخر للسلام حتى ولو كان مساراً وهمياً، كما يؤكد فيسك.