في إطار الاستعدادات الجارية تمهيداً للافتتاح الرسمي للمتحف المصري الكبير خلال الفترة المقبلة، وبالتوازي مع جهود تعزيز الترويج السياحي لمصر، قام وفد من المتحف المصري الكبير برئاسة اللواء عاطف مفتاح، المشرف العام على مشروع المتحف المصري الكبير والمنطقة المحيطة ورئيس اللجنة الهندسية بالهيئة الهندسية للقوات المسلحة، يرافقه كل من الدكتور عيسى زيدان، مدير عام مركز الترميم ونقل الآثار بالمتحف المصري الكبير، وسوزوكي أكيرا المساعد الأول للمدير التنفيذي للمتحف المصري الكبير، بزيارة إلى اليابان خلال الفترة من 1 وحتى 9 أغسطس الحالى، وذلك تلبية لدعوة من الجانب الياباني ممثلاً في وكالة التعاون الدولي اليابانية (جايكا) وبالتنسيق مع كل من السفارة المصرية في طوكيو وسفارة اليابان بالقاهرة.
وتضمن برنامج وفد المتحف زيارة إلى عدد من المدن اليابانية الرئيسية من بينها كل من طوكيو وأوساكا وكوبي وهيروشيما، حيث نظم الجانب الياباني عدة فعاليات مفتوحة للجمهور وممثلين عن وسائل الاعلام والأكاديميين المتخصصين في علوم المصريات، بالإضافة إلى إتاحة المشاركة عبر وسائل التواصل المرئي، وقد تم استضافة تلك الفعاليات في كل من جامعة هيروشيما والمتحف الوطني في طوكيو ومتحف الحضارات بأوساكا، حيث استعرض خلالها اللواء عاطف مفتاح والوفد المرافق تطورات الموقف الحالي بالنسبة لما تم انجازه في المتحف من مختلف النواحي الإنشائية والهندسية، والتي تم الانتهاء منها بالكامل لتضم بهو المدخل والمسلة المعلقة والدرج العظيم وقاعات الملك توت عنخ آمون ومتحف الطفل، كما قدم شرحاً حول القطع الأثرية المعروضة وأبرزها المجموعة الخاصة بالملك توت عنخ أمون والتي تحظى باهتمام كبير لدى السائحين من اليابان.
وتطرق اللواء عاطف مفتاح إلى الممشي السياحي العالمي الجاري انشاؤه حالياً ليربط بين هضبة الأهرامات والمتحف المصري الكبير على امتداد 2 كم بهدف ربط المتحف بأهم المقاصد السياحية في مصر، وقد أشاد المشرف العام على مشروع المتحف المصري الكبير بالشراكة والتعاون القائم بين مصر واليابان في هذا الصدد، مثمناً الدعم الكبير الذي قدمته الحكومة اليابانية لمصر عبر وكالة الجايكا لتوفير كافة الخبرات والامكانات والتكنولوجيا اليابانية اللازمة لإنجاز المتحف بشكل نهائي في صورته الحالية على مدار الفترة الماضية.
من جانبه، استعرض الدكتور عيسي زيدان مراحل ترميم وتوثيق ونقل القطع الأثرية لقاعات العرض الرئيسية بالمتحف الكبير والتي بلغت نحو 56 ألف قطعة أثرية يجرى عرضها وفقا لتدرج الحقب الزمنية من عصر ما قبل الأسرات وحتى العصور اليونانية والرومانية، هذا بالإضافة إلى المجموعة الكاملة لمقتنيات الملك توت التي تبلغ نحو 5398 قطعة من بينها المقاصير والتوابيت الذهبية التي مثلت التحدي الأكبر في مراحل النقل والترميم بالنظر لتفاصيلها المعقدة في التركيب.
وقدم الدكتور عيسى زيدان شرح واف عن مركز الترميم الملحق بالمتحف والذي يعتبر الأكبر في منطقة الشرق الأوسط بالنظر إلى المعامل الفنية المتطورة الملحقة به والمتخصصة في كافة مراحل الترميم، مشيراً في هذا السياق إلى أن بعثة مصرية يابانية مشتركة بقيادته مع عالم المصريات الأبرز في اليابان “ساكوجي يوشيمورا”، تولت فحص وترميم الألواح الخشبية الخاصة بالمركب الثانية للملك “خوفو” والتي تم الانتهاء من أغلب مراحل تركيبها لتصبح من أهم وأكبر عمليات الترميم الآثري في عصرنا الحديث في ضوء التدهور البالغ لحالتها وعزوف كافة البعثات الآثرية الأجنبية العاملة في مصر عن المشاركة في أعمال ترميمها أو تحمل مسئولية تجميعها.
تضمن برنامج الوفد كذلك عقد مجموعة من اللقاءات رفيعة المستوى مع عدد من المسئولين اليابانيين في مقدمتهم وزير الدولة للشؤون الخارجية ومساعد وزير الخارجية للشرق الأوسط وأفريقيا ومساعد وزير الخارجية للتعاون الدولي والرئيس التنفيذي لوكالة التعاون الدولي اليابانية “الجايكا” ومحافظة طوكيو والتي تربطها بمصر علاقات قوية، حيث أعرب رئيس الوفد المصري اللواء عاطف مفتاح عن تطلعه لتلبية رئيس الوزراء الياباني الدعوة الموجهة إليه من السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي للمشاركة في احتفالية افتتاح المتحف، كما أبدى اهتمامه باستئناف أطر التعاون القائم مع الجانب الياباني لتطوير المنطقة المحيطة بالمتحف وتزويدها بالوحدات الفندقية والمرافق السياحية اللازمة لخدمة قوافل السياحة الوافدة بعد افتتاح المتحف.
وشهدت الزيارة عدداً من اللقاءات الثنائية بين الوفد المصري والمسئولين في متحفي طوكيو وأوساكا اللذين يعتبرا من أبرز المتاحف اليابانية، حيث تم مناقشة إمكانية إبرام بروتوكولات تعاون تسمح بتبادل الخبرات في مجالات ترميم وصيانة الآثار جنباً إلى جنب مع وضع إطار منظم لمسألة إقامة المعارض الآثرية المؤقتة لمقتنيات المتاحف الثلاث.
وفي سياق متصل، أدلى رئيس وفد المتحف المصري الكبير بتصريحات لعدد من وسائل الاعلام والقنوات اليابانية قدم خلالها شرحاً إضافياً حول مختلف الجوانب الخاصة بالمتحف بما في ذلك التصميمات الخاصة بصالات العرض والمعروضات من القطع الاثرية ومركز ترميم الاثار الذي يستضيفه المتحف والذي يعتبر نموذجاً فريداً للتعاون وتبادل الخبرات بين الجانبين المصري والياباني، الأمر الذي جعل من المتحف صرح حضاري وثقافي وعلمي غير مسبوق وبات يُمثِل علامة مضيئة في مسار العلاقات التاريخية الممتدة والمتميزة بين البلدين الصديقين.
تجدر الإشارة في هذا الصدد، إلى أن الفعاليات التي تم تنظيمها للوفد الزائر حظيت باهتمام واسع من جانب مختلف الدوائر اليابانية الثقافية والاكاديمية والاعلامية، حيث شهدت حضوراً لافتاً من قبل كوكبة من علماء المصريات اليابانيين الذين شاركوا في عدد من جلسات النقاش التي أعقبت ما قدمه المسئولين ضمن وفد المتحف من عروض حرصوا خلالها على الاشادة بعمل البعثات الأثرية اليابانية في مصر وتعاونها مع الجانب المصري في نقل وترميم بعض القطع الأثرية الهامة لاسيما مشروع استخراج وترميم مركب “خوفو الثانية” التي لايزال العمل جارياً بها على قدم وساق بالاشتراك مع الجانبين المصري والياباني لإعادة تجميعها وعرضها داخل متحف مراكب الملك “خوفو” بالمتحف الكبير جنباً إلى جنب مع المركب الأولى التي تم نقلها مؤخراً في مهمة دقيقة ومعقدة للغاية ضمن واحد من أكبر التحديات في العالم والتي تمت بأيادي مصرية خالصة.