الأسرة والمجتمعالركن الإسلامي

يقلل من مخاطر الموت المفاجئ.. تعرف على فوائد قيام الليل النفسية والعلمية

تكمن الراحة النفسيّة التي يستشعرها المسلم بتأدية صلاة قيام الله في وقت هذه الصلاة، حيث السكون والهدوء والراحة والاطمئنان في ذلك الوقت، عندما يترك المسلم فراشه الدافئ والنوم الهانئ ليتوجّه إلى الله تعالى بالصلاة في الثلث الأخير من الليل، فيناجيه ويشكو إليه همه، ويطلب منه العون والرشاد والتوفيق، وبعد أداء الصلاة يشعر المسلم براحةٍ نفسيةٍ كبيرةٍ سببها أنّه أخبر الله تعالى بما يقلقه وبما يريده، ولأنّه يثق بأنّ الله هو المجيب والمعطي.

قيام الليل وأثره في بناء الرجال:

لقد اهتمَّ الإسلامُ ببناء الرجال في ظلّ العبادات؛ الفرائض منها والنوافل، وأنَّ المؤمن القويَّ خيرٌ وأحبُّ إلى الله تعالى من المؤمن الضعيف، فمقام العزَّة والقوة لا يتأتَّى من فراغ، ولكن لا بد من تربيةٍ عالية في ظلِّ طاعةِ الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، فكانت الصلاةُ هي بابَ العبودية لله عز وجل؛ فهي صيانة للرجولة، وتحصين لها من هواجس النفس والشيطان، وقد شرعت صلاةُ قيامِ الليل لتربية الرجال، ونظرًا إلى ما فيه من فوائدَ خاطَبَ الله بها حبيبَه بقوله: ﴿ يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا * نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا * أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا ﴾ [المزمل: 1 – 4].

ومن رحمته بالأُمَّة لم يجعله فرضًا عليها، بل هو نافلة يؤدِّيها القادرُ عليها، الطائع لربِّه في ضوء قوله تعالى وصفًا لأهل الجنة: ﴿تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [السجدة: 16، 17]، وقوله: ﴿وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾ [الذاريات: 18].

ففي قيام الليل من النشاط والرياضة التي يستفيد منها الجسم والقلب؛ قال تعالى: ﴿إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا﴾ [المزمل: 6].

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((عليكم بقيام الليل؛ فإنه دأبُ الصالحين قبلكم، ومَنهاة عن الإثم، وقُربة إلى الله تعالى، وتكفير للسيِّئات، ومَطردة للداء عن الجسد))؛ (رواه الترمذي).

هذا، ولقد أرشَدَنا سيدُ البشر صلى الله عليه وسلم إلى أعدل النوم، وهو نوم سيدنا داود عليه السلام؛ حيث كان ينام مِن أول الليل، ثم يقوم منه، ثم يعاود النوم قليلًا، ثم يقوم لوقت السَّحَر، وكذلك كان نوم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يَعقِد الشيطان على قافية رأس أحدِكم بالليل بحبل فيه ثلاث عُقَد، فإن استيقظ فَذَكَر الله انحلَّت عقدةٌ، فإذا قام فتوضَّأ انحلَّت عقدة، فإذا قام إلى الصلاة انحلَّت عُقَدُه كلُّها، فيُصبح نشيطًا طيبَ النَّفْس قد أصاب خيرًا، وإن لم يفعل أصبح كَسِلًا، خبيثَ النَّفْس، لم يُصِب خيرًا))؛ (صححه الألباني) فالنشاط لا يناله الجسد إلا بعد الوضوء وأداء الصلاة بحركاتها الرياضية التي يذهب في ظلِّها الخُمول والكسل، فتعودُ للجسد حيويتُه ونضارتُه، وقوَّتُه التي يمارس بها شؤونَ حياتِه.
 
والشيطان يستحوذ على كلِّ مَن نام على غير وضوء، ولم يُصلِّ العِشاء، والذين لم يذكروا الله عند نومهم، أمَّا مَن قرأ آيةَ الكرسيِّ عند نومه، فقد ثَبَت أنَّه يُحفَظ من الشيطان حتى يصبح، وصدق ربُّ العزَّة إذ يقول: ﴿ إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ ﴾ [الحجر: 42].

الفوائد الصحية لقطع النوم لأداء قيام الليل وصلاة الفجر:

إذا نام الإنسان طويلًا تقلُّ نبضات قلبِه، فيجري الدم ببطءٍ شديدٍ، فإذا قطَعَ المسلم نومَه لأداء ركعاتِ قيام الليل وصلاة الفجر في وقتها، وقى نفسَه من أمراض القلب وتصلُّب الشرايين، وأكَّد خبراء وأطباء القلب أنَّ أداءَ صلاةِ الفجر في موعدها المحدَّد يوميًّا، خير وسيلة للوقاية والعلاج مِن أمراض القلب وتصلُّب الشرايين، بما في ذلك احتشاء عضلة القلب المسببة للجلطة القلبية، وتصلُّب الشرايين المسببة للسكتة الدماغية.

وأكَّدت الأبحاث العلمية والطبية أنَّ مرض احتشاء القلب هو أخطر الأمراض، وكذلك مرض تصلُّب الشرايين وانسداد الشريان التاجي، وسببها الرئيس هو النوم الطويل لعدَّة ساعات سواء في النهار أو الليل.

وأظهرت نتائج الدراسة أنَّ الإنسان إذا نام طويلًا قلَّت نبضات قلبه إلى درجة قليلة جدًّا لا تتجاوز (50 نبضة) في الدقيقة، وحينما تقلُّ نبضات القلب يجري الدم في الأوعية الدموية والشرايين ببطءٍ شديدٍ، الأمر الذي يؤدِّي إلى ترسب الأملاح والدهنيات على جدران الأوردة والشرايين، وبخاصة الشريان التاجي مما يؤدِّي إلى انسداده.

ومن هنا جاءت نصيحةُ الأطباء بالامتناع عن النوم لفترات طويلة، بحيث لا تزيد فترة النوم على أربع ساعات؛ حيث يجب النهوض من النوم وأداء جهد حركي لمدة 15 دقيقة على الأقلِّ، وهو الأمر الذي يوفِّره أداءُ صلاة القيام والفجر بصورة يوميَّة.

طرد الداء من الجسد بقيام الليل وصلاة الفجر:

يؤدِّي قيام الليل إلى طرد الداء من جسم الإنسان؛ فقد ثَبَت الآتي:

يؤدِّي قيامُ الليل إلى تقليل إفراز هرمون الكورتيزون، وهو هرمون طبيعي (يفرزه الجسد) خصوصًا قبل الاستيقاظ بعدَّة ساعات، وهو ما يوافق وقت السَّحَر (الثلث الأخير من الليل)؛ ممَّا يقي من الزيادة المفاجئة في مستوى سكر الدم الذي يشكِّل خطورةً على مرضى السكر، ويقلِّل كذلك من الارتفاع المفاجئ في ضغط الدم الذي يؤدِّي إلى السكتة الدماغية والأزمة القلبيَّة.

يقلِّل قيامُ الليل من مخاطر تخثُّر الدم في وريد العين الشبكيِّ الذي يحدث نتيجةً لبُطءِ سريان الدم أثناء النوم وزيادة لزوجةِ الدم، بسبب قلَّة تناول السوائل، أو زيادة فِقدانها، أو بسبب السمنة المفرطة وصعوبة التنفُّس.

يؤدِّي قيام الليل إلى تَحسُّن وليونة العمودِ الفقريِّ ومفاصل الجسد، نتيجةَ الحركة الخفيفة والتدليك بالماء عند الوضوء.

قيام الليل يخلِّص الجسم من الجليسيرات الثلاثية (نوع من الدهون) التي تتراكم في الدم، خصوصًا بعد تناول العشاء المحتوي على نسبةٍ عالية من الدهون التي تزيد مِن مخاطرِ الإصابة بأمراض شرايين القلب.

يقلِّل قيام الليل من مخاطر الموت المفاجئ، بسبب اضطراب ضربات القلب، لِمَا يصاحبه من تنفُّس هواء نقيٍّ خالٍ من ملوثات النهار، وأهمُّها عوادم السيارات ومسببات الحساسية.

قيام الليل ينشِّط الذاكرة، وينبِّه وظائفَ المخ الذهنية المختلفة، لِمَا فيه من قراءة وتدبُّر للقرآن وذِكْر للأدعية، وأذكار الصباح والمساء، فيقي الإنسانَ المسلم من أمراض الزهايمر وخرف الشيخوخة والاكتئاب.

يقلِّل قيامُ الليل من شدَّة حدوث مرض طنين الأذن لأسباب غير معروفة.

أفضل وقت لقيام الليل

قال الشيخ عويضة عثمان، أمين الفتوى بدار الإفتاء: إن أفضل وقت لصلاة قيام الليل هي أن تكون في الثّلث الأخير من اللّيل، كما أنه لا يشترط لأدائها وقت معين منه، فتبدأ الصلاة بعدَ انتهاء صلاةِ العشاء إلى طلوع الفجر الثّاني.

واستشهد «عثمان» فى إجابته عن سؤال: «ما هو أفضل وقت لصلاة قيام الليل؟»، بما جاء في الحديث الصّحيح عن النّبي- صلى الله عليه وسلم- قوله: «أحَبُّ الصّلاة إلى الله صلاة داود عليه السّلام، وأحَبُّ الصّيام إلى الله صيام داود، وكان ينام نصف اللّيل، ويقوم ثلثه، وينام سدسه، ويصوم يومًا ويُفطر يومًا».

واستدل أيضًا على أن كل الأوقات مناسبة لقيام الليل من بعد صلاة العشاء حتى طلوع الفجر، بقوله – صلى الله عليه وسلم -،«ينزل الله إلى السماء الدنيا كل ليلة حين يمضي ثلث الليل الأول فيقول أنا الملك أنا الملك من ذا الذي يدعوني فأستجيب له من ذا الذي يسألني فأعطيه من ذا الذي يستغفرني فأغفر له فلا يزال كذلك حتى يضيء الفجر».

عدد ركعات قيام الليل

 اختلف الفُقهاء في عدد ركعات قيام الليل، وجاءت أقوالهم كما يأتي: الحنفية: قالوا إنّ أكثر عدد ركعات قيام الليل هو ثماني ركعات، أمّا أوسطها أربع ركعات، وأقلّها أثنتان، واستدلّوا على ذلك بثبوته عن النبيّ -عليه الصلاة والسلام- بالقول والفِعل.

 المالكية: بيَّنوا أنّ ما ورد عن النبيّ -عليه الصلاة والسلام- روايتان؛ إحداها تُبيّن صلاته قيام الليل اثنتي عشرة ركعة، والأُخرى تُبيّن صلاته قيام الليل عشرَ ركعات، وعند الجَمع بينهما يظهر أنّه كان يبدأ صلاته بركعتَين خفيفتَين، كما قالت عائشة -رضي الله عنها-: (كانَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ إذَا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ لِيُصَلِّيَ، افْتَتَحَ صَلَاتَهُ برَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ)
 وكانت عائشة -رضي الله عنها- تعتبر هاتَين الركعتَين من القيام حيناً، ولا تعتبرهما منه حيناً آخر؛ لأنّهما للوضوء وحلّ عُقَد الشيطان؛ فقد قالت في رواية أخرى إنّها عشر ركعات، وقد قِيل إنّها خمس عشرة ركعة، وقِيل سبع عشرة.

الشافعية: بَيَّنوا أنّ قيام الليل من السُّنَن، وليس له عدد مُحدَّد من الركعات، ووقته يكون بعد القيام من النوم، وقبل أداء صلاة الفجر.

 الحنابلة: قالوا إنّ هُناك اختلافاً في عدد ركعات قيام الليل؛ لأنّ النبيّ -عليه الصلاة والسلام- كان يُصلّي ثلاث عشرة ركعة أحياناً، فقد جاء أنّه: (كان رسولُ اللَّهِ – صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ – يصلِّي من اللَّيلِ ثلاثَ عشرةَ ركعةً).

كما جاء عن عائشة -رضي الله عنها- قولها: (ما كانَ يَزِيدُ في رَمَضَانَ ولَا في غيرِهِ علَى إحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً)، وكان يقسّمها أربعاً أربعاً، ويُصلّي بعدها الوَتر ثلاثاً، وقد بيّنوا أنّ منها ركعتَي الفجر، وفي رواية أُخرى أنّ منها الوَتر وركعتَي الفجر، وكان يُصلّي بين العشاء والفجر إحدى عشرة ركعة، ويُسلّم بين كُلّ ركعتَين، ثُمّ يوتر، وهذه الروايات جاءت في أحاديث مُتَّفق عليها، ويُحتمل أنّ الروايات التي جاءت فيها الزيادة عن إحدى عشرة ركعة لم تكن ركعتا الوضوء منها، أو أنّه صلّى في ليلة ثلاث عشرة ركعة، وفي ليلة إحدى عشرة ركعة.

 وقد ذهبت جماهير السَّلَف والخَلَف إلى جواز الزيادة في قيام الليل عن الأعداد الواردة في الأحاديث؛ فقد جاء عن ابن عبدالبَرّ أنّ المُسلمين أجمعوا على عدم تحديد قيام الليل بعدد مُعيَّن من الركعات، وأنّها من النوافل التي تُقرّب العبد إلى ربّه؛ فمَن شاء فليستكثر، ومن شاء فليُقلِّل؛ واستدلّوا على ذلك بقول النبيّ -عليه الصلاة والسلام-: (عَلَيْكَ بكَثْرَةِ السُّجُودِ لِلَّهِ، فإنَّكَ لا تَسْجُدُ لِلَّهِ سَجْدَةً، إلَّا رَفَعَكَ اللَّهُ بهَا دَرَجَةً، وحَطَّ عَنْكَ بهَا خَطِيئَةً) وتخصيص النبيّ -عليه الصلاة والسلام- نفسَه بهذا العدد لا يعني عدم جواز الزيادة عليه؛ بدليل أنّ فِعله -عليه الصلاة والسلام- لا يُخصّص قوله كما هو عند عُلماء الأُصول، وتحديده أفضلَ قيام الليل؛ وهو قيام نبيّ الله داود -عليه السلام-، قال -عليه السلام-: (كانَ يَنَامُ نِصْفَ اللَّيْلِ ويقومُ ثُلُثَهُ، ويَنَامُ سُدُسَهُ) لا يعني عدم الزيادة على إحدى عشرة ركعة، كما أنّه -صلّى الله عليه وسلّم- لم يُحدِّد قيام الليل بعدد مُعيَّن؛ فقد ورد عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أنّه جمع الناس على أُبيّ بن كعب، وتميم الداريّ -رضي الله عنهما-، اللذَين كانا يقرآن بهم طِوال السُّوَر، ويُصلِّيان إحدى وعشرين ركعة، ثمّ ينصرفون عند صلاة الفجر، كما ورد عنه أنّه جمعَهم على إحدى عشرة ركعة.

 أقلّ عدد ركعات قيام الليل اتَّفق الفُقهاء على أنّ أقلّ عدد ركعات قيام الليل يكون بركعتَين خفيفتَين يُؤدّيهما المسلم؛ وذلك لِما ورد عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبيّ -عليه الصلاة والسلام- قال: (إذا قامَ أحَدُكُمْ مِنَ اللَّيْلِ، فَلْيَفْتَتِحْ صَلاتَهُ برَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ) وأقلّ قيام الليل قيامه بركعة من الوَتر؛ لحديث النبيّ -عليه الصلاة والسلام-، إذ قال: (الوِترُ حقٌّ، فمن أحبَّ أنْ يوترَ بخَمسِ ركعاتٍ، فليفعلْ، ومن أحبَّ أنْ يوترَ بثلاثٍ، فليفعلْ ومن أحبَّ أنْ يوترَ بواحدةٍ، فليفعلْ ووجب التنويه إلى أنّ المسلم كُلّما زاد في قيامه، كان ذلك أفضل له، وأعظمَ أجراً؛ وذلك لكثرة الأدلّة الواردة في فَضله.

زر الذهاب إلى الأعلى