أكد أمين عام جامعة الدول العربية أحمد أبوالغيط أن ما تعرضت له المنطقة العربية من هزات سياسية ضخمة منذ بداية العقد الحالى أثر، ولاشك، على مسيرة التنمية، إذ صار على عدد من الدول العربية التعامل مع التبعات الخطيرة لحالات الاضطراب الأهلى، من لاجئين ونازحين ومخاطر أمنية متزايدة، مع كل ما ينطوي عليه ذلك من استنزاف للموازنات العامة وعبء على خطط التنمية.. وهو ما يؤدى بدوره إلى تفاقم المشكلات وتعاظم التحديات التي تواجه المجتمعات العربية.
جاء ذلك فى كلمته خلال افتتاح الأسبوع العربى للتنمية المستدامه تحت رعاية الرئيس عبد الفتاح السيسي بتنظم جامعة الدول العربية ويستمر 4 أيام، وذلك بالتعاون مع وزارة التخطيط والإصلاح والمتابعة فى مصر والأمم المتحدة والبنك الدولى، والاتحاد الأوروبى .
وقال أبوالغيط إنه ليس هناك بديل عن التحرك على كافة المسارات في نفس الوقت، فمطالب الشعوب لا تحتمل التأجيل، والمؤشرات التي نطالعها عن المنطقة العربية تعكس بالفعل اتساعاً في رقعة الفقر في عدد من البلدان العربية، كما تعكس تراجعاً ملحوظاً في كفاءة بعض المرافق الحيوية التي تقدم الخدمات الأساسية للجمهور.
وأشار إلى “التقرير العربي للفقر متعدد الأبعاد” والذى سلط الضوء على الطبيعة المركبة لظاهرة الفقر في العالم العربي، وأظهر عدم ملاءمة الاكتفاء بقياس الدخل كمؤشر وحيد على الفقر، بل ضرورة النظر إلى ظاهرة الفقر من منظور أوسع بوصفه حرماناً من الفرص في التعليم والصحة ومستوى المعيشة اللائق، ووضع هذا التقرير المهم 12 مؤشراً لقياس الفقر متعدد الأبعاد من بينها – مثلاً – التغذية والحمل المبكر وسنوات الدراسة ومياه الشرب المأمونة..وغيرها.
وأضاف أبوالغيط “عندما كان القضاء على الفقر بحلول عام 2030 واحداً من أهم أهداف التنمية المستدامة، فإنني أهيب بصناع السياسات ومتخذي القرار في البلدان العربية الاستفادة من النتائج والاستخلاصات التي ذهب إليها “تقرير الفقر متعدد الأبعاد” في وضع السياسات والحلول التي تعالج هذه الظاهرة الخطيرة، لما لها من صلة وثيقة بالاستقرار السياسي والاجتماعي في بلادنا، كما أحثهم على حشد كافة الجهود الوطنية والإقليمية والدولية لمواجهة الفقر كضمان لتحقيق
التنمية المستدامة
، والتعهد بألا يخلف الركب أحداً وراءه”.
وأوضح أن انعقاد الأسبوع العربي للتنمية المستدامة هذا العام يأتى في ظل تطورات نتابعها جميعاً سواء على الصعيد العربي أو حتى على مستوى العالم، ثمة مطالب اجتماعية واقتصادية تعبر عن نفسها في صورة احتجاجات جماهيرية، وهناك تطلعات مشروعة لدى كتل ضخمة من السكان في تحسين مستوى حياتهم والارتقاء بجودة حياة أبنائهم .
وأشار إلى أنه إذا تحدثنا عن العالم العربي تحديداً فإن هذه التطلعات تبدو باعثاً واضحاً وراء الكثير من التوترات الاجتماعية والسياسية والمظاهرات المطلبية في عدد من البلدان العربية، ولا ينبغي أبداً أن نغض الطرف عن تطلعات شعوبنا إلى حياة أفضل، من حيث الخدمات الأساسية والصحة والتعليم.
وقال إنه لا يمكن أبداً أن ننكر استمرار وجود فجوة بين الجهود التنموية التي تقوم بها الحكومات من ناحية، وتطلعات وتوقعات الشعوب في حياة أفضل من ناحية أخرى، وأنه لاشك أن اتساع هذه الفجوة – بين الواقع والطموح – ليس في مصلحة الحكومات أو الشعوب، ذلك أن التوقعات، المتزايدة بفعل عوامل مختلفة منها زيادة التمكين وتحسن الاتصال، تخلق نوعاً من التوتر المكتوم داخل المجتمعات.. بحيث لم يعد في مقدور الحكومات الاكتفاء بتوفير الحد الأدنى، وصار عليها الارتقاء بمستوى أدائها باستمرار حتى يصل لمستوى التطلع والطموح لدى شعوبها.
ونوه أبوالغيط بأن محاور عمل أسبوع هذا العام الثلاثة، “التكامل بين شركاء التنمية”، “التحول إلى حياة أفضل”، و”آفاق جديدة لعالم متغير”، وخاصة المحورين الثاني والثالث، في غاية الأهمية، حيث تعكس تلك المحاور طبيعة التحديات التي تواجهها جهود تحقيق التنمية المستدامة في المنطقة العربية، وأشار إلى تهديد خطير تتعرض له جهود تحقيق التنمية المستدامة في المنطقة العربية..ألا وهو تدهور البيئة بفعل الجفاف والتغير المناخي.
ولفت إلى أن ظاهرة الشح المائي تعد الأخطر على الإطلاق بما تنطوي عليه من آثار على التنمية الاقتصادية والاستقرار السياسي ومستوى الحياة للسكان، موضحا أن المنطقة العربية هي الأكثر معاناة على مستوى العالم من نقص المياه، ويفاقم من خطورة الوضع أن 80% من مصادر المياه العربية تقع خارج العالم العربي .
وأضاف أن الدول في المشرق العربي (سوريا والعراق على وجه الخصوص) تعاني من هيمنة تركية على مصادر المياه..كما يعاني الفلسطينيون من نهب منظم يقوم به الاحتلال منذ سنوات لخزانات المياه الجوفية في الأراضي المحتلة..وأخيراً، فإن مصر تواجه تهديداً خطيراً لحصتها من ماء النيل بسبب مشروع سد النهضة الذي تقوم أثيوبيا ببنائه على النيل الأزرق..علماً بأن مصر – التي تجاوز عدد سكانها 100 مليون – دخلت بالفعل مرحلة الفقر المائي منذ سنوات .
وأكد أنه في هذا المقام فإنَّ قضية شح المياه هي أخطر ما يواجه العالم العربي في المستقبل..إذ أنها مسألة وجود وبقاء.. وربما نعرف اليوم خطورة تأثير ظواهر مثل الجفاف على الاستقرار السياسي والاجتماعي بعد أن شاهدنا ما جرى في سوريا التي واجهت أسوأ موجة جفاف في تاريخها منذ 2007، وأدى هذا الجفاف إلى هجرات داخلية واسعة واضطرابات اجتماعية خطيرة، كان من شأنها أن تسهم بقدر غير قليل في تفجير الوضع على النحو المؤسف الذي شهدناه ونشهده اليوم.
وعبر أبوالغيط عن الأمل فى نجاح أعمال النسخة الثالثة للأسبوع العربي للتنمية المستدامة، وأن نتمكن من خلال الحوار البناء والتفاعل أن نحقق شعار أسبوع هذا العام “شراكة متكاملة من أجل مستقبل مستدام” والخروج بتوصيات ومبادرات تعزز من تنفيذ خطة 2030 للتنمية المستدامة في المنطقة العربية.
وأشار، فى ختام كلمته، إلى أن النسخة الرابعة من الأسبوع العربي للتنمية المستدامة سوف تعقد خلال أعمال اكسبو 2020 دبي الذي تستضيفه إمارة دبي بالإمارات خلال الفترة من أكتوبر 2020 إلى أبريل 2021، تحت شعار مهم وهو “تواصل العقول…وصنع المستقبل”.
وأعاد أبوالغيط التأكيد على أن التنمية المستدامة هي بوابة العبور الوحيدة إلى مستقبل آمن ومزدهر .. ومستقبلنا هم أبناؤنا .. وإذا عرفنا أن 25% من السكان العرب هم دون 18 عاماً.. بل وتتجاوز النسبة 45% في كثير من الدول.. فلابد أن نسائل أنفسنا بمنتهى الجدية وبروح المسئولية: كيف نوفر لهؤلاء التعليم والصحة والغذاء..كيف نحفظ لهم حقهم في المياه والموارد الطبيعية.. كيف نوفر لهم مستقبلاً أفضل من حاضرنا؟ .