الكوميديا من أرقى أنواع الفنون ولا تقل بحال من الأحوال عن التراجيديا، وأحيانا يتعامل البعض مع الكوميديا باستخفاف، نظرا لسيادة نوع نمطي للكوميديا رسخ له المسرح الخاص في الآونة الأخيرة، فأصبح الناس والإعلام يتعاملون مع هذا النوع على أنه المسرح الكوميدي.
وللكوميديا أصول في الظواهر الشعبية والأدب العربي، ترتبط بالسياسة، لكون المسرح المعاصر “مسرحا سياسيا”، فالعلاقة وطيدة بين مأساة الواقع السياسي اليوم وخيوط الكوميديا السوداء”.
وبرغم تعدد الآراء واختلافها حول نتاج هذه الفترة من المسرحيات، إلا أن البعض يرى أن فترة الثمانينات هي فترة إنتاج غزير للمسرح الكوميدي، ويقصد بذلك إنتاج القطاع العام والخاص.
ويرى أحمد السيد، مدير مسرح الطليعة، أن اختفاء المسرح الكوميدي في هذه الآونة من مسرح الدولة يرجع إلى قلة الإنتاج المسرحي وعزوف الجمهور عن المسرح في السنوات الأخيرة الماضية.
أشار إلى أن تلك العروض تستلزم إنتاجا فنيا ضخما لاعتمادها على نجم كوميدي معروف وكتابة نصية مكلفة ومجهود في العرض والبروفات، وباختفاء الجمهور في السنوات الماضية قل إنتاج مثل هذه العروض، ولكن مع عودة جمهور المسرح بدأنا بعروض كان آخرها “أنا الرئيس” بطولة الفنان الكوميدي سامح حسين، ويتم التحضير الآن لمجموعة من العروض الكوميدية تعمل على إرجاع جمهور المسرح إليه.
وقال الناقد المسرحي يسري حسان إن ما نشاهده الآن في المسرح الخاص الذي يقدمه النجم أشرف عبد الباقي جعل الجمهور يعتقد أن المسرح الكوميدي هو المسرح الذي يضحك فحسب، والمليء بالإفيهات والكوميديا اللفظية، وترسخ هذا الاعتقاد للجمهور ولدى معظم كتاب المسرح الكوميدي فصار همهم الأول هو البحث عن نكته أو إفيه وليس بناء مشاهد كوميدية تفجر الضحك من خلال الموقف، فلم تعد كوميديا الموقف موجودة وحلت محلها كوميديا اللفظ والإفيه.
وتابع قائلا: “إن التاريخ المسرحي يذكرنا بالعديد من المسرحيات الكوميدية المهمة التي قدمها مسرح القطاع الخاص نفسه، فمنها على سبيل المثال مسرحية “ديجابليوم” و”سيدتي الجميلة” التي قدمها الفنان فؤاد المهندس والفنانة شويكار، ورغم أنها مأخوذة عن نص أجنبي فقد استطاع صناع هذا العرض تقديمه بروح مصرية فجرت الضحكات من ناحية وفي نفس الوقت طورت من وعي المشاهد وأثارت الأسئلة في ذهنه.
وأشار إلى أن هذا الأسلوب انتهى من المسرح الخاص عندما بدأ في توجيه كافة أعماله إلى السياح العرب فشاهدنا عشرات المسرحيات التي لا علاقة لها بالمسرح بقدر مالها علاقة بالتهريج أو السخافة.
وأعرب عن أسفه بأن مسرح الدولة الآن لم ينجح في تحقيق المعادلة التي تتمثل في تقديم عرض كوميدي فيه من البهجة والضحك بقدر ما فيه من الأسئلة وتحفيز المشاهد على التفكير.
أضاف أنه لا أحد يستطيع إنكار أهمية الكوميديا في حياتنا خاصة في هذا الظرف الكئيب الذي نحياه، لكن عن أي كوميديا نتحدث؟ فقد أصبح مفهوم الكوميديا عن معظم الكتاب والمسرحيين هو الضحك للضحك دون أن يكون وراء ذلك سؤال يضيف إلى المشاهد ويطور وعيه.
وقال أيضا إنه يعرف عشرات الكتاب الذين يمتلكون حسا كوميديا رائعا وتقدموا بأعمالهم إلى الفضائيات ورغم جودة الأعمال التي تقدموا بها وتمتعها بحس كوميدي عالي فقد رفضت هذه الأعمال لأنها رغم كوميديتها تناقش موضوعات وقضايا جادة ومهمة، والمطلوب الآن البعد تمام عن كل ما هو جاد ومهم وتلك هي المشكلة.