مصر لا تكتفى بمد يد التعاون إلى أفريقيا، لكنها تذهب إلى أفريقيا بقوة وتصميم، لإعادة رسم وباء العلاقة مع أفريقيا، يظهر كل هذا فى تحركات مصر خلال السنوات الأخيرة نحو أفريقيا، وبعد عقود تراجعت فيها علاقات مصر مع الدول الأفريقية، وتوقفت عن التأثير والتأثر بما يجرى فى الدائرة الأفريقية، الأمر الذى خلق فراغات ملأتها الصراعات والميليشيات والتطرف، وبسبب الابتعاد وتراكمات الجفاء، حدثت تطورات على مستوى السياسة والاقتصاد والاستثمار بأفريقيا، وهى قارة غنية جدا بمواردها، لكنها فقيرة بسوء الإدارة وغياب التكامل وتراجع التعاون.
ونقول هذا بمناسبة منتدى شباب العالم الذى اختتم أعماله بشرم الشيخ، حيث كانت أفريقيا حاضرة بقوة وبشكل غير مسبوق، ظهر هذا التواجد فى ندوات وجلسات وورش المنتدى، فضلا عن حضور كبير من شباب أفريقيا الذين ظهروا بشكل جدى وقوى وكانت أفكارهم كاشفة عن تغير فى النظرات وتحولات ثقافية وفكرية واستثمارية ظهرت من خلال كلمات الشباب الأفريقى المشارك، وأيضا من استعراض الكثير من التجارب الملهمة لشباب وشابات نجحوا فى تقديم أفكار أهلية واستثمارية تخدم بلادهم وغيرها وتمثل خطوات مهمة فى سياقات الإنجاز.
شهد منتدى الشباب مساحة كبيرة لأفريقيا فى الورش والندوات، وكان كل شاب شارك من أفريقيا سفيرا لبلاده، يقدمها للمشاركين من أنحاء العالم.
ومن ميزات المنتدى أنه جمع شبابا من أنحاء القارة ليتعارفوا ويطل كل منهم على بلد ربما لا يعرف عنها الكثير، وقد تكون هناك حاجة إلى إعادة مشروعات النشر والأفلام الوثائقية عن دول أفريقيا بشكل موسع، حتى يمكن لنا أن نتفهم هذه الدائرة التى نعيش فيها، لكننا لا نعرفها بشكل حقيقى، وفى كثير من الأحيان نجهل تفاصيل اجتماعية واقتصادية مهمة فى كل بلد أفريقى وكل مصادفة تقود لزيارة تكشف لنا عن نقص شديد فى ما نعرفه عن دول أفريقيا.
من هنا تأتى أهمية التوصيات التى تحولت إلى قرارات رئاسية، التى خرجت من منتدى شباب العالم الذى اختتم أعماله أمس الأول، وتضمنت هذه التوصيات خطوات مهمة تتعلق بإعادة التعرف على أفريقيا ومد جسور التعاون معها، ومنها اختيار مدينة أسوان عاصمة للشباب الأفريقى لعام 2019، وهى ستكون مناسبة للمزيد من التعارف بين الشباب الأفريقى، ومواصلة الحوارات عن الهموم المشتركة التى تتطلب تعاونا لمعرفتها ومواجهتها، وكان الإعلان عن ملتقى الشباب العربى والأفريقى بأسوان لبحث القضايا والتحديات التى تواجه الشباب بالقارة الأفريقية والمنطقة العربية، تظهر فكرة الربط بين البعدين العربى والأفريقى، بالرغم من صعوبته طرحا يتم لأول مرة، يضاف إلى ذلك قرار الرئيس بتقديم إعلان شرم الشيخ للتكامل الأفريقى والعربى إلى الاتحاد الأفريقى والجامعة العربية عن طريق وزارة الخارجية المصرية، فضلا عن فتح الباب لتدريب وتأهيل الشباب العربى والأفريقيى فى الأكاديمية الوطنية لتدريب وتأهيل الشباب فى المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
كل هذه الخطوات تعنى أن مصر تتخذ خطوات جادة لبناء جسور وعلاقات تتجاوز الشكل والدبلوماسية إلى علاقات واقعية تقوم على نقل وتبادل الخبرات ونشر الوعى بقيمة أفريقيا وتدريب الشباب، ليمكنه القيادة والإدارة لثروات ومقدرات القارة، من خلال بناء كوادر تكون قادرة على صياغة المستقبل والتعامل معه.
وكل هذه القرارات تتطلب جهدا كبيرا لتتحقق وتنتج ثمارا مهمة فى سياق علاقات مصر بأفريقيا ودول أفريقيا ببعضها.