لا حدود للتريند، ولا قيمة للموت أو العشرة فى ظل غريزة الشهرة والتشهير، تفاصيل حياة الأزواج والزوجات، «أخص» خصوصيات العلاقات الأسرية، الانتقام بكل ما يحمله من قسوة وكراهية، كل هذا وأكثر أصبح معروضا أمام الناس فى الداخل والخارج، وبعض من يذهبون إلى الانتقام لا يحسبون انعكاس هذا على الأبناء أو الأسرة أو المحيط، بالطبع فإن البعض يتورط فى سلوكيات خاطئة، تحت دافع الشهرة أو النجومية، لكن «الاسكرين شوت» أصبح أداة انتقام شديدة القسوة، تطيح بالخصوصية، وتحرق أطرافها، ومن حولهم.
ويبدو أن النقاش تجاوز الخصوصية، والبحث عن الحدود الفاصلة بين العام والخاص فيما يتعلق بحياة الآخرين، وأيضا بتفاصيل حياة الأسرة ذاتها، باحتفالات الانفصال، وأيضا بممارسة الانتقام، بجانب اعتبار أى احتفال أو فرح أو رحلة، مناسبة للنشر والعرض والقتل المعنوى، ومع الوقت يفقد الجمهور اندهاشه، ويطلب المزيد، والجمهور هنا ليس الجميع، لكنه العدد الكافى لصناعة التريند.
اندهش البعض عندما استعرض شاب على حسابه بتيك توك مقاطع توثق وفاة والده من الاحتضار فى سيارة الإسعاف حتى وصوله للمقابر، وكتب عبارات يستعطف المشاهدين، بحجة أنه يطلب الدعاء لوالده، وعندما تعرض لهجوم وانتقادات، برر النشر بأن الفيديو «عمل مليون و600 ألف مشاهدة»، وأضاف بفخر كبير «لو فيه 30 % انتقدونى فيه 70 % تعاطفوا معايا.. اللى عملته أى حد بلوجر بيعمله ومعرفش إن الناس عقولها بقت بالطريقة دى».
الشاب البلوجر اليوتيوبر لا يرى أى مشكلة فى عرض عملية موت ودفن والده، المهم أن نسب المشاهدة مستمرة وقابلة للزيادة، بل هو يبدى دهشة ممن عبروا عن صدمتهم من تصرفه، ويراهم «ناس عجيبة» لأنهم طبيعيون، وبالتالى فالطبيعى يصير مختلفا وغريبا فى عالم يستهلك يوميا من التريندات أكثر مما يتغذى على الطعام، وفى المرة القادمة لن يكون هناك اندهاش، أو شعور بالصدمة من ملايين المشاهدات لمزيد من مشاهد الموت والحزن، أو حتى حفلات انتقام وتشفى بـ«الاسكرين شوت».
مؤخرا عرفت مواقع التواصل قصصا عن زواج وطلاق، تحولت إلى «تريندات»، ولم يعد السؤال عن سبب إعلان زوجة أو زوج خبر الانفصال، مع الإعراب عن الاحترام المتبادل، والإبقاء على الخصوصية التى ضاعت وسط حملات الاستعراض والفرجة، على زوجين كانا مثالا للأزواج المثاليين اللذان أصبحا طليقين مثاليين. الأزمة أن العلاقات التى تتحول إلى تريندات غالبا ما تنتهى بنفس التريندات، وتصبح الأسرة فرجة بكامل الرغبة والموافقة، لأنهم من أتاحوا تفاصيل حياتهم للعامة.
فى الماضى كان الاتهام يتوجه للإعلام، أنه وراء البحث عن النميمة والفضائح، الآن أصبح أطراف العلاقة هم من يقدمون المادة الخصبة للنميمة، بشكل أقرب لمسلسلات، تبدو أكثر جذبا للفرجة والتفاعل أكثر من بعض الأعمال الفنية، وبالمناسبة فإن الأزمة لا تتعلق فقط بمجتمعاتنا، بل هى أمر يخضع لدراسات وأبحاث فى العالم كله، كيف تتحول الفضائح والعلاقات الخاصة إلى تريندات للفرجة، والهدف أن يصبح الشخص مشهورا أو حتى نصف معروف تحت الضوء.
وغالبا ما يأتى بالتريند، يذهب بتريند آخر، يختفى ليظهر غيره، المهم تغذية ماكينة النميمة والفرجة، والإبقاء على جمهور متعطش للتفاعل مع هذا الواقع، الذى يفقد غرائبيته مع الوقت.. هنا يأتى السؤال عن موقع الجمهور، أو «بعض الجمهور» الذى يستمتع بإعادة مشاركة «شير» التفاصيل والصور و«الاسكرين شوتز»، ويتلذذ حتى وهو يمتدح أو يلوم وينهال باللعنات والانتقادات لمنتجى الفضائح، بينما يشارك فى حفلات شواء ونميمة بـ«شير أو لايك أو حتى دسلايك»، ضمن غريزة هى التى تصنع «التريند» مع مسحة أخلاقية أو غيره، لكنها لا تخلو من استهلاك فى عالم يحب التريند ولا يعرف الخصوصية ولا الرحمة.