يتساءل عدد من المتابعين عما يدفع روسيا لاستعراض قوتها حول العالم، وعن احتمالات أن يمنع ذلك حدوث تقارب في العلاقات بين ترامب وبوتين.
وعن التطورات الأخيرة في العلاقة بين واشنطن وموسكو، كتب بيتر فورد، مدير مكتب صحيفة كريستيان ساينس مونيتور في بكين، مذكراً بما كانت عليه روسيا، قبل عشرين عاماً. فقد دخلت في مجموعة الثماني الصناعية، وكانت شريكاً للناتو، ومتحمسة لإقامة “نظام عالمي جديد”، ولكن، وبحسب الكاتب، “نجد روسيا مطرودة من مجموعة الثماني، وقد علق الناتو تعاونه معها، ويقول فلاديمير بوتين إن دولته منخرطة في معركة حضارية مع الغرب بشأن قيم ومنافسات”.
ويسأل فورد إن كانت هناك إمكانية حقيقة لإجراء مصالحة تاريخية بين واشنطن وموسكو، كما أوحى الرئيس ترامب، علماً أن ردة فعل شديدة على الفكرة صدرت عن زعماء جمهوريين وسواهم في واشنطن، ما ألقى بظلاله على ذلك الاحتمال. ويضاف إليه جدل متصاعد بشأن دعم روسي لحملة ترامب الرئاسية، ومنها ما كشف مؤخراً حول محادثات جرت في عام 2016، بين وزير العدل الأمريكي، جيف سيشينز، والسفير الروسي لدى الولايات المتحدة.
استعراض
ويلفت الكاتب إلى قيام روسيا باستعراض عضلاتها الديبلوماسية والعسكرية، بدءاً من الشرق الأوسط وصولاً لأمريكا اللاتينية، ومن أوكرانيا إلى الصين، وبطريقة لم يشهدها العالم منذ نهاية الحرب الباردة. ويبدو أن العالم بدأ في التعود على الحالة الجديدة. ويقول آندري كليموف، نائب رئيس اللجنة الشؤون الخارجية في مجلس الدوما الروسي: “ليست روسيا قوة إقليمية صغيرة، بل قوة كبرى ذات منطقة نفوذ”.
إحداث اضطرابات
ويرى فورد أن هذا السلوك كفيل بالتسبب بمتاعب واضطرابات في النظام الدولي الذي تزعمته أمريكا طوال عقود. ولذا حذر أوجين رومر، مدير برنامج روسيا وأوراسيا في مركز كارنيغي للسلام الدولي من أن “روسيا وضعت نفسها في موقف المتحدي للنظام الليبرالي الدولي الذي بنته أمريكا ودعمته. وستواصل روسيا إزعاجنا والضغط علينا”.
مرحلة جديدة
ويعود الكاتب للسؤال عما إذا كان ممكناً تحقيق تقارب بين أمريكا وروسيا، أم أن العالم سيواجه مرحلة جديدة من العدوانية وسياسات حافية الهاوية؟ من وجهة نظر موسكو، كان من الحتمي استعادة هويتها التاريخية بوصفها على تناقض مع الغرب.
الذل
فقد أدت تجربة السوق الرأسمالية الحرة في فترة ما بعد الاتحاد السوفييتي، إلى تركز الثروة الروسية في أيدي بضعة أشخاص، وإفقار ملايين الروس. وفيما كانت روسيا ضعيفة، تمدد الحلف العسكري الغربي ليضم جمهوريات سوفيتية سابقة. وشعرت روسيا بالذل، وأجبرت على ابتلاع القيم الغربية. ومن وجهة النظر الغربية، فشلت روسيا في الاختبار الأساسي لعضوية أوروبا، الديموقراطية. ومع عودة موسكو لأساليبها الأوتوقراطية القديمة، كشفت عن ميول رجعية وتصميم على بسط نفوذها من جديد على جوارها وما وراءه.
نسخة جديدة
ومع المفهوم الجديد للسياسة الخارجية الروسية، أشار بوتين في عام 2013 إلى أن “روسيا جزء وعضو أساسي من الحضارة الأوروبية”. ولكن ذلك الوصف سقط في نوفمبر الأخير، عندما ألقى بوتين باللائمة على” قوى غربية” لفرض وجهات نظرهم على العالم”، وكانت النتيجة أن تخلت موسكو عن القيم الغربية، ومنها سيادة الدول على أراضيها، وغزا بوتين أوكرانيا المجاورة بعدما أظهرت مؤشرات على اصطفافها مع الغرب.
شبكة من الحلفاء
ويرى فورد أن موسكو لم تبد أي مؤشر لطموحات بشأن إعادة تأسيس شبكة من الحلفاء والدول العميلة، كما كان عليه الحال في زمن السوفييت. وعوضاً عنه، تركز موسكو على منع أي من الجمهوريات السوفيتية القديمة من التقارب مع الغرب. وهذا هو سبب دعم موسكو لانفصاليين في شرق أوكرانيا، حيث اشتعل الصراع من جديد في فبراير.
إظهار الغرب في فوضى
وينقل الكاتب عن قادة سياسيين ووكالات استخبارات أوروبية أن روسيا تستغل الثقافة الأوروبية وحرية التعبير لتلفيق أنباء، والترويج لشائعات، وتقارير منحازة، واختراق مواقع إلكترونية لشخصيات بارزة. ويقول بول ستونسكي، خبير روسي في معهد كارنيغي في واشنطن: “يكمن هدف موسكو الرئيسي في إظهار الغرب في حالة فوضى وتراجع. ولذا تركز وسائل الإعلام الروسية على المشاكل الأوروبية، كأزمة الهجرة والهجمات الإرهابية والمشاكل الاجتماعية لترسم صورة بأن أوروبا فقدت أعمدتها الأخلاقية”.
ويلفت الكاتب لاتهامات طالت موسكو بشأن تدخلها في الانتخابات الرئاسية الأمريكية لصالح الرئيس ترامب، وقد أثبتت وكالات استخباراتية أمريكية صحة تلك الاتهامات. فهل خاب أمل موسكو في التقارب مع واشنطن في عهد ترامب، أم ما زالت هناك فرصة لبداية عهد جديد من العلاقات بين الجانبين؟.