شارك الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية الدكتور نظير عياد في فعاليات احتفالية كلية اللغة العربية بأسيوط بعيدها الخمسين؛ وذلك بحضور الدكتور محمد عبد المالك نائب رئيس الجامعة لفرع الوجه القبلي، والدكتور حسن الصغير أمين عام هيئة كبار العلماء، والدكتور رفعت علي عميد كلية اللغة العربية بأسيوط، والدكتور محمد عبد المولى نائب رئيس جامعة أسيوط، والدكتور محمود توفيق عضو هيئة كبار العلماء، والدكتور محمود الهواري الأمين المساعد للدعوة والإعلام الديني بالمجمع.
وقال الأمين العام في كلمته إنه من المعلوم إن كل أمة من الأمم تفتخر بلغتها وتعتز بها وتعتقد أنها أفضل اللغات، ولا عجب في ذلك، فاللغة هي هوية الأمة وسبيل مجدها وتاريخ حضارتها، كما أنها بالنسبة للأمم جميعًا أداة تواصلها وطريقة تفكيرها، ورمز عزتها، ومصدر فخرها، وأسلوب حياتها؛ مؤكدًا أن اللغة للأمة العربية هي كل هذا وتزيد عليه أنها لغة دينها وكتاب ربها، جعل الله فهمها ضرورة وتعلمها شرفا، لهذا كان ارتباط المسلم بلغته مختلفًا عن ارتباط أي إنسان بأية لغة أخرى، إذ لا يستطيع المسلم أن يقرأ كتابه بغير لغته التي نزل بها، كما لا يتأتى له القيام بأداء شعائره وإتمام عباداته بدونها.
وأضاف عياد أن اللغة العربية وسيلة المسلم لفهم مقاصد النص القرآني ومعانيه وغاياته الكبرى المتمثلة في تلقي الأحكام الشرعية منه؛ ولذلك استعان العلماء باللغة العربية وفنونها في فهم مراد الله في كتابه والكشف عن أسراره، وتحديد دلالاته، ونظر إليها العلماء على أنها من الدين حيث إن فهم مراد القرآن والسنة من أوجب الواجبات، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، مشيرًا إلى أن معرفة اللغة العربية شرط في فهم القرآن الكريم لأن من رام تفسيره، وسعى إلى الكشف عن مضامينه والوقوف على أسراره وقوانينه، وهو لا يعرف لغته التي نزل بها فإنه لا شك سيقع في الزلل، ولن يخلو قوله من خلل فمن قال إنه يفهم القرآن الكريم دون حاجة إلى اللغة العربية فقد قال محالًا وادعى مستحيلًا.
وأوضح الأمين العام أن اللغة العربية مهمة جدًا للعلوم الشرعية بشكل عام، ولعلوم القرآن والتفسير بشكل خاص؛ ومن ثم فقد أولاها العلماء موفور العناية، ومزيد الاهتمام؛ حيث حرص العلماء على دراسة اللغة وارتبط ذلك بحرصهم على فهم القرآن من جهة ودراسة لغته من جهة أخرى باعتبارها مصدر العقائد والأحكام والتشريعات، مضيفًا أن القرآن الكريم أعطى اللغة العربية أكثر من كونها لغة، فقد حافظ عليها بحفظ الله تعالى له، كما قال تعالى: “إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون”، فاستمدت منه كمالها وجلالها وجمالها، فكان لها سببًا من أسباب السماء.
وأشار عياد إلى أن اللغة العربية فضلها كبير وشأنها عظيم؛ حيث انتقلت من كونها لغة خاصة إلى لغة كونية حين أصبحت لغة القرآن الكريم، وحوت عقيدة كونية أعلنت عن نفسها عقيدة للبشر عامة؛ وهذا ما جعلها في أقل من قرن، لغة عالمية كبرى تشكلت في أطرها وسياقاتها أسس الحضارة الكونية العظمى التي سادت العالم قرونا عديدة، وامتدت على مساحات شاسعة من قارات العالم القديم، وغدت لغة الحضارة الإنسانية التي انحلت في بوتقتها لغات وحضارات متعددة، وشكلت حلقة محورية في الحلقات الحضارية الإنسانية الكبرى، وظلت عبر القرون لغة الحياة والعلم والفكر الإنساني.
وختم الأمين العام كلمته بالتأكيد على ضرورة التمسك باللغة العربية، والحفاظ عليها والعمل على استعادة مكانتها؛ خصوصًا مع كثرة التحديات وتعدد المعوقات التي تعمل على وأد اللغة والاستهانة بها والخروج بها والدعوة إلى استبدالها أو العمل على تغييرها أو على الأقل مسخها باعتبار ذلك يؤدي إلى مسخ الهوية، موضحًا أن العربية تعاني ما تعانيه الأمة، ولكنها تملك على الرغم من كل ما أصابها ويصيبها من وهن ومن جناية أبنائها عليها عناصر قوة تمكنها من التجدد والانتشار، لكونها مرتكز العقيدة الإسلامية، ولغة حضارة كونية ما زالت تفرض حضورها في العالم حتى يومنا هذا، ولغة تمتاز بمرونة وقابلية غير محدودة للتعبير عن الفكر والعلم والمعارف الإنسانية.