تحقيقات و تقارير

الإخوان.. وسيط الإرهاب والتطرف بين الدوحة وأنقرة

تقارب جديد بين الدوحة وأنقرة يلقى الضوء على طبيعة العلاقات بين البلدين، عبرت عنه زيارة حاكم قطر الأمير «تميم بن حمد آل ثاني» إلى تركيا فى منتصف أغسطس 2018، وإعلانه عن منح تركيا 15 مليار دولار، توجه بشكل مباشر للاستثمار فى المشاريع التركية. الملمح الأساسى فى هذا الأمر، أن هذه الزيارة الأخيرة والاستثمارات الموجهة لدعم العملة التركية تأتي على خلفية توتر العلاقات التركية الأمريكية، وفرض الأخيرة عقوبات اقتصادية وسياسية على أنقرة، ما يسلط الضوء على طبيعة ونمط هذه العلاقات، التي وصفها السفير التركى فى قطر «فكرت أوزر»، «بأن زيارة الأمير تميم بن حمد آل ثانى إلى تركيا، تأتى فى إطار علاقات الصداقة بين البلدين، مشددًا على وقوف قطر وتركيا مع بعضهما فى مختلف الظروف بما يدعم مسيرة التعاون والصداقة بين البلدين الشقيقين». ذكرت الرئاسة التركية فى بيان لها أن «أردوغان وآل ثاني» أجريا محادثات فى المجمع الرئاسى بعاصمة تركيا أنقرة، موضحة أنهما «تبادلا الآراء حول العلاقات الثنائية والقضايا الإقليمية».
كان للتدخل التركى من قبل فى الأزمة الخليجية الأثر الأكبر فى تحقيق التقارب التركى القطرى بصورته الحالية، بعدما أعلنت الدول الأربع العربية (مصر، السعودية، الإمارات، البحرين)، فى يوم ٥ يونيو ٢٠١٧، قطع علاقاتها الدبلوماسية مع قطر، على الجانب الآخر أعلنت تركيا مساندتها لقطر فى مواجهة الحكومات العربية؛ حيث ساندت تركيا الدولة الغنية بالنفط فى مواجهة هذه العقوبات التى شملت أيضًا إغلاق المجالات الجوية والبحرية أمام الطائرات القطرية.
كما أكد الرئيس التركى «رجب طيب أردوغان»، دعم بلاده لقطر من الناحية العسكرية والاقتصادية، وعلى ذلك أرسلت تركيا سفينة محملة بالأغذية بعد نفاد البضائع من المحلات التجارية فى الإمارة الصغيرة التى تستورد ٨٠ بالمئة من احتياجاتها الغذائية. كما وافق البرلمان التركى على إرسال آلاف من الجنود إلى القاعدة التركية فى قطر، والمشاركة فى تدريبات مع القوات القطرية، ولم تكن الموافقة على إرسال القوات التركية إلى قطر إلا بعد المقاطعة الخليجية مباشرة، علمًا بأن نشر القوات جاء تنفيذًا لاتفاقية بين البلدين تم توقيعها عام ٢٠١٤، فى إشارة إلى التلويح بالقوة عبر نشر قوات عسكرية تركية داخل الأراضى القطرية، عوضًا عن استعداد القطاع الخاص التركى للمشاركة فى تنفيذ مشاريع بطولة كأس العالم فى كرة القدم فى قطر ٢٠٢٢.
الانقلاب فى تركيا
سارعت الدوحة بمساندة أنقرة بعد محاولة الانقلاب مباشرة، ففى الساعات الأولى من الانقلاب العسكرى فى تركيا؛ أصدرت قطر أول موقف عربى يندد بالانقلاب قبل التأكد من فشله. وفى اليوم نفسه تلقى الرئيس التركى أول اتصال هاتفى دولى من أمير قطر. وبعد أسبوعين من الانقلاب قام أول مسئول دولى بزيارة إلى أنقرة لتأكيد وقوف بلاده إلى جانبها، كان وزير الخارجية القطرى «محمد بن عبدالرحمن آل ثاني».
ويمكن الجزم بأن الموقف القطرى سيكون أساسًا لتحالفات تركيا الجديدة فى المنطقة، لا سيما فى ظل تطابق المواقف فى القضايا المتعلقة بالإقليم، بعد أن أشار «أردوغان» إلى أن أول موقف عملى كان من قبل قطر، التى تعتبر اليوم أقرب حليف لتركيا.
وفى هذا الشأن تشهد العلاقات التركية القطرية تطورًا فى علاقاتهما السياسية والاقتصادية، فضلًا عن أنه توّج هذا التطور بتكريم السفير القطري، فى أنقرة نهاية يوليو ٢٠١٦؛ وذلك «امتنانًا على الموقف القطرى تجاه تركيا، ونبل قطر فى التعامل مع الأزمة التركية خلال فترة محاولة الانقلاب الفاشلة». وقام وزير الخارجية التركية، «مولود شاويش أوغلو»، بدعوة «سالم بن مبارك آل شافى»، سفير دولة قطر لدى تركيا، إلى مكتبه فى وزارة الخارجية التركية؛ لتكريمه على موقفه وجهوده التى بذلها خلال الانقلاب الفاشل.
مصالح اقتصادية
تشهد العلاقات الاقتصادية القطريّة – التركيّة نموًا مطردًا فى السنوات القليلة الماضية. وبالرغم من التقدم السريع على صعيد زيادة حجم التبادل التجارى بين البلدين وزيادة الاستثمارات، فإن حجم العلاقات الاقتصادية لا يزال أقل من المأمول.
ويحاول البلدان منذ العام ٢٠١٤، استثمار جهودهما المشتركة لرفع حجم التبادل التجارى، وزيادة الاستثمارات بما يتناسب مع العلاقات المتميزة بينهما سياسيًا، وقد جرت زيارات متبادلة لقيادات البلدين والمسئولين على أعلى مستوى (وزراء الاقتصاد والمالية لدى الطرفين) لتحقيق هذا الهدف، كما عملت العديد من الجهات لدى الطرفين بجهد ونشاط من أجل الدفع قُدُمًا بالعلاقات الاقتصادية والاستثمارات المشتركة ومساعدة رجال الأعمال من الجانبين على استغلال الفرص التجارية والاستثمارية القائمة.
وتبدى الحكومة التركيّة رغبتها مؤخرًا فى التوصل إلى اتفاقات بخصوص إمدادات الغاز المسال، وهو مشروع ذو طابع استراتيجي، فكلا الدولتين لديها إمكانيات أفضل لتوسيع علاقاتها الاقتصادية فى مجالات مثل: الطاقة والسياحة والعقارات والأغذية والزراعة، بالإضافة إلى المقاولات وأنشطة البناء والمنتجات الكيماوية والبتروكيماوية.
عسكريًا بلغ مستوى التعاون بين البلدين أعلى مستوى له مع توقيع اتفاقية التعاون العسكرى والصناعات الدفاعية عام ٢٠١٤، والتى تنص على إنشاء قاعدة عسكرية تركية على الأراضى القطرية، كما نصت الاتفاقية أيضا على إمكانية نشر متبادل لقوات تركية فى قطر وقطرية فى تركيا، وترتب عليها تأسيس قاعدة عسكرية تركية فى قطر وهى الأولى من نوعها.
الإخوان العمود الإيديولوجي
يمثل الإخوان المسلمون العمود الفقرى فكريًا لمحورية تلك العلاقة بين أنقرة والدوحة؛ فالبلدان يتشاركان نفس الرؤية للدول الإسلامية فى الشرق الأوسط؛ حيث دعمت أنقرة والدوحة الإخوان المسلمين، الذين وجدوا فى الربيع العربى فرصة للانقضاض على الأنظمة الحاكمة فى المنطقة التى لطالما حظرت هذه الحركة. وقد دافع رجب طيب أردوغان علنًا عن هذه الحركة فى فبراير ٢٠١٧، مؤكدا أنها «ليست حركة مسلحة، ولكنها فى الحقيقة تنظيم إيديولوجي». كما استقبلت تركيا وقطر على أراضيهما كثيرًا من عناصر جماعة الإخوان الفارين من مصر، خاصة يوسف القرضاوى الذى ينظر له على أنه القائد الروحى لجماعة «الإخوان المسلمين».
وعند حدوث الأزمة الخليجية مع قطر ازداد قلق الجماعة من فقدان الملاذ الآمن فى العاصمة القطرية الدوحة، أو الخشية من تسليم قطر عددًا من عناصر الإخوان المسلمين البارزين للأجهزة الأمنية فى بلدانهم كـ«كباش فداء»، فى محاولة من الحكومة القطرية لاحتواء غضب مصر والسعودية والإمارات والبحرين وإنهاء المقاطعة التى فرضتها هذه الدول على الدوحة، إلا أنها سمحت بنقل عناصر الجماعة من قطر إلى تركيا، الملاذ الآمن لهم. ويمثل الإخوان إحدى الأوراق التى تستثمرها قطر وتركيا لصالحهما فى البروز الإقليمى بهدف تحقيق التوازن مع القوى الإقليمية الرئيسية.
إن العلاقة بين تركيا وقطر وجماعة الإخوان المسلمين لا تقوم فقط على الروابط القوية التى تجمع النخبة السياسية الحاكمة فى تركيا مع مختلف جماعات الإسلام السياسى فى المنطقة العربية، وفى مقدمتها جماعة الإخوان، وإنما تتأسس أيضا على ذلك النمط من الروابط التى تتجاوز الإطار السياسى إلى النسق الإيديولوجى الذى يجعل الجانبين ينتميان لتيار عقائدى واحد، وذلك منذ أن أقدم نجم الدين أربكان على تأسيس الجناح التركى لجماعة الإخوان.
إجمالًا: تمثل العلاقات التركية القطرية طابعا مميزا من العلاقات القائمة، ليس فقط على المصالح السياسية والاقتصادية والعسكرية فحسب، بل إن الدولتين يجمعهما ترابط إيديولوجى داخلى وعلى مستوى التصورات الخارجية، إلا أن هذا التوافق بينهما يعكس ريادة تركيا فى التوجهات العامة للعلاقات بينهما لما تمثله من وجهة نظر الدوحة بأن تركيا هى الدولة الإسلامية الوريثة للدولة العثمانية وما يتعلق برمزيتها الدينية، مما يسمح لأنقرة مساحة توجيه الإمارة الصغيرة فى المسار الذى يخدم مصالحها فى الأساس، وهو ما تؤشر عليه المعطيات السابقة كافة.

زر الذهاب إلى الأعلى