وجه الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، رسالة إلى الشباب، مؤكدًا لهم أن الأزهر الشريف يولى شباب الأمة قدرًا كبيرًا من الاهتمام والرعاية باعتبارهم مستقبلها وعماد نهضتها وتقدمها، داعيا إياهم أن يكونوا على قدر المسئولية تجاه الوطن والولاء له ومساندته وبخاصة فى هذا المنعطف الذى تمر به مصر والأمة العربية كلها.
ودعا الإمام الأكبر فى مقاله الأسبوعى فى جريدة “صوت الأزهر” الذى جاء بعنوان “رسالة إلى الشباب”، إلى ضرورة إشراك الشباب ومنحهم الثقة وإقامة حوار جاد وبناء معهم، مطالبًا الشباب إلى عدم الانصياع إلى الدعوات الهدامة الداعية للصراع والعنف والكراهية، وأن يكونوا سفراء سلام ورحمة وأن تكون قضيتهم هى كيف يصنعون عامًا جديداً خاليًا من الدماء والفقر والمرض والجهل.
كما طالب الشباب بألا يسلموا عقولهم وتفكيرهم للدعوات التى تربط ربطاً خاطئًا بين الإرهاب والإسلام، موضحًا أن هذا الإرهاب بكل أسمائه وألقابه ولافتاته لا يعرف الإسلام ولا يعرفه الإسلام وأن البحث عن أصول هذا الإرهاب فى القرآن وشريعته تضليل للناس وانحراف عن منهج الاستدلال المنطقى الصحيح.
وأكد الإمام الأكبر أن الأزهر الشريف يسعده كثيرًا أن يفتح أبوابه لإسهامات الشباب الفكرية، واقتراحاتهم المستنيرة، والحوار معهم، من أجل دعم رسالة الأزهر فى نشر ثقافة السلام الاجتماعى على المستوى الوطنى والإقليمى والدولى، وفى تأكيد الأخوة الإنسانية والزمالة العالمية، وكذلك فى ترسيخ المفاهيم الصحيحة للدين والشريعة فى عقول الناشئة لحمايتهم من استقطاب الفكر المنحرف ودعوات الغلو والتطرف والقتل وحمل السلاح فى وجه الآمنين والمسالمين.
وفيما يلى نص مقال الإمام الأكبر :
يولى الأزهر الشريف شباب الأمة قدرا كبيرا من الاهتمام والرعاية باعتبارهم مستقبلها وعماد نهضتها وتقدمها.. فنحن فى أشدِّ الحاجةِ إلى أن يَتَّجِهَ جهدُ شَبابِنا لتحقيقِ التَّقدُّمِ العلمى والتِّقنى والحضارى، حتى نَلحَقَ برَكبِ الأُمَمِ التى سبَقتنا إلى قيادةِ العالمِ والتأثيرِ فى مصائرِ الإنسانيَّةِ، وتوجيهِ مسيرتِها وتحديدِ وجهتِها.
وإنَّ هذه المسيرةَ لفى أشدِّ الحاجةِ إلى الانضِباطِ بضَوابطِ الدِّين والأخلاقِ ونورِ الوحى وهَدى السماء، وحتى تَخِفَّ عذاباتُ الناسِ وآلامِهم التى سبَّبَتها السياساتُ العالميَّةُ التى تعملُ فى غيبةٍ عن قيمِ الأنبياءِ والمُرسَلين، والذين ما بعَثَهم اللهُ إلا لهِدايةِ الإنسان وإسعادِه فى الدُّنيا والآخِرة.
إننى فى الوقت الذى أدعو فيه إلى ضرورة إشراك الشباب ومنحهم الثقة وإقامة حوار جاد وبناء معهم، فإننى أدعو بناتى وأبنائى الشباب إلى :
ألا يسلموا عقولهم وتفكيرهم للدعوات التى تربط ربطًا خاطئًا بين الإرهاب والإسلام، فأنتم أعرف الناس بأن الدين والعنف نقيضان لا يجتمعان ولا يستقيمان فى ذهن عاقل.
أيها الشباب :
أرجو أن تنتبهوا إلى أن هذا الإرهاب بكل أسمائه وألقابه ولافتاته لا يعرف الإسلام ولا يعرفه الإسلام وأن البحث عن أصول هذا الإرهاب فى القرآن وشريعته تضليل للناس وانحراف عن منهج الاستدلال المنطقى الصحيح.
أيها الشباب :
عليكم أن تحاربوا الأفكار الهدامة الداعية للصراع والعنف والكراهية وثقتى غير محدودة فيكم أن تكونوا سفراء سلام ورحمة، وأن تكون قضيتكم هى كيف تصنعون عالمًا جديدًا خاليًا من الدماء، والفقر، والمرض، والجهل.
أيها الشباب :
إن أكثر المآسى التى باتت تُعانى منها البشرية اليوم إنما مردها إلى شيوع الفكر المادى، وفلسفات الإلحاد، والسياسات الجائرة التى أدارت ظهرها للأديان الإلهية.
أيهـا الشـباب!
أعرف أنكم تسألون عن الإرهاب، وعن داعش وأخواتها.. وما أظنكم بغافلين عن حقيقة هذه التنظيمات المسلحة، والظروف التى ولدت فيها، وكيف أنها ولدت بأنياب ومخالب وأظافر، وكيف أنها صُنعت صنعًا لحاجة فى نفس يعقوب، ومعنى فى بطن الشاعر، وقد صار اللعب الآن على المكشوف، وظهر ما كان بالأمس مستخفيًا، ولعلكم أصغيتم السمع إلى رؤساء الدول وهم يتبادلون التهم حول شراء البترول من جماعات الإرهاب فى بلادنا العربية، ولعلكم تتساءلون معى: هل القضاء على حاكم حتى لو كان ديكتاتورًا يتطلب إبادة دول وشعوب؟ وقتل ثلاثة أرباع مليون من الرجال والنساء والأطفال فى بلد واحد وحرب واحدة؟ وإنى لأترك الإجابة الأليمة لفطنتكم ووعيكم، فقد يكون جيلكم أوعى بهذه الظروف وبملابساتها، من جيلنا الذى بدأ يميل إلى الغروب.
أيهـا الشـــباب!
يجب أن تتحركوا، وأن تفكروا، وأن تَعْلَموا، وعليكم أن تدركوا الحدود الفاصلة بين العقل المستضيء بنور الوحى الإلهى ونصوصه الصحيحة الثابتة، والعقل الجامح الذى يدمر فى طريقه كل شيء، واعلموا أن للعقل مجالاً، وللوحى مجالًا آخر، وأن الخلط بينهما، أو الاعتماد المطلق على أحدهما فى مجال الآخر، لا يؤدى إلَّا إلى الاضطراب.. وأن الجموح العقلى أو الفكرى إنما يكون بسبب سقوط الحدود الفاصلة بين هذين المجالين، حيث ينفلت العقل ويجمح إما إلى الإلحاد وإضلال الناس، وإما إلى الانغلاق والانسحاب وتكفير الناس، وكلاهما مرض نفسى وفكرى، وغايته ضلال وتخبط فى النظر والاستدلال، وما أعظم ما قرره أئمة علم الكلام فى هذا الأمر، وما بينوه من الفروق الدقيقة بين الدليل العقلى والدليل النقلى ومجالات كل منهما، وكيف أن إبطال أحدهما لحساب الآخر يكرُّ بالنقض والإبطال على الدليلين معًا..
وأمر آخر أود أن أشير إليه أيها الشباب، هو :
الولاء للوطن، وبخاصة فى هذا المنعطف الذى تمر به مصر والأمة العربية كلها.. والذى يجب علينا وعليكم – أيها الشباب! -هو أن تكونوا على مستوى المسؤولية التى تقع على عواتقكم، وأن تكونوا على ذكر دائم لأمانة الوطن التى ستلقون بها ربَّـكم، وأنتم مسؤولون عنها لا محالة ولا مفر ولا جدال فى ذلك، ثم هى مسؤولية فى هذه الحياة الدنيـا.. يسجلها التاريخ وتحفظها الأيام، والتاريــــخ لا يرحـم، كما يقولون.
فاحرصوا على أن تكون صحيفتكم الوطنية بيضاء نقية فى سجلات التاريخ، واحرصوا على أن تذكركم الأجيال القادمـة بالثناء والعرفان بالجميل، كما نذكر نحن -الآن- شباب مصر فى القرن الماضى بالإعجاب والتقدير لصموده فى وجه الاستعمار، وإبطال خطط المتربصين والمفسدين فى أرض مصر آنذاك.
فقفوا إلى جوار مصلحة هذا البلد الذى نأكل ونشرب من خيراته، ونتعلم ونعيش على ثراه، ولا تكونوا من الذين يأخذون من مصر بأيمانهم ويطعنونها من الخلف بشمائلهم، فما هكذا الرجال، وما هكذا أهل المـروءة والوفـاء.
أيها الأبنـــاء الأعـــزاء!
أود أن أؤكد لحضراتكم أن الأزهر الشريف يسعده كثيرًا أن يفتح أبوابه لإسهاماتكم الفكرية، واقتراحاتكم المستنيرة، من أجل دعم رسالته فى نشر ثقافة السلام الاجتماعى على المستوى الوطنى والإقليمى والدولى، وفى تأكيد الأخوة الإنسانية والزمالة العالمية، وكذلك فى ترسيخ المفاهيم الصحيحة للدين والشريعة فى عقول الناشئة لحمايتهم من استقطاب الفكر المنحرف ودعوات الغلو والتطرف والقتل وحمل السلاح فى وجه الآمنين والمسالمين. وأتمنى لو تدخلون مع علماء الأزهر وشبابه فى حوارات نتعرف فيها عليكم وعلى مشاكلكم، كما تتعرفون على شباب الأزهر ومشاكله.