كشفت دراسة حديثة أن الطريقة التى نفهم بها الآخرين وردود أفعالنا تجاههم، قد تكون وراثية، فيما تهدف الدراسة إلى اكتشاف العلاقة بين العزلة الاجتماعية والشعور بالوحدة، وكيفية ارتباطهما بالاكتئاب، وعما إذا كان يمكن تفسير تلك الروابط بالتأثيرات الجينية.
واستخدم الباحثون بيانات دراسة عن التوأم التى تم جمعها عن 1.116 زوج من التوائم من نفس الجنس والذين ولدوا فى المملكة المتحدة عامى 1994 و1995.
وقد توصلت الدراسة إلى أن الوحدة قد تكون عاملا أكثر خطرا بكثير للإصابة بالاكتئاب من العزلة الاجتماعية، وفى الواقع، وجد الباحثون أن الأشخاص الذين يعانون من الشعور بالوحدة كانوا أكثر عرضة بكثير للإصابة بأعراض الاكتئاب من الأشخاص الذين يعيشون فى عزلة اجتماعية.
ويقول الدكتور “جاى وينش”، الطبيب النفسى وعضو جمعية علم النفس الأمريكية، معلقا على الدراسة “العزلة الاجتماعية تعتبر حالة يقرر فيها الإنسان تحديد علاقاته وتفاعلاته الاجتماعية فى نطاق ضيق، ومن ناحية أخرى، فإن الشعور بالوحدة، هو حالة غير موضوعية على الإطلاق، حيث يشعر الإنسان بأنه مفصول اجتماعيا أو عاطفيا عمن حوله، وعلى هذا النحو، فإن الأشخاص المعزولين اجتماعيا ليسوا بالضرورة وحيدين، كما أن الأشخاص الوحيدين ليسوا بالضرورة معزولين اجتماعيا”.
كما أشارت الدراسة إلى أن الوحدة تجعل الشخص يميل إلى خلق تصورات مشوهة وعقلية متشائمة مما يمكن أن يؤدى إلى الإصابة بالاكتئاب، حيث أن كون الشخص وحيدا يجعله يحكم على صداقاته وعلاقاته بصورة أكثر سلبية ويميل إلى الرد على الآخرين بأسلوب دفاعي، كما أنه يزيد من المشاعر العدائية والتى يمكن أن تدفع الشخص للتطرف وتدمر فرصه فى التقارب والتفاعل الحقيقى وبالتالى، يمكن لهذه السلوكيات أن تعد الشخص ليكون أكثر اكتئابا وأكثر عزلة اجتماعيا على حد سواء.
وتوضح الدراسة أنه فى تلك المرحلة يأتى دور الوراثة، حيث يمكن أن تكون مجموعة الردود السلبية تلك شيئا موروثا، وإذا كان لدى الشخص مثل هذه الميول الوراثية، قد تكون لديه ردود فعل “مبرمجة مسبقا” مجهزة له كاستجابة على شعوره بالوحدة بطريقة من المرجح أن تزيد فعليا من عزلته الاجتماعية وشعوره بالاكتئاب.
كما أكد الباحثون هذه الافتراضات، حيث أظهرت البيانات مؤشرات هامة لوجود ارتباط بين الجينات الوراثية والشعور بالوحدة والعزلة الاجتماعية، والاكتئاب، وخلص الباحثون إلى أنه ليس بالضرورة أن جميع الأشخاص المعزولين اجتماعيا يشعرون بالوحدة، إلا أن الأشخاص الذين جربوا الشعور بالوحدة هم غالبا يعانون من الاكتئاب أيضا، بسبب تأثير هذا العامل الوراثى المتماثل.
وتوضح الدراسة أنه فى حين أن “العامل الوراثى المحدد المسئول عن الوحدة” لم يتم عزله، وقد لا يمكن عزله على الإطلاق، حيث إن الشعور بالوحدة قد ينجم من التقاء عدة جينات وراثية بدلا من عامل واحد فقط، إلا أن النتائج تدعم الدراسات الأخرى التى وجدت أيضا وجود استعداد جينى وراثى للشعور بالوحدة.
وأضاف الدكتور “جاى لينش”، “بغض النظر عما إذا كنا مبرمجين وراثيا للشعور بالوحدة، إلا أن الجانب الإيجابى هو أن القدرة على إخراج أنفسنا من براثن الوحدة يبقى فى أيدينا”.
ويوضح الدكتور “لينش”: “يتطلب القيام بذلك، تصحيح مفاهيمنا السلبية عن علاقاتنا بالآخرين وذلك بافتراض أن الآخرين يهتمون بنا أكثر مما كنا نعتقد، وبافتراضنا أنهم صادقون حتى يثبت العكس، مع اتخاذ خطوات فعالة للوصول للآخرين والتواصل معهم، مهما كان اتخاذ تلك الخطوة محفوفا بالمخاطر من الناحية العاطفية، بالإضافة إلى مراقبة ردود أفعالنا للحد من سلوكنا الدفاعى والعدائى، وبذل جهد أكبر لنكون أكثر بحرارة بشكل علنى وصريح، حتى لو كان من الحكمة عدم القيام بذلك.