مصر أصبحت مركزا إقليميا مهما فى المنطقة لإنتاج الغاز المسال، هكذا جاءت تصريحات الرئيس عبد الفتاح السيسى، الذى أعرب عن سعادته قائلا: خلال مراسم افتتاح عدد من مراكز خدمات المستثمرين: “النهاردة مصر بفضل الله حطت رجلها على إنها تبقى المركز الإقليمى اللى بتحلم بيه، بقالى 4 سنين بحلم بالحكاية دى، إن إحنا نبقى مركز إقليمى للطاقة فى المنطقة، لأن ده له إيجابيات كبيرة جدا جدا”، وأضاف: “أنا عاوز الناس تبقى مطمنة الدولة أتاحت الفرصة لحاجات كتيرة أوى حتى استطاعت أن تصبح مركزا إقليميا”، وأوضح: “إن مصر لديها تسهيلات للتعامل مع الغاز ليست موجودة فى دول كثيرة، ومصر عشان تبقى مركز إقليمى للطاقة محتاجين نعمل تسهيلات فى قبرص وإسرائيل أو لبنان، نحن لدينا قانون ينظم تجارة الغاز بمصر”، واستكمل قائلا: “فى ناس بتقول إزاى يبقى عندك حقل ظهر وهنعلن الاكتفاء الذاتى وفى نفس الوقت هتجيب غاز من مكان تاني، بس لازم تعرفوا أننا بنجيب من مكان تانى بس طبقًا لآليات السوق، وهنشترى بكام، إنتوا عارفين بنشترى إزاى حاجتنا، إحنا جبنا جون يا مصريين فى الموضوع ده”.
كلام الرئيس يكشف بعض الحقائق الغائبة فى قضية الغاز الإسرائيلى على نحو يرد على كل المغرضين فى أعقاب توقيع إحدى الشركات المصرية مع إسرائيل عقدا باستيراد الغاز الخام ثم إعادة تسييله، بما يعنى أن هذه الاتفاقية بين شركة مصرية وشركة إسرائيلية فى مجال الغاز، وهو ما يشير إلى أن العقد ليس بين حكومات بل الموضوع تجارى بحت، على العكس تماما مما نشرته الجزيرة القطرية مدعية أن مصر وقعت اتفاقا مع إسرائيل لتصدير الغاز الإسرائيلى لمصر بقيمة 15 مليار دولار!!، وهو ما يفسر أن اللجان الإخوانية جاءت لها الأوامر من قطر وتركيا بقلب الحقائق، والتشدق بحديث مغلوط حول التشكيك فى إنتاج حقل ظهر، ولذا نسوق للقارئ الكريم الحقائق الغائبة فى هذه القضية على النحو التالى:
أولاً وقبل أى شىء إنتاج حقل ظهر خارج الموضوع تماما وليس ثمة علاقة بالاتفاقية، وذلك حتى لا يشكك أحد فى إنجازات بلدك .
ثانيا: إسرائيل لديها حقل غاز ينتج كميات كبيرة من الغاز الخام، لكنها لا تملك محطات “تسييل غاز” وحتى تتمكن من تصدير الغاز لابد أن يمر بمرحلة من مراحل التحويل فى مصر إلى “غاز مسال”، لذا فقد وقعت اتفاقا مع شركة مصرية لهذا الغرض، ومعروف أن مصر تملك أكثر من محطة لتسييل الغاز، ومن ثم ستقوم الشركة المصرية بتسييل الغاز الإسرائيلى وتصديره لأوروبا، بما يعنى أنها عملية تجارية بحتة لمصر، وهو الأمر الذى يمثل مصدر دخل كبير لنا من العمله الصعبة، بالإضافة إلى ارتفاع أسهم مصر فى مجال تصدير الغاز عالمياً، وفى طيات ذلك تصبح إسرائيل تحت رحمة شركات الغاز مصر التى ستمتلك ورقة ضغط اقتصاديه على إسرائيل متمثلة فى تصدير الغاز، وبالتالى يبدو الأمر أشبه بمصانع التجميع المحلى التى تقوم باستيراد مادة خام وتصنيعها والقيام بتصديرها لتصبح مصدر دخل للبلد .
ثالثا: النقطة الأهم فى هذا الموضوع والتى من المفترض أن تكون قد عرفناها منذ زمن ، إنه لطالما كانت الجزيرة والإخوان تقومان بإطلاق الشائعات فى إطار الجيل الخامس من الحرب، حيث يقومون بالهجوم على أى قرار أو اتفاقيه مصرية مع أى طرف من الأطراف بإيعاز قطرى تركي، نظرا لأن هذا القرار أو تلك الاتفاقيه فيها خير لبلدك، لذلك فهم يتفنون فى قلب الحقيقه حول اتفاقية شراء الغاز الإسرائيلى، فبحسب “الفاينانشيال تايمز” فى موضوعها بعنوانPower shift in the middle east بمعنى: إزاحة القوة فى الشرق الأوسط، فإن الشراء بغرض إسالة الغاز وإعادة تصديره ترتيبا على استغلال البنيه الأساسيه العملاقه لمصر فى مجال إسالة الغاز، ومن ثم تصبح التسمية الحقيقية للاتفاق ليست “مصر تستورد الغاز من إسرائيل”، وإنما “إسرائيل تستأجر البنية التحتية المصرية لتسييل الغاز الإسرائيلى ونقله لعملائها فى أوروبا!.
ولعل السر يكمن فى أن الصحيفة الاقتصادية الأكبر فى العالم تنبأت بانتقال القوه فى الشرق الأوسط إلى مصر بدلا من قطر، فى ضوء قدرات مصر على تصدير الغاز سواء المنتج محليا أو المستورد من دول أخرى منتجه للغاز، وهنا أرجو الانتباه لجوهر الخبر الذى تؤكده تصريحات محمد سعد الدين رئيس جمعية مستثمرى الغاز المصرية، أن الغاز الذى سوف تستورده مصر من إسرائيل بـ 15 مليار دولار سيتم تصنيعه، و”هنكسب 50 مليار دولار من وراء غاز إسرائيل، موضحا أن إسرائيل ليس لديها مصانع لإنتاج الغاز وتصديره لذا تصدره كمادة خام، ونحن نحتاج إلى غاز قبرص وإسرائيل وغيرهما من أجل تصنيعه وتصديره لنصبح مركز تجارة عالمى”.
رابعا: الفيديو الذى قام نتانياهو ببثه منذ أيام معلنا تصدير الغاز لمصر، مع قوله إن اليوم يعتبر بالنسبة له يوم عيد، هو فيديو سياسى بامتياز، فنتانياهو يواجه اتهامات بالفساد قد تصل عقوباتها السجن من خمس إلى سبع سنوات، وفِى محاولة لشغل الرأى العام الإسرائيلى قام ببث هذا الفيديو الخبيث لأجل التشويش على الداخل الإسرائيلى من ناحية ومن ناحية أخرى مغازلة أطراف أخرى بعينها.
خامسا: مصر هى الدولة الوحيدة فى شرق المتوسط التى تملك بنية تحتية لتسييل الغاز، فمصر تمتلك (بشراكة مع شركات أسبانية وإيطالية وإنجليزية) منذ أكثر من 10 سنوات محطتين من أكبر محطات إسالة الغاز فى العالم، وهاتين المحطتين متوقفة منذ أعوام، مع أن تكلفة إنشائهما منذ 15 عاما كانت 3.2 مليار دولار، وقيمتهم الحالية نحو 15 مليار دولار، بالإضافة لخطوط أنابيب كبيرة، والمحطة الأولى هى: الشركة المصرية الأسبانية للغاز بدمياط – سيجاس SEGAS، وتمتلك مصر منها حصة 20% بينما تمتلك شركة “جاز نورتال فينوسا” الأسبانية 80% من قيمة رأسمالها ، فضلا عن أن شركة “إيني” الإيطالية اشترت 50% من شركة فينوسا فأصبحت مساهمة بنصف حصتها فى محطة إسالة دمياط، ما يعنى فى النهاية أننا نمتلك 20% من قيمة المحطة، بينما تمتلك “فينوسا وإيني” مجتمعتين 80% من قيمة المحطة، أما المحطة الثانية: فهى الشركة المصرية لإسالة وتصدير الغاز بمدينة “إدكو” Egyptian LNG، وتمتلك منها الشركة المصرية القابضة للغازات الطبيعية نسبة 12%، وتمتلك الهيئة المصرية العامة للبترول نسبة 12%، بينما تمتلك بريتش جاس 35.5%، و بتروناس 35.5% (اشترت بريتش جاس هذه الحصة(، وجاز دى فرانس 5%، بما يعنى أن شركة BP تمتلك 71% من قيمة رأسمال المحطة.
ومن الحقائق المهمة فى هذا السياق، أن الشريك الأسبانى لحقل غاز “تمارا” الإسرائيلى اشترى خمس إجمالى إنتاج الحقل من الغاز الإسرائيل بصفقة قيمتها 15 مليار دولار على 10 سنوات عن طريق شركتى “ديليك جروب المحدودة وشركة نوبل إينيرجى المحدودة” فى تكساس ( وهما شركتين من شركات “الأوف شور” يعملان فى حقلى الغاز الإسرائيلى تمارا وليفياثان ) ، ووقعا عقدا مع شركة “دولفينوس” المصرية لتقوم باستقبال الغاز الإسرائيلى عبر خطوط الأنابيب المصرية البحرية الموجودة بالفعل من أيام عصر مبارك، وشركة “دولفينوس” ستقوم بالاستيراد وسيتم تحويله فى محطة الغاز المسال فى “دمياط وإدكو” إلى غاز مسال ليتم تصديره لأوروبا، أى أن العقود الموقعة ليست بين حكومتى مصر وإسرائيل، بل بين شركة “نوبل إينيرجي” الأمريكية (وشركائها الإسرائيليين) و شركة “دولفينوس هولدنج” المصرية.
سادسا: مصر ليست بحاجة لاستيراد غاز للسوق المحلى كما جرى التشويش من جانب العناصر الإخوانية بدعم قطرى تركي، وذلك لأن مصر أصبحت مركز اقليمى للطاقة باعتراف إسرائيل وأوروبا والعالم كله، حسب كلام “وكالة بلومبيرج، ووكالة ستراتفورد، وفوربس، والفايننشال تايمز ، والأيكونوميست”، والذين أكدوا أن مصر أصبحت مركز لتداول وتسويق وتوزيع الغاز الطبيعى المسال فى شرق المتوسط Mediterranean Energy Hub، فضلا عن أننا ستكتفى ذاتيا من احتياجاتنا فى 2018، بعد بدء إنتاج حقول “ظهر و نورس و أتول” أما الغاز الإسرائيلى فسيتم تسييله وتصديره مرة ثانية لمن يريد من الدول الأوروبية، وفى هذا الإطار أيضا ستسورد مصر أيضا “الغاز القبرصى اليونانى اللبناني” لتسييله وإعادة تصديره للخارج، وهنا يبرز سؤال منطقي: ما هى الفائدة التى تعود على مصر من تسييل الغاز طالما يمكن تصديره خام؟
والإجابة: أن الغاز المسال ثمنه أغلى بكثير من الغاز الخام، ومصانع مصر لتسييل الغاز تجذب الزبائن من كل مكان ، ومن يريد تسييل الغاز يدفع مقابل تسييله ، وللعلم فإنه فى السنوات القليلة الماضية تم الإعلان عن اكتشافات ضخمة للغاز فى إسرائيل وقبرص واليونان والسعودية ودول الخليج (وأيضا فى مصر)، ومعظم هذه الدول لا تمتلك مصانع إسالة كافية لأنها مكلفة جدا، لذلك ستقوم الشركات المصرية باستيراد الغاز منهم ليتم إسالته فى “دمياط وإدكو” ثم تتولى الشركات المصرية تصديره للخارج، نقطة مهمة وجديرة بالذكر فى هذا الصدد: بعد إقرار قانون تنظيم الغاز الطبيعى فتحت مصر سوق الغاز على مصراعيه، بحيث أصبح من حق شركات القطاع الخاص استيراد الغاز من أى طرف من الخارج لاستخدامه فى مشروعاتها الخاصة مقابل دفع رسوم مرور هذا الغاز فى الشبكة المصرية، غير إن مصر ستكسب أيضا من هذه الصفقة، ليس فقط باعتبارها دولة المعبر، ولكن نتيجة تشغيل محطات الغاز المسال التى أنشأتها نفس الشركة الأسبانية (الشريك الأجنبى لإسرائيل فى حقل تمارا(، ونقطة أخرى جوهرية أيضا، وهى : بموجب هذا التعاقد ستتنازل إسرائيل عن 1.7 مليار دولار قيمة الغرامة على مصر مضاف اليها 300 مليون دولار رسوم تحكيم ورسوم قضية ، مقابل أن تحصل مصر على الغاز الطبيعى خام من اسرائيل وتعيد إسالته وتصدره تانى كغاز مسال لأوروبا بجدوى اقتصادية مضاعفة ، وبهذا تضرب مصر عصفورين بحجر واحد ، فهى من ناحية تحقق مكسبا كبيرا من رسوم مرور الغاز، فضلا عن مكاسبها جراء إسالته وإعادة تصديره لأوروبا، ومن ناحية أخرى تخفف عبىء سداد حوالى 2 مليار دولار غرامات بحكم تحكيم دولى .
سابعا : قصة أن اسرائيل ستكسب 15 مليار دولار من القطاع الخاص المصرى ، فهذا يعد كلاما فارغا وتسييسا للاتفاقية و”شغل شعبوي” فحتى لو صدر من رئيس الوزراء الاسرائيلي، وهو ليس جديد عليه وهم أذكياء فى استغلال الأحداث على هذا النحو ، فلو أن اسرائيل ستكسب من هذا الموضوع قيراطا فنحن سنكسب 24 قيراط ، لأنهم باختصار مستأجرين ونحن مالكين، ولنا اليد الطولى فى هذا السوق، وفوق هذا كله مصر أصبحت “ماسكة حنفية الغاز اللى رايح لأوروبا” ، الأمر الذى بدد أحلام قطر فى احتكار تصدير الغاز لأوروبا ، ومن ثم يبدو طبيعيا أن تستفز هذه الاتفاقية قطر وتركيا وتجعل وسائل إعلامهما تستهدفنا ، لأن الأمر لم يصبح مجرد خلافات سياسية ، وإنما نزاع على مصالح اقتصادية تركية وقطرية فى سوق الغاز وانتقاص من مكانتهم وحصصهم، وبالتالى هو عيد لمصر وليس لإسرائيل على حد قول رئيس وزرائها نتانياهو .
إذن القصة ياسادة تكمن فى التلاعب بالتسميات والعناوين، فى حين أن الأمر كله لايعدو كونه مجرد “استئجار” لمصانعنا مقابل رسوم ، وليس “استيراد” بالمعنى الدقيق للمصطلح الذى يحاول أعداؤنا تسويقه لضعاف النفوس من المصريين.