آراء أخرى

الحوار فى المكان والنقاش من أجل المستقبل

أكرم القصاص...

المشى فى المكان معروف، لكن عالم منصات التواصل خلق ما يمكن تسميته الحوار فى المكان يخاطب الشخص نفسه وجمهوره ومصفقيه انتظارا للتصفيق، وهى طريقة سهلة ومريحة، لكنها غير منتجة، وربما تكون مهمة السياسى هى تقديم وجهة نظر مقنعة بأن لديه ما يقدمه، وتقنع جمهوره بأنه قادر على الطرح والتفاعل مع ما يجرى، واستيعاب التحولات وتقديم حلول وليس فقط البقاء عند نقطة تقرير واقع أو تسويق صورة رد فعل فقط. 
وفيما يتعلق بحالة مصر اقتصاديا وسياسيا لها خصوصيتها وتفاصيلها الحاضرة ضمن تحولات شهدتها الدولة والعالم على مدى 12 عاما شهدت تحولات كثيرة فى السياسة والاقتصاد وثورات التكنولوجيا والاتصال، وانعكاسات اقتصادية وسياسية، محليا وإقليميا.
الواقع قبل 12 عاما يختلف عما هو الآن، ربما الأجيال التى كانت فى بداية شبابها بعد يناير، انتقلت إلى مرحلة أخرى، والطفل وقتها أصبح شابا، وبالتالى هناك ضرورة للاستفادة من تجارب سنوات جرت فيها تحولات كثيرة محليا وإقليميا ودوليا، وهناك أجيال كبرت ونضجت خلال هذه الفترة، بما أضيف لخبراتهم وحياتهم العملية، بينما بقى بعض هؤلاء عند نفس النقطة، يطرحون نفس الخطاب ونفس المصطلحات والشعارات فى زحام يصعب فيه على المستخدم العادى التفرقة بين الجاد والهازل أو بين الحقيقى والمزيف.
مواقع التواصل كانت موجودة ولها تأثير، بعد يناير، لكنها لم تكن بهذا التزاحم، بجانب أن أجواء افتراضية ساهمت فى إنتاج حالة تشويش بالغة انتهت إلى فراغات وصراعات، كادت تطيح بالواقع مثلما جرى فى دول حولنا إلى طرق الضياع.
 الآن لا تزال مواقع التواصل ومنصات النشر تستقطب عشرات الملايين ينخرطون فى مناقشات كاملة أو ناقصة، فى عصر يصنع نجوما ويحرقهم ليظهر غيرهم، وهى ظاهرة لا تقتصر على السياسة لكنها تشيع أكثر فى الفن والرياضة والطب والطبخ والنميمة، والمنتجات الفردية لملايين البشر تختلط وتنتشر بترتيب أو من دون لتمثل وجبات دائمة على منصات تبث طوال الوقت.
ومن أبرز صفات العالم الافتراضى التبسيط، والتلخيص فى كل القضايا، وهو ما لا يسمح بالاستيعاب أو التفهم، وينتهى إلى تصفيق أو رفض ثم «بلوك» حتى بين من ينادون بالحوار والحريات، ويكفى أن ننظر إلى قطاعات من متعاطى السياسة الذين ظهروا واشتهروا على مواقع التواصل أو بفضلها فى مراحل الزحام ومولد العمل العام، أغلبهم يعجز عن جذب عشرات فى الواقع ويمارس رأيه وجذبه، فى مونولوج على صفحاته الاجتماعية بعيدا عن الواقع، ويظن أنه صاحب تأثير، بل إن هناك مفارقات لسياسيين ظهروا فى العالم الافتراضى، وأعلنوا فشلهم فى الافتراض، وهم لم يغادروا حساباتهم وجمهورهم الذى لا يعرفهم ولا يعرفونه.  
مصر دولة كبيرة تضم تنوعا واسعا لديها تجربتها المتراكمة على مدى سنوات، لديها واقع سياسى واقتصادى واجتماعى، وهناك اختلاف بين الواقع، وبين جدل افتراضى، توجهه منصات هنا أو هناك، أو تصنعه تريندات وحملات افتراضية، واستطلاعات رأى مثيرة للفكاهة أكثر من التفكير.
وقد كان الحوار الوطنى كاشفا عن الفرق بين من يشارك بحثا عن تصفيق، وبين من جاء بجدية وأفكار، وكون الحوار يأتى بناء على معطيات محلية، بناء على ظروف سكانية وأمنية واجتماعية واقتصادية، ومحلية وإقليمية، يفترض التعرف عليها والتفاعل معها.  
بعض من يقدمون أنفسهم فى لقيادة العمل السياسى، لا يقدمون رؤية، وإنما مجرد رد فعل أو شرح على هامش الواقع، لا يقولون ماذا سنفعل لكن فقط مجرد انعكاس باهت لمنصات الخصوم والعداء، يفتقدون إلى التواضع أمام تعقيدات الواقع السياسى والاقتصادى، بل إنهم لا يبذلون جهدا فى قراءة والتعلم من خبرات سنوات قريبة.
وإذا كان من حق الشخص العادى أن يطرح قناعاته، كما يريد، حتى لو وقع فى أخطاء، فإن على السياسى ومن يقدم نفسه شريكا أو متفاعلا أن يكون أقدر على طرح رؤية متماسكة تتجاوز بوستات البغبغة، وتقدم معالجات مختلفة لما ينتقده، فالسياسى يفترض أن يقدم أملا يتجاوز البقاء فى مساحات سوداء، ومصر تنتقل إلى مرحلة تتطلب هؤلاء الذين يسعون للتفاعل، ويثقون فى أنفسهم وفى غيرهم، للتحرك نحو المستقبل، بحثا عن مستقبل أفضل، وليس بحثا عن تصفيق.
زر الذهاب إلى الأعلى