اتجه كثير من الباحثين المعاصرين إلى تحليل الشائعات وأثرها فى المجتمع، سواء كانت الشائعة مُوظّفة لأغراض قائلها ومُطْلِقها ومُتداولها، أو كانت بلا باعث على ذلك.
فنتج عن دراستهم أنّ للشائعات أثرًا كبيرًا فى تكوين الرأى العام والدعاية السياسية وحتى الحرب النفسية بناءً على استقراء سيكولوجية الجماهير؛ لأنّ الشائعة معناها ومفهومها تتلخص فى إضفاء معنى معيّن حول قضيّة ما؛ لكى يؤمن به من يسمعه، دون معايير للتصديق، كما أنّها لا تحتاج إلى الدليل والبرهان الذى يعرفه المناطقة.
وتتنوع أشكال الشائعات فهناك شائعات تتعلّق بالجانب الاجتماعى للإنسان وأخرى بالجانب السياسى وثالثة تتعلق بالجانب العسكرى والأمنى، ورابعة تتعلق بالجانب العلمى والمعرفى.. إلخ. وكلّ هذه الجوانب تتعلّق بحياة الإنسان ونظرته للكون والحياة وتفاعله معه بشكل يومى، فتؤثر الشائعة على نظرة الإنسان للمجتمع، وسياسته، وأمنه، والمعارف المطروحة، وكيفية تفاعله معها.
والخطر فى توظيف الشائعة على نحو ما يجعلها تزعزع القناعات الفكرية والثوابت الإيمانية والعقدية والمقومات الأخلاقية وحتى الشرائع والقوانين، ولذلك حرّم الله سبحانه وتعالى تداول الشائعة التى من شأنها شيوع المفاهيم المغلوطة مما يُحدث ما يمكن أن نُسمّيه ردّة اجتماعية، كما أخبر الله فى القرآن: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِى الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِى الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ} [النور: 19].
ولقد حدثت حادثة تلفيق لاتهام شخص فى عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، حاول فيها بعض الناس إلصاق التهمة بهذا الشخص كى ينجو هو من مغبّة العقاب، يقول الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا} [النساء: 107].
فيروى جمهور المفسرين فى سبب نزول الآية الكريمة، أنّ إخوة ثلاثة يقال لهم: بشر وبشير ومبشر، أبناء طعمة بن أبيرق، وهم من بنى ظفر من أهل المدينة، وكان بشير شرهم، وكان منافقا يهجو المسلمين بشعر يشيعه وينسبه إلى غيره، وكان هؤلاء الإخوة فى فاقة واحتياج، وكانوا جيرة لرفاعة بن زيد، وكانت عيرٌ قد أقبلت من الشام بدرمك – وهو دقيق أبيض – فاشترى منها رفاعة بن زيد حملا من درمك لطعامه، وكان أهل المدينة يأكلون دقيق الشعير، فإذا جاء الدرمك ابتاع منه سيد المنزل شيئا لطعامه فجعل الدرمك فى مشربة له وفيها سلاح، فعدى بنو أبيرق عليه فنقبوا مشربته وسرقوا الدقيق والسلاح، فلما أصبح رفاعة ووجد مشربته قد سرقت أخبر ابن أخيه قتادة بن النعمان بذلك، فجعل يتحسس، فأنبئ بأن بنى أبيرق استوقدوا فى تلك الليلة نارا، ولعله على بعض طعام رفاعة، فلما افتضح بنو أبيرق طرحوا المسروق فى دار أبى مليل الأنصارى، وجاء بعض بنى ظفر إلى النبى صلى الله عليه وسلم، فاشتكوا إليه أن رفاعة وابن أخيه اتهما بالسرقة أهل بيت إيمان وصلاح، قال قتادة: فأتيت رسول الله، فقال لى: «عمدت إلى أهل بيت إسلام وصلاح فرميتهم بالسرقة على غير بينة»، وأشاعوا فى الناس أن المسروق فى دار أبى مليل أو دار اليهودى.
فما لبث أن نزلت هذه الآية، وأَطْلع الله رسوله على جلية الأمر، معجزة له، حتى لا يطمع أحد فى أن يروج على الرسول باطلا.
ولذلك وضع الله سبحانه وتعالى معيارًا يمكن أن نتخذه سبيلا واضحا لتجنّب الوقوع فى مغبّة الشائعة، فقال الله تعالى: {وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِى الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ} [النساء: 83] وهذا المعيار هو «ردّ الأمر إلى أهله» أى: إرجاعه إلى أهل الاختصاص، سواء تعلّق الأمر «الشائعة» بالدينى أو السياسى أو الاجتماعى أو الاقتصادى أو الأمنى.