مرت اليوم 3 سنوات على قرار تحرير سعر صرف الجنيه المصري الذي أصدره البنك المركزي في الثالث من نوفمبر 2016، والذي اعتبر على نطاق واسع أكبر صدمة تعرض لها الاقتصاد المصري منذ فترة طويلة.
وارتفع فور سعر الدولار الأمريكي في السوق المصرية، فور الإعلان عن تحرير سعر صرف الجنيه، من أقل من تسعة جنيهات (كان يتجاوز في السوق غير الرسمية 10 جنيهات) إلى 13 جنيه، ليتوالى الارتفاع بشكل مضطرد حتى اقترب من 20 جنيها.
ارتفاع سعر الدولار في بلد تعتمد فيه مدخلات الإنتاج على الاستيراد، دفع معدلات التضخم إلى مستويات لم تشهدها مصر من قبل، حيث تجاوزت معدلات التضخم 25 بالمئة في أعقاب تحرير سعر الصرف، ووصلت ذروتها في 2017 لتتجاوز 30 بالمئة.
وقد ساهم في ارتفاع معدلات التضخم تطبيق ضريبة القيمة مضافة قبل شهرين من تحرير سعر الصرف، وهو ما جعل ارتفاع أسعار السلع والخدمات لا يقتصر على المستورد فقط بل شهد السوق المصري ارتفاعا في جماعيا في الأسعار لم يستثن أيا من السلع أو الخدمات، خاصة مع رفع أسعار الوقود في نفس يوم تحرير سعر الصرف، وكذلك رفع أسعار الكهرباء والمياه والغاز الطبيعي.
وحاول البنك المركزي المصري امتصاص بعض آثار الصدمة عبر رفع أسعار الفائدة في البنوك لتبلغ 20 بالمئة، وهو ما أسهم جزئيا في امتصاص بعض السيولة من الأسواق ولكنه لم يكن كافيا لكبح التضخم، والذي وصل إلى حد تضاعف أسعار السلع المستوردة بالكامل مثل السيارات والأدوية المستورة والأجهزة الكهربائية.
آثار الصدمة التي وصلت لذروتها عام 2017 أخذت في التراجع تدريجيا منذ 2018، فسعر الصرف بدأ في الاستقرار عند أقل من 18 جنيها للدولار خلال عام 2018، ليبدأ في التراجع منذ مطلع 2019، ليصل إلى حوالي 16 جنيه للدولار حاليا.
ومعدلات التضخم التي تجاوزت 30 بالمئة في 2017 بدأت في التراجع لتصل لأقل من 8 في المائة حاليا. وهو ما جعل قرار خفض سعر الفائدة ممكنا لتصل من 20 في المائة إلى 14.25 بالمئة حاليا مع توقع انخفاضات جديدة قريبا.
ولكن بعض التكاليف كانت باهظة رغم امتصاص الصدمة، فخلال سنوات تحرير سعر الصرف ارتفعت نسبة الفقر في مصر من 27.8 بالمئة إلى 32.5 بالمئة، كما ارتفع الدين الخارجي إلى 108 مليارات دولار ليبلغ 36 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي.
وعلى الرغم من آثار صدمة تحرير سعر الصرف إلا أن القرار اعتبر ضروريا وقتها لإنقاذ الاقتصاد المصري الذي عانى من تباطؤ النمو ودخل في أزمة عنيفة، حتى وإن لم ينج القرار من بعض النقد.
وتؤكد عالية المهدي، أستاذة الاقتصاد في جامعة القاهرة، لوكالة “سبوتنيك”، أنه “برغم كل آثار القرار إلا أنه كان ضروريا فهناك سلبيات شابت القرار، مثل التصريحات المتناقضة لمحافظ البنك المركزي التي أدت للمضاربات على العملة، فارتفع الدولار إلى 20 جنيها بعد التعويم، في حين كان من الممكن السيطرة على سعره بحيث يتراوح ما بين 14 و15 جنيها للدولار، وأتصور أن إدارة القرار بحكمة أكثر كانت ستجنبنا بعض الآثار السلبية”.
وتضيف المهدي “على الرغم من ذلك نرى اليوم تراجع الآثار السلبية لتعويم الجنيه، فالتضخم تراجع بشكل ملحوظ، وسعر الصرف يتجه للاعتدال وأظن أنه سيستقر بين 14 و15 جنيها للدولار، ومعدلات النمو عادت للصعود لتتجاوز 5.5 بالمئة، كما تراجعت الفائدة بما يحفز الاستثمارات. ولكن تبقى معدلات الفقر التي نتجت عن حزمة السياسات التقشفية وفي مقدمتها تحرير سعر الصرف، كذلك ارتفاع الدين الخارجي إلى مستويات غير مسبوقة، ولكن نأمل أن تبدأ تلك المؤشرات في التحسن في الفترة المقبلة”.
كان قرار تحرير سعر الصرف نقطة تحول في الاقتصاد المصري قبل ثلاث سنوات، ورغم أن الكثير من النتائج التي ترتبت عليه بدأت في التغير في العام الأخير، إلا أن المجتمع المصري لم يعد أبدا كما كان قبل الثالث من تشرين الثاني/نوفمبر 2016.