أخبار عربية و إقليمية

السعودية توسع نطاق استراتيجية مناهضة إيران فيما وراء الشرق الأوسط

تعمل السعودية فى عهد الملك سلمان بن عبد العزيز على توسيع نطاق مواجهتها مع إيران فيما يتجاوز حدود منطقة الشرق الأوسط دون أن تعتمد اعتمادا كبيرا على حلفائها فى الغرب فى قمع طموحات طهران خارج العالم العربى.

ومنذ تولى سلمان الحكم فى أوائل العام الماضى توصلت طهران إلى اتفاق نووى مع القوى العالمية وعدلت الرياض من استراتيجيتها فى التصدى لجهود إيران الشيعية لإيجاد مناطق نفوذ فى أفريقيا وآسيا بل وفى أمريكا اللاتينية.

ومن أبرز مظاهر هذه الاستراتيجية أن السعودية استخدمت شبكات إسلامية فى دفع الدول لقطع اتصالاتها مع إيران بما فى ذلك إنشاء تحالف إسلامى ضد الإرهاب دون دعوة طهران للمشاركة فيه.

وقال وزير الخارجية السعودى عادل الجبير فى مؤتمر صحفى مؤخرا إن إيران هى التى عزلت نفسها بتأييدها للإرهاب وإن هذا هو السبب فى ردود الفعل من الدول الأخرى خاصة فى العام الإسلامى.

وتنفى طهران دعمها للإرهاب وتشير إلى سجلها فى محاربة تنظيم الدولة الإسلامية من خلال دعم الفصائل الشيعية فى العراق والرئيس بشار الأسد فى سوريا.

وتشعر الرياض بالانزعاج لدعم طهران لجماعة حزب الله الشيعية فى لبنان وقد قطعت مساعداتها العسكرية للحكومة اللبنانية بعد أن مرت اعتداءات على البعثات الدبلوماسية السعودية فى إيران دون أن تصدر إدانة لها.

وبالمثل شنت القوات السعودية حربا على الحوثيين المتحالفين مع إيران فى اليمن.

لكن هذا كله جزء من مساعيها القديمة دبلوماسيا واقتصاديا وعسكريا لاحتواء ما ترى أنه توسع للنشاط الإيرانى فى الدول العربية ينذر بعواقب وخيمة. وهى تحاول الآن تنظيم الدعم فى مناطق أخرى بما فى ذلك دول مثل باكستان وماليزيا عبر تأسيس تحالف محاربة الإرهاب فى نوفمبر تشرين الثانى الماضى.

وقال مهران كمرافا الأستاذ بجامعة جورج تاون – قطر “بأشكال عديدة بدأت أبعاد التنافس بين إيران والسعودية تتجاوز الشرق الأوسط. هذا تطور له مغزاه ولم يكن الحال هكذا من الناحية التاريخية.”

* انتهاء النظام القديم

تمثل هذه الاستراتيجية ردا جزئيا على تنفيذ الاتفاق النووى فى يناير كانون الثانى. وتخشى الرياض أن يتيح ذلك لطهران مجالا أكبر لتعزيز مصالحها على المستوى الدولى بإعفائها من كثير من العقوبات التى عرقلت اقتصادها.

وبعد أن أصبحت الولايات المتحدة نفسها تردد أن بوسع البنوك الغربية إبرام التعاملات المشروعة مع إيران يعتقد السعوديون أن واشنطن حليفهم الرئيسى فى الغرب بدأ ينسلخ تدريجيا عن المنطقة.

وقال دبلوماسى رفيع فى الرياض “هم يفهمون أن النظام الدولى القديم قد أصبح ميتا وعليهم أن يتولوا المسؤولية.”

لكن هذه الاستراتيجية يحفزها أيضا – على حد قول مصطفى العانى الخبير الأمنى العراقى الذى تربطه صلات وثيقة بوزارة الداخلية السعودية – اعتقاد الملك سلمان أن النفوذ الإيرانى لم يكبر إلا لأن أحد لم يتصد له.

ويأتى تحالف محاربة الإرهاب فى هذا السياق. فعندما التقى رؤساء الأركان من 34 دولة إسلامية بعد مناورة عسكرية مشتركة فى أواخر مارس آذار أظهر رسم كاريكاتورى فى صحيفة الشرق الأوسط اليومية طائرة قاذفة وهى تلقى على إيران بمنشورات عليها علامة ممنوع الدخول.

وعندما أعلنت الرياض عن هذا التحالف فى البداية تسبب فى بعض البلبلة بخصوص مجاله وعضويته لكنه الآن يتحرك للأمام ومن المحتمل إضفاء الصفة الرسمية على إقامة “مركز للتنسيق” خلال شهر رمضان.

وقال العميد أحمد العسيرى بالقوات المسلحة السعودية إن الخطوة التالية هى اجتماع وزراء الدفاع ربما خلال رمضان أيضا إلى جانب الإعداد لمركز التنسيق فى الرياض.

وأضاف أن هذا المركز سيعمل به موظفون دائمون من كل دولة مشاركة وسيكون بمثابة المحفل الذى تطلب فيه كل دولة إما المساعدة فى التعامل مع التطرف أو تقدم من خلاله الدعم العسكرى والأمنى وخلافه.

* حمل اللواء

ورغم أن هذا التحالف ليس الهدف منه صراحة التصدى لإيران فهو لم يضم فى عضويته طهران ولا حكومة العراق المتحالفة معها. كذلك يهدف التحالف إلى التصدى لتعليقات فى بعض وسائل الإعلام الغربية تردد أن السعودية تؤيد تطرف الجهاديين فى بعض المستويات فى الوقت الذى تعمل فيه إيران وحلفاؤها من الشيعة على محاربة تنظيم الدولة الإسلامية.

وقال العانى “الغرض من هذا التحالف الجديد فى الأساس هو حشد التأييد الإسلامى على المستوى العالمى للسعودية كى تقود الحرب على الإرهاب وتأخذ الراية من إيران.”

أما ما إذا كان أعضاء التحالف يرون الأمر على هذا النحو فمسألة أخرى.

وقد أشاد محمد نفيس زكريا المتحدث باسم وزارة الخارجية الباكستانية بالرياض لإنشاء هذا التحالف وقال إن إسلام أباد مستعدة لتبادل الخبرات.

لكنه قال أيضا إن الترتيبات ستستغرق وقتا وإن باكستان تسعى لتحقيق الأخوة بين الدول الإسلامية ومن ثم يقلقها تصعيد التوتر بين السعودية وإيران.

وبخلاف مبادرة التحالف تحاول الرياض الفوز بدعم الهند وتشجيعها على عزل إيران. وقد حققت حتى الآن نتائج متباينة فى هذا المجال. فبعد أن زار رئيس الوزراء الهندى ناريندرا مودى البلدين الشهر الماضى زادت مبيعات الطاقة السعودية للهند لكن نيودلهى وافقت على إنشاء ميناء فى إيران.

وقال محلل سعودى يقوم فى بعض الأحيان بمهام دبلوماسية لحساب الحكومة إن استضافة الرياض لقمة دول أمريكا الجنوبية وجامعة الدول العربية فى العام الماضى كان من أهدافها أيضا صد النفوذ الإيرانى.

وزار الرئيس الإيرانى السابق محمود أحمدى نجاد فنزويلا ونيكاراجوا وكوبا والإكوادور عام 2012 طلبا للدعم الدبلوماسى من هذه الدول اليسارية دون تحقيق نجاح يذكر.

* الصدع الإفريقي

واقتدت بعض الدول الأفريقية بدول كثيرة من أعضاء الجامعة العربية فى الشهور الأخيرة فقطعت العلاقات الدبلوماسية مع إيران فى أعقاب اقتحام سفارة الرياض فى طهران ردا على إعدام السعودية رجل دين شيعى فى يناير كانون الثانى.

ويوم الاثنين ظهر الرئيس الزامبى فى الرياض فى زيارة رسمية فى أعقاب إدلائه بتصريحات مناهضة لإيران.

كانت إيران قد خصصت أموالا للسعى للفوز بأصدقاء فى مختلف أنحاء أفريقيا فاستثمرت فى صناعات محلية وأنفقت على نشر المذهب الشيعى فى الدول الإسلامية. وبدا أن الهدف الإيرانى فاز بدعم أوسع فى الأمم المتحدة باللعب على مناهضة الامبريالية.

وليست القوة الناعمة وحدها المعرضة للخطر. ففى عام 2012 رست سفينتان حربيتان إيرانيتان فى ميناء بور سودان فى أعقاب سنوات من العلاقات الوثيقة بين الخرطوم وطهران.

ومنذ ذلك الحين استثمرت الرياض حوالى 11 مليار دولار فى السودان وتجاهلت الأمر الدولى بالقبض على الرئيس عمر البشير فسمحت له بزيارة المملكة. وفى يناير كانون الثانى قطعت الخرطوم علاقاتها مع طهران.

وفعلت جيبوتى والصومال الشيء نفسه. وأظهرت وثيقة اطلعت عليها رويترز فى يناير كانون الثانى أن مقديشو تلقت مساعدات قيمتها 50 مليون دولار قبل صدور القرار. لكن جيبوتى نفت فى فبراير شباط أن قطع العلاقات كان حافزه ماليا واتهمت طهران بنشر التوترات الطائفية فى القارة الأفريقية.

وعموما فإن الرياض تعتقد أن هذا النهج يحقق نجاحا. وقال ولى ولى العهد السعودى الأمير محمد بن سلمان الشهر الماضى إن السياسة التوسعية الإيرانية توقفت تقريبا.

لكن كمرافا الأستاذ بجامعة جورج تاون – قطر قال إن من السابق لأوانه إعلان الفائزين والخاسرين.

وقال “فى العلاقات الدولية يمكنك أن تستأجر الأصدقاء لكن لا يمكنك شراؤهم. وبالنسبة للسعودية فإن فعالية هذه السياسة فى المدى البعيد مشكوك فيها لأن هذه التحالفات قائمة على علاقات تكتيكية أو تجارية محضة.”

زر الذهاب إلى الأعلى