منذ عقدين من الزمن، وقف رجل أمام تجمع شعبي كبير في اسطنبول وألقى بعض الأبيات الشعرية. بعد فترة قصيرة ألقي القبض عليه ثم أرسِل إلى السجن لإثارته الكراهية الدينية. اليوم، يرأس الرجل نفسه حكومة تسجن الشعراء والكتّاب والصحافيين على نطاق واسع جداً. هكذا استهلت الصحافية جوانا هونغ مقالها في مجلة “نيوزويك” الأمريكية مشيرة إلى أنّ تركيا في عهد رجب طيب أردوغان أصبحت أكبر سجّان للصحافيين الذين يقبع من بينهم 150 شخصاً داخل السجون التركية منذ محاولة الانقلاب في يوليو 2016.
وذكرت هونغ، منسقة حملة الحرية للإعلام التركي التي تديرها منظمات مثل العفو الدولية ومراسلون بلا حدود وغيرها، أنّ اتهامات مرتبطة بالإرهاب وُجهت إلى الصحافيين بسبب مقالات كتبوها أو نشروها على وسائل التواصل الاجتماعي أو بسبب آراء عبروا عنها. وحُكم على كثر مثل أحمد ألتان بالسجن مدى الحياة. تم إغلاق أكثر من 180 وسيلة إعلامية فيما خسر 2500 صحافي وموظف في القطاع الإعلامي عملهم. لهذا السبب، ومن دون مفاجأة، وضع المؤشر العالمي لحرية الصحافة هذه السنة تركيا في المرتبة 157 من أصل 180 حيث توسطت رواندا وكازاخستان. يقبع ثلث جميع الصحافيين المسجونين حول العالم في السجون التركية.
الضربة الأخيرة لما تبقى من حرية الصحافة
خلال الأسبوع الماضي، كتبت مقررة الشؤون التركية في البرلمان الأوروبي كاتي بيري أنّ صحيفة حرييت وُضعت تحت إدارة جديدة وقد استقال عدد من صحافييها أو تم الاستغناء عنهم أو سجنهم. ووصفت هذا الأمر بأنّه “الضربة الأخيرة لما تبقى من حرية الصحافة في تركيا”، بعدما استولى عليها قوميون متطرفون متحالفون مع أردوغان. لكن ليس الصحافيون الأتراك من يتم استهدافهم فقط. يوم الثلاثاء الماضي، تم توقيف الصحافي والطالب النمسوي ماكس زيرنغاست في أنقرة بسبب اتهامه بالانتماء إلى منظمة إرهابية. وأمضى صحافي “دي فيلت” دنيس يوسيل أكثر من سنة في سجن تركي بعد اتهامه بنشر البروباغندا وحُكم على مراسلة صحيفة “وول ستريت جورنال” أيلا البيرق بالسجن لأكثر من سنتين لاتهامها بالانخراط في دعاية سياسية للإرهابيين.
فرصة أردوغان للكتابة في الصحافة الغربية
على الرغم من كل ذلك، لا تزال التغطية الإعلامية لما يواجهه الصحافيون في تركيا ضمن حدودها الدنيا كما كان التضامن الدولي مع الزملاء الصحافيين في تركيا بطيء البناء. في بيئة تسيطر عليها الأخبار العاجلة، من السهل معرفة لماذا تواجه التغطية الإعلامية للقمع الذي يتعرض له الصحافيون الأتراك معاناة كبيرة. لكن فشل الإعلام العالمي في تغطية القمع التركي قابلته إرادة لتقديم منصة غير نقدية للرجل الذي هندس عملية التضييق على الصحافيين. في الذكرى السنوية الأولى على محاولة الانقلاب، أعطيت مساحة للرئيس أردوغان لكتابة مقال رأي في “الغارديان” حيث ادعى أنّ تركيا “تدافع عن قيم الديموقراطية”. والشهر الماضي، أفسحت صحيفة “نيويورك تايمز” مجالاً لأردوغان كي يكتب أنّ “الشر لا يزال يتربص” في أنحاء هذا العالم، وكذلك فعلت صحيفة “وول ستريت جورنال”.
طرفة متداولة في تركيا
حين يواجه الصحافيون أوقاتاً مظلمة، عليهم أن يقفوا معاً ويظهروا التضامن مع زملائهم المسجونين. من المهم لهم إدراك أنّهم لا يعملون منعزلين عن بعضهم البعض والتذكير بأنّ الصحافة الحرة حيوية من أجل مجتمع صحي. هنالك طرفة يتم تناقلها في تركيا عن أنّ سجيناً ذهب إلى مكتبة السجن بحثاً عن كتاب، فقال له موظّف المكتبة: “آسف ليس لدينا هذا الكتاب. لكن لدينا مؤلفه”. بالرغم من أنّ هذا المزاح قد يكون مأسوياً، واقع أنّ الأتراك لا يزالون قادرين على تبادل النكات هو تذكير بأنّه إذا كان يمكن سجن الصحافيين فإنّه لا يمكن فعل ذلك مع الأفكار.
“أتمتع بالسحر”
عشية محاكمته التي قضت بسجنه مدى الحياة، كتب الصحافي والروائي التركي البارز أحمد ألتان من داخل زنزانته كيف تساعده مخيّلته على تحمل الصعاب: “أنا كاتب. أنا لست في المكان الذي أنا فيه ولا في المكان الذي لست فيه. تستطيعون سجني لكن لا تستطيعون إبقائي في السجن. لأنني، مثل باقي الكتّاب، أتمتع بالسحر. أستطيع المرور عبر الجدران بسهولة”.