أعلنت إدارة ترامب يوم الاثنين إعادة فرض العقوبات الاقتصادية ضد طهران بعد انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الإيراني، وسارعت إيران إلى التهديد برد محتمل.
ويلفت الصحافي أليكس لوكي، في تقرير نشره موقع “بيزنس إنسايدر” الأمريكي، أن الولايات المتحدة (بدءاً من اليوم الثلاثاء) تبدأ فرض عقوبات على البنك المركزي الإيراني، في رسالة واضحة إلى حلفاء الولايات المتحدة الأوروبيين مفادها أن عليهم الاختيار بين القيام بأعمال التجارية مع الولايات المتحدة أو مع إيران، ولكن ليس مع كليهما معاً.
انهيار العملة الإيرانية
وتعتزم الولايات المتحدة فرض عقوبات أخرى في نوفمبر المقبل تستهدف صادرات إيران النفطية أو “شريان الحياة لإيران” على حد وصف التقرير. ورداً على العقوبات التي تلوح في الأفق، عمدت إيران إلى تعديل سياساتها المتعلقة بالعملة النقدية وإقالة محافظ البنك المركزي الإيراني من منصبه، إضافة إلى سجن عشرات الأشخاص المتورطين في تبادل عملات، فضلاً عن تهديد بإغلاق طريق النفط الإقليمي بالقوة العسكرية، وحتى التهديد بتدمير بكل ما يملكه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
وينقل التقرير عن دينيس روس، الذي عمل في أربع إدارات أمريكية متخصصاً في سياسة الشرق الأوسط، قوله: “من الواضح أن الإيرانيين يشعرون بغضب شديد بسبب الاقتصاد؛ حيث انهارت العملة الإيرانية (الريال) وخسرت نصف قيمتها مقابل الدولار، وعلى سبيل المثال ارتفع سعر معجون الأسنان ثلاث مرات خلال الأسبوع الماضي”.
احتجاجات على فساد الملالي
وفي خضم الصراعات الاقتصادية، تشهد إيران موجات متتالية من الاحتجاجات من المواطنين الأغنياء والفقراء على حد سواء، وعادة ما تقوم حكومة طهران بقمع تلك الاحتجاجات بعنف. ويرى روس أن الاحتجاجات الأخيرة “ملفتة”؛ وخصوصاً لأنه من غير المعتاد أن يشارك في تحركات كهذه التجار وسائقو الشاحنات وحتى البلدات المُحَافِظة.وتعرض هؤلاء للضرب من شرطة مكافحة الشغب.
وعلى الرغم من أن انتخاب ترامب والحديث عن عودة العقوبات كان لهما بعض التأثير على الاقتصاد الإيراني، فإن السبب الرئيسي للانهيار الاقتصادي يتمثل في فساد الملالي وإخفاقهم في الإدارة وسنوات العزلة عن المعايير التجارية الدولية، وكذلك الدور الضخم الذي يقوم به الحرس الثوري الإيراني في الاقتصاد وغياب الشفافية التي تبرهن أن إيران غير صالحة للاستثمار.
ويشدد تقرير “بيزنس إنسايدر” على أن انسحاب ترامب من الصفقة النووية وإعادة فرض العقوبات يُعد بمثابة ضربة قوية لإيران تؤثر بشكل كبير على إمكاناتها وقدرتها على كسب السيولة. ويقول روس “ربما تستمر الصين والهند في شراء النفط الإيراني رغم العقوبات الأمريكية ولكن يمكن أن تطلب الصين تخفيضاً في السعر وربما تعرض الهند أن يتم الدفع بالروبية فقط”.
أقوال لا أفعال
ويرى مايكل آيزنشتات، الخبير في شؤون الأمن والدفاع بالشرق الأوسط، أن إيران تطلق تهديدات كبرى ولكنها تتوخى الحذر الشديد في أفعالها لتجنب أي رد فعل أمريكي قوي، لاسيما أنها تواجه الآن معضلة؛ ففي الماضي كان الرد الرئيسي لإيران إزاء الضغوط الأمريكية يتمثل في مضاعفة الجهود في المجال النووي، ولكن إيران خفضت بنيتها التحتية النووية كجزء من صفقة النووي مع الولايات المتحدة والدول الأخرى.
ويصف آيزنشتات، وخبراء آخرون، تهديدات إيران بإغلاق مضيق هرمز (الذي يمر من خلاله قرابة 30% من صادرات النفط العالمية) بأنها مجرد “ثرثرة”، وبدلاً من ذلك بإمكان إيران إرسال صواريخ إلى حلفائها الحوثيين في اليمن لاستهداف شحنات النفط لحلفاء الولايات المتحدة، كما فعلت من قبل، كما يمكن لإيران مهاجمة القوات الأمريكية في سوريا أو اعتقال مواطنين أمريكيين أو شن هجوم إلكتروني أو حتى التحرش بالسفن الحربية الأمريكية في مياه الخليج.
ويقول تقرير “بيزنس إنسايدر”: “ولكن إيران لم تفعل أيا من تلك الأشياء حتى الآن، فعندما هاجم الجيش الإيراني القوات الأمريكية في سوريا (على سبيل الاختبار)، قامت الولايات المتحدة بضرب القوات الإيرانية بشدة، تماماً كما فعلت إسرائيل”.
وساطة بوتين
وفي الوقت الذي باتت فيه إيران محاصرة بشكل متزايد بسبب الضغوط الأمريكية، فإن ترامب غرد قائلاً “إيران واقتصادها يزدادان سوءاً وبخطوات سريعة! ولا يهم ما إذا كنا سوف نلتقي أو لا، فالأمر متروك لهم!”.
ويشير التقرير إلى أن عقد قمة مع ترامب سيكون بمثابة وصمة عار لحكام إيران الثيوقراطيين إلى حد كبير؛ إذ يرتكز حكمهم على العمل الثوري الذي يعارض الهيمنة الأمريكية وشعار “الموت لأمريكا”.
ولكن روس يؤكد أنه في غضون ستة أشهر، ستلجأ إيران إلى وساطة روسيا للتفاوض مع ترامب، ومع الأخذ في الاعتبار العلاقة بين ترامب وبوتين، فإن روسيا على الأرجح ستأتي وتعرض شيئاً على الولايات المتحدة وتفتح قناة المفاوضات.
ويختتم التقرير بأن التعامل من خلال بوتين (وليس مع ترامب مباشرة) من شأنه أن يحفظ ماء الوجه لإيران أثناء التعامل مع انسحاب ترامب من الاتفاق النووي والقضايا الاقتصادية الأخرى.