أكدت محكمة القضاء الإدارى بالإسكندرية الدائرة الأولى بالبحيرة برئاسة المستشار الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجى نائب رئيس مجلس الدولة أن قرار وزارة الأوقاف بضم 75 زاوية و21 مسجدا بالبحيرة، والإشراف عليها يعد تدعيما للتوجيه الدينى الصحيح للبلاد واحتراما لقدسية المنبر، فبعض المساجد والزوايا كان يسيطر عليها الارتجال وخالية من المتخصصين فى علوم الدين وضمها للأوقاف حماية للشباب من التطرف الدينى، وأن بقاء المساجد والزوايا بعيدا عن الأوقاف يضعف الثقة برسالة المساجد، ويفسح الطريق لشتى البدع والخرافات التى تمس كيان الوطن واستقراره، وأكدت على حظر استخدام منابر المساجد والزوايا لتحقيق أهداف سياسية أو حزبية أو نقابية احتراما لبيوت الله.
وقضت المحكمة برئاسة المستشار الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجى نائب رئيس مجلس الدولة وعضوية المستشارين صالح كشك ومحمود النجار ووائل المغاورى نواب رئيس مجلس الدولة بتأييد قرار وزير الأوقاف بضم 75 مسجدا و21 زاوية بمختلف قرى ومراكز محافظة البحيرة إلى وزارة الأوقاف، وما يترتب على ذلك من آثار أخصها أحقية الوزارة فى الإشراف عليها.
قالت المحكمة إن المشرع عهد إلى وزارة الأوقاف مهمة إدارة المساجد والزوايا والإشراف عليها بعد تسليمها وضمها إليها، وذلك ضمانا لقيام هذه المساجد برسالتها فى نشر الدعوة الإسلامية على خير وجه، وهو ما يعد احتراما لقدسية المنبر، وتطهيرا لأفكار الدعاة، وصونا لجوهر الدعوة، باعتبار أن الدعوة الإسلامية من المسائل فوق الدستورية لذا فإن الدستور أحال فى أحكامه للرجوع لمبادئ الشريعة الإسلامية كمرجعية للدساتير، ولا تحيل مبادئ الشريعة الإسلامية لأحكام الدساتير لجلالها وعظمتها وخلودها، طالما التزمت الوزارة وهى بصدد ممارسة سلطتها فى ضم هذه المساجد وبإخضاعها لإشرافها الإدارى بأحكام الدستور والقانون.
وأضافت المحكمة أن الدولة إدراكا منها لرسالتها فى دعم التوجيه الدينى فى البلاد على وجه محكم، وتأكيدا لمسئولياتها فى التعليم والإرشاد وما يتطلبه ذلك من وضع مبادئ عامة لجميع المساجد والزوايا فى المدن والقرى تستهدف نقاء المادة العلمية وسلامة الوجهة التى يعمل بها الخطباء والمدرسون، بما يحفظ للتوجيه الدينى أثره، ويبقى للمساجد الثقة فى رسالتها، وقد لوحظ أن عددا كبيرا من المساجد لا يخضع لإشراف وزارة الأوقاف وهذه المساجد كان يسيطر عليها الارتجال ويترك شأنها للظروف ولا يوجد بها من يحمل مسئولية التعليم والإرشاد من المتخصصين فى علوم الدين، ولما كان بقاء هذه الحال قد ينقص من قيمة التوجيه الدينى ويضعف الثقة برسالة المساجد، ويفسح الطريق لشتى البدع والخرافات التى تمس كيان الوطن واستقراره، خصوصا وأن ما يقال فوق منابر المساجد إنما يقال باسم الله، لذلك فإن الأمر يقتضى وضع نظام للإشراف على هذه المساجد بحيث يكفل تحقيق الأغراض العليا من التعليم الدينى العام وتوجيه النشئ وحماية الشباب من التطرف الدينى.
وذكرت المحكمة أن المساجد والزاويا متى أقيمت وأذن للناس فيها بالصلاة تخرج من ملكية العباد إلى ملكية مالك الملك الله سبحانه وتعالى ولا ترد عليها تصرفات البشر، ويقوم بالإشراف عليه أولى الأمر وقد أجمعت الأمة على أن بقعة الأرض اذا عينت للصلاة بالقول خرجت بذلك عن جملة الأملاك المختصة بصاحبها وصارت عامة لجميع المسلمين.
وأوضحت المحكمة أنه إذ كان مقتضى تنفيذ وزارة الأوقاف للمهمة الملقاة على عاقتها بموجب القانون أن تبادر الوزارة باستلام جميع المساجد والزوايا وكان تنفيذ هذه المهمة يقتضى توافر المال اللازم لذلك، وأن معظم هذه المساجد إن لم يكن كلها ليس له موارد ينفق عليها منها وأن الصرف عليها سيكون مما يمنح لوزارة الأوقاف، ومن ثم فقد راعى القانون النص على أن يتم تسليم المساجد خلال عشر سنوات من تاريخ العمل بالقانون رقم 157 لسنة 1960وهذا الميعاد هو ميعاد تنظيمى متجدد إرشادى قصد به إفساح المجال حتى تتمكن الوزارة من توفير المال اللازم الذى يتطلبه تنفيذ القانون، وبناء على ذلك فلا تثريب على وزارة الأوقاف فى القيام فى أى وقت بتسلم أى عدد من المساجد والزوايا سواء ما كان منها قائما وقت العمل بالقانون وما يقام منها بعد ذلك طبقا لما يتوافر لديها من اعتمادات مالية لإدارتها .
واختتمت المحكمة حكمها المستنير أنه لا يفوتها أن تشير وهى جزء من نسيج هذا الوطن أنه على ضوء التجارب المريرة التى عاشها الوطن من جراء استخدام المساجد خاصة الزوايا فى استغلال الشباب والبسطاء والفقر والجهل لجذب المؤيدين بين التيارات الدينية المختلفة، مما نجم عنه بث روح الفتنة والفرقة بين أبناء الوطن الواحد التى أدت إلى التنابز اللفظى والعنف المادى، مما أظهر التطرف الدينى الذى تسبب فى ضياع كثير من أرواح المواطنين وتخريب الممتلكات نتيجة لتطرف الفكر المتشدد فإنها تؤكد أنه لا يجوز مطلقا استخدام منابر المساجد والزوايا لتحقيق أهداف سياسية أو حزبية أو نقابية، لما فى ذلك من تعارض مع قدسية المسجد والإضرار بالمصالح العليا للبلاد فاحترام حرمة المساجد والزوايا فى حكمها – أمر واجب ولا يصح أن تكون بيوت الله محلا للزج بها فى الخلافات التى تنشب بين التيارات الدينية المتصارعة على أمور لا ترقى إلى جلال المساجد ورسالتها المضيئة بما يجعلها منزهة عن كل دعوات التشدد أو الاستغلال السياسى باسم الدين، خاصة وأن المنبر هو طريق المؤمن إلى القبلة فيخلع نعليه وكل رداء دنيوى خارج المسجد ليقف خاشعا متضرعا يبتغى وجه الله الكريم.