قال الدكتور شوقي علام، مفتى الجمهورية، إن الإرهابي ليس من يحمل السلاح فقط ولكن من يغذيه بالأفكار ويموله أيضًا، والإرهاب والتطرف موضوع قديم حديث، موضحًا أن دوائر التطرف تغذى بعضها البعض فمن قتل كان وراءه من غذاه إما بالتمويل أو التحريض، موضحًا أن الإنفاق على الأسلحة والجنود الذين يحاربون الأعداء، فهذا كفاح أمنى، ويمكن أن ننفق على المواجهة الفكرية للتطرف.
وأضاف مفتى الجمهورية فى لقائه الأسبوعى فى برنامج “حوار المفتي” على قناة “أون لايف”، أن ظاهرة التطرف قد نتجت بسبب الابتعاد عن المنطقة الوسطى التى أشار إليها القرآن الكريم فى قوله تعالى: { وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا}، مؤكدًا على أن الحيد هنا أو هناك عن هذا الأصل القرآنى يمثل تطرفًا.
وأوضح مفتي الجمهورية، أن كل التكاليف الشرعية جاءت فى حيز قدرة الإنسان دون إرهاق أو مشقة فالدين يحب أن يتزوج الإنسان ويصوم ويفطر ويصلى وينام فلا تعب ولا إرهاق لهذا الجسد، فيجب أن يكون الإنسان وسطًا من الناحية الروحية، كما ينبغى له أن يكون وسطًا حتى فى الإنفاق فلا تقتير ولا إسراف.
وضرب مفتى الجمهورية مثالاً على ذم التطرف والغلو فى الدين بالثلاثة الذين ذهبوا يسألون عن عبادة رسول الله صلى الله عليه ووآله وسلم وعلاقته بالآخر، وقد ظن ثلاثتهم أن التقرب إلى الله يكون بالتشديد على أنفسهم فى كثرة العبادة والصيام وعدم الزواج، مع أن هذا الفعل منافٍ للفطرة التى فطر الله تعالى الناس عليها؛ فأخبرهم الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بأن الدين يسر وليس بهذا التشدد، وعليه لا بد من وجود امتزاج وتوافق بين احتياجات الإنسان الفطرية والتكاليف الشرعية، فالتشديد له ثمار سيئة وجوانب سلبية.
وتابع فضيلة المفتى ببيانه بأن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم عالج هذا الأمر حينما قال “إن هذا الدين متين فأوغلوا فيه برفق” مطالبًا المسلمين بالأخذ بالتيسير لا التعسير، وأن يُؤخذ الدين بمنهج وسطي، وعليه فلا تفريط ولا إفراط بحجج واهية، فقد توافق التكليف الإلهى مع الفطرة الإنسانية.
ولفت مفتى الجمهورية إلى أن التطرف ظهر بصورة فردية فى عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، فقد كان الرسول هين لين، ولكن له هيبته، حيث ظهر على يد الرجل الذى أتى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال له: “اعدل يا محمد!” وعلى الرغم من ذلك رفض النبى أن يقتله أحد، ولقد خرج من ظهر هذا الرجل قوم خرجوا على الأمة من بعده.
ولقد حذَّر الرسول صلى الله عليه وسلم من التطرف ونبه إليه، مؤكدًا أن أخطر أنواع التطرف ذلك الذى يؤدى إلى قتل وتدمير وسلب الأموال وهتك الأعراض وغير ذلك من الأمور التى نشهدها اليوم.
وأوضح فضيلة المفتى، أن أول تنظيم إرهابى اتخذ المظهر السياسى مع الدينى هم الخوارج، فهم تدينوا، إلا أن تدينهم كان شكليًّا لم يُغذى بمنهجية صحيحة، ولم ينطلق من الدين فى أهدافه ومضمونه، فهذه الحالة أو الشكلية جوفاء لم تؤدِّ إلى تهذيب النفس، فالدين تمثل فى ثلاثية الإسلام والإيمان والإحسان، كما جاء في حديث جبريل عليه السلام عندما سأل النبى صلى الله عليه وسلم عن الإسلام والإيمان والإحسان، فأصل الدين هو هذه الثلاثية؛ أى الشكل والمضمون المعمق ثم ننطلق إلى الكون لكى نعمره.
وعن دور الفرد فى المجتمع طالب مفتى الجمهورية بأنه يجب عليك أن تكون عضوًا فاعلاً فى المجتمع حتى آخر لحظة فى حياتك، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إذا قامت الساعة وفى يد أحدكم فسيلة فليغرسها”؛ معبرًا عن الأمل والعمل فى حياة الإنسان، مع أن ثمرات هذه العمل ستدركه أجيال فيما بعد، فأنت فى مقام العمل والعطاء والإتقان، قال صلى الله عليه وسلم: “إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه”.
وقال مفتي الجمهورية إن الدين عند الخوارج كان تدينًا فى الشكل فقط، أخذوا الشكل دون المضمون، فأصبح تدينًا لا قيمة له، فالرسول قال عنهم: “يمرقون من الدين” فالدين لا يجاوز حناجرهم، ولم يتعمق فى نفوسهم.
وأكد فضيلة المفتى، أن أخطر المشاكل التى تواجه الشباب اليوم هو التدين الظاهرى والشكلى؛ حيث يتم إغراؤهم بالشكل دون تعمق فى الدين.
واستطرد فضيلته أن منهج مواجهة التطرف من أيام النبى صلى الله عليه وسلم وإلى الآن واحد، فكر وتنفيذ، فالمواجهة مع الخوارج كانت تتم على محورين الأفكار بالأفكار ومواجهة السيف، حيث إن تركهم يؤدى إلى إفساد المجتمعات، لأن المعالجة الفكرية فقط ليست كافية، فلا بد من المواجهة الأمنية، القلم بجانب البندقية.
وحول تفسير مصرف فى سبيل الله أكد مفتى الجمهورية أن العلماء القدامى فسروها، أن ينفق على الأسلحة والجنود الذين يحاربون الأعداء، فهذا كفاح أمنى، ويمكن أن ننفق منه أيضًا على المواجهة الفكرية للتطرف، مطالبًا بضرورة أن تكون المواجهة متوازية أمنية وفكرية.