قبل أن يفوز بوريس جونسون بمنصب رئيس وزراء بريطانيا خلفًا لتيريزا ماي – وكان فوزه شبه مؤكد – انطلقت وسائل الإعلام في بريطانيا والولايات المتحدة وغيرهما تصفه بالنسخة البريطانية من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
وذكرت صحيفة “الجارديان” البريطانية أن التشابهات بين الرجلين أكثر غرابة من أن تكون صدفة أو تمر مرور الكرام، فلكليهما تاريخ من المغامرات الجنسية الشائنة، وقصتا نجاحهما متشابهتان على نحو مدهش، وكلتاهما مزيج من استغلال امتياز الوضع الاجتماعي، والانتهازية غير الأخلاقية، والاعتداد المبالغ فيه بالنفس.
وأضافت الصحيفة أن جونسون وترامب يتشاركان الميل إلى الصراحة الصادمة والابتعاد عن تهذيب تصريحاتهما وتنقيتها مما يثير حفيظة الرأي العام من تعابير تنم عن عنصرية أو كراهية لوسائل الإعلام.
وكما يكذب ترامب بشأن كل شيء، من حجم ثروته ومصدرها وحتى عدد حضور حفل تنصيبه رئيسًا للولايات المتحدة، ذاعت شهرة جونسون لأول مرة أيضًا بسبب الكذب، حيث فصلته صحيفة “التايمز” البريطانية لنشره عبارة مسروقة من المؤرخ كولين لوكاس، وبعدها عمل مراسلًا لصحيفة “ديلي تليجراف” في الاتحاد الأوروبي، ونشر ذات مرة تقريرًا متخمًا بالأكاذيب حول فضائح جرت في الاتحاد الأوروبي، استخدمه مناهضو الاتحاد بكثافة لتعزيز مواقفهم.
لكن لعل أكاذيبه حول الاتحاد الأوروبي بالذات هي ما أمّنت له عضوية وشعبية كبيرة في حزب المحافظين البريطاني، الجانح على نحو متزايد نحو فصل بريطانيا عن الاتحاد، واستثمر جونسون مقالاته القديمة في صحيفة “ديلي تليجراف” لترويج نفسه كمرشح لزعامة حزب المحافظين، ولرئاسة الوزراء بالتالي، خلفًا لتيريزا ماي.
ومثل ترامب، لا يخفي جونسون عداءه الصريح للأجانب أو خصومه السياسيين، ولا يوفر في سخريته أي فئة خارج نطاق العرق الأبيض، حيث سُجلت له عبارات تسخر من هيئة السود والمسلمات المنتقبات، فضلًا عن المثليين جنسيًا وعضوات البرلمان عن حزب العمل.
أما عن الفوارق بين الرجلين فأحدها شكلي، يتعلق بالفارق بين طريقة انتخاب كل منهما وعدد المصوتين لصالحه، وفي هذا الصدد قالت “الجارديان” إن ترامب خسر التصويت الشعبي أمام منافسته هيلاري كلينتون، لكنه فاز بفارق ضئيل يبلغ 46.1 من أصوات المجمع الانتخابي، أما جونسون فقد فاز برئاسة الوزراء تبعًا لانتخابه زعيمًا لحزب المحافظين، الذي لا يزيد عدد أعضائه عن 0.02% من سكان بريطانيا.
أما الفارق الآخر الموضوعي فيتعلق بمدى التزام كل منهما بالعمل الحزبي، وفي هذه النقطة يتفوق جونسون الأكثر ولاء والتزامًا تجاه حزب المحافظين من ترامب تجاه حزبه الجمهوري، ووراء جونسون تاريخ طويل نسبيًا من العمل السياسي والمؤسسي، بخلاف ترامب الذي قفز من مجتمع الأعمال فجأة إلى قمة السلطة.
على أن هذه الفوارق الشكلية لا تنفي، بحسب “الجارديان”، أن بوريس جونسون هو “ترامب أوروبا” بقدر ما أصبحت بريطانيا “أمريكا أوروبا”.
ولا غرابة أن ترامب لم يخف ابتهاجه بفوز بوريس جونسون وكال له ما يكفي من المديح، بل إنه علق على الأقاويل التي تشبههما ببعضهما، قائلًا أمس الثلاثاء في معرض تهنئته لجونسون “إنه عنيد وذكي، وهم يطلقون عليه ترامب بريطانيا والناس يقولون إن هذا أمر جيد. إنهم يحبونني هناك وهذا ما يريدونه وما يحتاجون إليه”.
وذكرت قناة “سي إن بي سي” الأمريكية أن ترامب وجونسون طورا علاقة وثيقة بينهما بشكل شخصي، وقد دعم الرئيس الأمريكي صديقه البريطاني في حملته لخلافة ماي رئيسًا للوزراء، وأكد أنه سيقوم “بعمل رائع”.
واستعرضت القناة بعض القضايا التي تكاد تتطابق حيالها مواقف جونسون وترامب، وفي مقدمة تلك القضايا الهجرة، ففي حين يسعى ترامب لتشديد شروط قبول المهاجرين ووقف تدفقهم إلى الولايات المتحدة عبر المكسيك، لعب جونسون بورقة الخوف من المهاجرين لحشد التأييد خلف انفصال بريطانيا عن الاتحاد الأوروبي قبل الاستفتاء عليه عام 2016.
على أن القضية التي خالف فيها جونسون ترامب كانت الموقف من المسلمين، فعندما دعا ترامب عام 2015 إلى تقييد دخول المهاجرين المسلمين إلى الولايات المتحدة، انتقد جونسون – المنحدر من أصل تركي مسلم – هذا الموقف، وإن لم يمنعه ذلك من السخرية من النساء المسلمات المنتقبات، وتشبيههن بصناديق البريد.
أما العلاقة بالمرأة فهي إحدى أقوى نقاط التشابه بين جونسون وترامب، فكلاهما تحيط به سمعة سيئة وتاريخ مشبوه من اتهامات التحرش وإقامة علاقات حميمية خارج نطاق الزواج.