تجدد الصراع الدموي في طرابلس بين حكومتي الوفاق والإنقاذ
أعمدة الدخان تتصاعد إثر اشتباكات بين قوات حكومة الوفاق وأخرى موالية لحكومة الإنقاذ في طرابلس أمس ({غيتي}) لقي نحو من 30 شخصا على الأقل مصرعهم وأصيب العشرات في أحدث صراع على السلطة في العاصمة الليبية طرابلس، بعدما اندلعت أمس اشتباكات عنيفة بالأسلحة الثقيلة والمتوسطة بين الميلشيات المسلحة في العاصمة الليبية طرابلس، فيما أكدت رئيسة الحكومة البريطانية تيريزا ماي خلال اتصال هاتفي مع رئيس حكومة الوفاق الوطني فائز السراج «أهمية مواصلة وتطوير التنسيق والتعاون بين الأجهزة الأمنية في البلدين الصديقين لمواجهة الإرهاب أينما وجد».
وطبقا لما أكدته مصادر أمنية وعسكرية لـ«الشرق الأوسط»، فقد هاجمت ميلشيات تابعة لحكومة الغويل، غير المعترف بها دوليا، مواقع تابعة لميلشيات موالية لحكومة السراج، في أحدث مواجهات دامية بين الطرفين للصراع على السلطة في المدينة التي تتنازع الحكومتان فيها مناطق النفوذ.
وتحت اسم «عملية فخر ليبيا» النسخة الثانية، شنت ميلشيات يقودها صلاح بادي، أحد أمراء الحرب في مدينة مصراتة غرب البلاد والموالي لحكومة الغويل، عملية عسكرية لاستعادة المقرات الحكومية.
ووفقا لشهود عيان وسكان محليين، دارت أمس معارك وحرب شوارع حقيقية في عدة ضواحي بجنوب وشرق العاصمة، على مقربة من مقر البرلمان السابق والمطار الرئيسي الدولي الوحيد فيها، فيما تصاعدت أعمدة الدخان من مبان حكومية وسكنية، لترسم مشهدا مروعا لأحدث اشتباكات من نوعها في المدينة.
وقالت مؤسسة الإصلاح والتأهيل بسجن الهضبة، حيث يقبع معظم كبار مسؤولي نظام العقيد الراحل معمر القذافي، إنها تعرضت لهجوم مسلح وقصف بالأسلحة الثقيلة، مشيرة إلى أن المهاجمين حاولوا استغلال الوضع الأمني المتوتر لتهريب السجناء التابعين للنظام السابق. وأوضحت المؤسسة التي يترأسها خالد الشريف، وكيل وزارة الدفاع وأحد قيادات «الجماعة الإسلامية الليبية» سابقا، أن القوة الموجودة بداخل السجن اضطرت للرد لحماية المؤسسة ومنع أي محاولة لتهريب لمعتقلين.
وقال مصدر أمني إن عدد قتلى الميلشيات التابعة لحكومة السراج بلغ 23 قتيلا، مشيرا إلى إصابة 29 آخرين، بينما لم تقدم حكومة الغويل أي معلومات عن سقوط ضحايا في صفوف الميلشيات الموالية لها.
ومن جانبه، أوضح هاشم بشر الرئيس السابق للجنة الأمنية العليا في طرابلس وأحد قيادات ميلشيات السراج، أن حصيلة الاشتباكات في صفوف كتيبة ثوار طرابلس الفرقة الأمنية الأولى، 9 قتلى وأكثر من 22 جريحا، في حين وصلت في صفوف الأمن المركزي إلى 12 قتيلا وأكثر من سبعة جرحى، بالإضافة إلى مقتل عنصر من المباحث العامة، فيما فقدت الكتيبة 155 مشاة، أحد عناصرها.
من جهتها، ألمحت حكومة السراج المدعومة من بعثة الأمم المتحدة إلى إمكانية طلب تدخل أجنبي، بعدما لفتت الانتباه إلى أن مجلسها الرئاسي الآن على تواصل مع الدول الشقيقة والصديقة والأمم المتحدة لدراسة الخيارات القادمة، على حد تعبيرها، واتهمت خليفة الغويل، رئيس حكومة الإنقاذ الوطني التابعة للمؤتمر الوطني العام (البرلمان) السابق والمنتهية ولايته، إضافة إلى صلاح بادي، بالمسؤولية عن الاشتباكات المسلحة التي شهدتها العاصمة طرابلس منذ صباح أمس.
وقالت الحكومة في بيان لها، إن المجموعة التي وصفتها بأنها «خارجة عن القانون والشرعية»، شنت قصفا عنيفا قبل أن تتصدى لها القوات والميلشيات التابعة للحكومة، موضحة أن القوات والقيادات الأمنية والسرايا التابعة لها قامت بواجبها في صد الهجوم.
وبعدما دعت الحكومة سكان العاصمة طرابلس إلى الوقوف معها ومع الأجهزة الأمنية، حذرت من تقديم أي دعم للميلشيات المناوئة لها، معتبرة أن صمت البعض تجاه ما تمارسه هذه العصابة أصبح مشاركة في الجريمة.
وحثت مديرية أمن طرابلس، في بيان لها، المواطنين على دعمها معنويا للدفاع عن طرابلس، وقالت في بيان لها إنها لن تسمح لمن وصفتهم بدعاة الحرب والدمار والخارجين عن القانون بالعبث بأمن المدينة.
من جهته، اعتبر عبد الرحمن السويحلي، رئيس المجلس الأعلى للدولة الموالي لحكومة السراج، ما يحدث في طرابلس لا يمكن تبريره، وقال في تغريدة عبر حسابه الرسمي على موقع «تويتر» إنه «لن يسمح بتحول أمن طرابلس إلى رهينة لدى المُغامرين»، مشددا على أن «هناك قرارات شجاعة لا مناص من اتخاذها»؛ لكنه لم يكشف المزيد من التفاصيل.
في المقابل، قال مجلس النواب الذي يتخذ من مدينة طبرق بأقصى الشرق الليبي مقرا له، إن الصراع بجميع أنواع الأسلحة الثقيلة والمتوسطة والقصف بالدبابات والمدافع والقصف العشوائي وصل إلى وسط الأحياء السكنية وشوارع مدينة طرابلس، محذرا من تعريض حياة المواطنين والممتلكات العامة والخاصة للدمار. وحمل المجلس من وصفهم بأمراء الحرب من قادة المسلحين والمؤسسات والمفتي المعزول الصادق الغرياني، المسؤولية القانونية والتاريخية أمام الشعب الليبي عن هذه الأعمال.
كما دعا المجلس المجتمع الدولي إلى رفع الغطاء والدعم السياسي عن هذه الميليشيات المسلحة والمؤسسات الراعية لها، وطالب مجددا برفع الحظر المفروض على إعادة تسليح قوات الجيش الوطني.
إلى ذلك، قال رئيس بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، مارتن كوبلر، إنه يتابع بقلق بالغ التقارير التي تفيد باستمرار القتال في طرابلس، وناشد في بيان له الجماعات المتحاربة وقف الأعمال العدائية فورا، ووضع المصلحة الوطنية الليبية فوق مصالحها الضيقة.
وأعرب كوبلر عن دعمه الكامل للمجلس الرئاسي لحكومة السراج، بصفته السلطة التنفيذية الشرعية الوحيدة في ليبيا، على النحو المنصوص عليه في قراري مجلس الأمن 2259 و2278، كما حث جميع الأطراف في ليبيا على الانخراط بشكل جدي في العملية السياسية من أجل تحقيق المصالحة الوطنية.