أخبار عربية و إقليميةتحقيقات و تقاريرعاجل

تداعيات إعلان إستقالة رئيس الوزراء اللبناني ” سعد الحريري “

تــزداد الساحــة السياسيــة اللبنانيـة تعقيـداً يوماً بعد يوم ، مع استمرار وجود رئيس الحكومة المستقيل سعد الدين الحريري خارج البلاد ، وإلى حين عودته يسود الغموض مصير العديد من الاستحقاقات السياسية المقبلة ، ومنها الانتخابات النيابية .. وفي هذا السياق اعتبر وزير الداخلية السابق مروان شربل أن تقديم رئيس الوزراء الحريري الاستقالة من خارج لبنان ، ظاهرة لأول مرة تحدث بهذا الشكل ، ولا يمكن معرفة إذا ما كان قد أجبر على الاستقالة أم لا ، وعدم عودته إلى لبنان سيخلق أزمة سياسية ، ويدخل البلاد في الفراغ السياسي .

 تأتي استقالة الحريري في إطار التوتر ( السعودي الإيراني ) .. ومن المتوقع ازدياد هذا التوتر ، حيث أن وجود ” الحريري ” على طاولة واحدة مع حزب الله في ظل هذه المرحلة يعرضه للحرج ، لأنه تحت مظلة التحالف العربي وليس تحت مظلة إيران ، والاستقالة هي دليل على مزيد من التصعيد ضد حزب الله في لبنان وخصوصا من التحالف العربي ،  ومن المحتمل أن يكون ذلك مرتبط أيضاً بالتسوية في سوريا حيث أن المرحلة تتطلب نقاط قوة لكل طرف وتصاعد نفوذ حزب الله يرجح نفوذ إيران في سوريا .

 أهم أهداف استقالة ” الحريري ” هي الضغط على حزب الله للتخفيف من تدخلاته في الشئون الداخلية اللبنانية ، ووضع الأطراف اللبنانية كلاً أمام مسئولياته ، ولاسيما حزب الله .. كما تأتي الاستقالة لإعادة التوازن السياسي في لبنان ، وللعب دور مقابل للدور الإيراني في المنطقة .. في هذا السياق أكد وزير الخارجية السعودي ” عادل الجبير ” أن بلاده لا يمكن أن تسمح للبنان بأن تكون قاعدة للهجمات ضد السعودية ، مشيراً إلى أن تأزم الوضع في لبنان هو نتيجة أنشطة حزب الله ، وأن الوضع الحالي في لبنان مؤسف ، مؤكداً أن كل ما يحدث هناك جاء نتيجة أفعال ( حزب الله / إيران )  .

في إطار تداعيات استقالة ” الحريري ” صرح زعيم حزب الله ” حسن نصر الله ” بأن السعودية قد أعلنت الحرب على لبنان وحزب الله ، وأشار إلى أن ” الحريري ” محتجز بالسعودية .. كما شدد ” نصر الله ” على أن استقالة ” الحريري ” تدخل سعودي غير مسبوق في السياسة اللبنانية .. وطالب بعودته إلى لبنان ، مؤكداً أن الحكومة اللبنانية لم تستقيل وما زالت تتمتع بالشرعية .. وأوضح قائلاً ( نحن نعتبر الاستقالة المعلنة غير دستورية وغير شرعية ، ولا قيمة لها على الإطلاق ، لأنها أتت تحت الإكراه ) .. كما شدد على أنه ” ليس ثمة مكان أو دور في لبنان لأي قوة أجنبية أو ميليشيا أو عناصر مسلحة عدا القوات الأمنية الشرعية للدولة اللبنانية ، التي يجب أن يُعترف بها بوصفها السلطة الوحيدة لفرض الأمن في لبنان “ .. من جانبه تسأل الرئيس اللبناني ” ميشال عون ” بقلق عن وضع ” الحريري ” في السعودية .

 في المقابل تنفي السعودية وأعضاء من تيار المستقبل الذي يتزعمه ” الحريري ”  أن يكون تحت الإقامة الجبرية  .. كما أكد وزير الخارجية الفرنسي ” جان إيف لو دريان ”  الذي زار السعودية برفقة الرئيس الفرنسي يوم 9 نوفمبر أنه يعتقد أن ” الحريري ” لا يخضع للإقامة الجبرية في السعودية ، وأن معلوماته تفيد بأنه ما من قيود مفروضة على تحركاته ، بدليل لقاء ” الحريري ” بالسفير الفرنسي لدى السعودية كما التقى عددا من الدبلوماسيين من الاتحاد الأوروبي وبريطانيا والولايات المتحدة في اليومين الماضيين .. بالإضافة إلى ذلك أكدت الخارجية الألمانية أن برلين ليس لديها ما يدل على أن ” الحريري ” محتجزاً بالسعودية ، وأنها تعتقد أن ” الحريري ” حر الحركة .

يأتي ذلك في الوقت الذي طالبت كل من السعودية والكويت والإمارات والبحرين رعاياهم في لبنان بمغادرتها فوراً ، ونصحوا مواطنيهم بعدم السفر إلى هناك ، نظراً للأوضاع في لبنان ، وتحسباً لأي تداعيات لهذه الأوضاع .. كمـا حــذر وزيــر الخارجية الأمريكي ” تيلرسون ” أي طرف داخل لبنان وخارجه من استخدام لبنان كساحة لخوض صراعات بالوكالة أو من أي سلوك يسهم في زعزعة استقرار تلك البلاد .. ووصف ” تيلرسون ” رئيس الوزراء المستقيل ”  الحريري ” بأنه شريك قوي للولايات المتحدة .

 تكمن الأزمة الرئيسية في الذي سيحدث بعد الاستقالة .. حيث من المفترض أن يتفاهم رئيس الحكومة مع رئيس الجمهورية حول المستجدات والأسباب التي أدت إلى هذه الاستقالة ، ويبقى الوضع مُبهم سياسياً إذا لم يعد رئيس الحكومة من الخارج ، وهذا معناه أن الحكومة التي تعتبر حكومة تصريف أعمال لا تستطيع الاجتماع عند الضرورة لأسباب ضرورية تتعلق بالانتظام العام ، وإذا طالت المدة يدخل لبنان في فراغ سياسي ، وبناءً عليه فالوقت يضيق لإجراء الانتخابات النيابية المقبلة في مايو 2018 .

في أول خطوة رسمية لمحاولة حل الأزمة صرح رئيس مجلس النواب ” نبيه برى ” أن الحكومة اللبنانية مازالت قائمة حتى الآن والوزراء كما هم .. وأكد في تصريح له أن الانتخابات النيابية ستجري في موعدها ولا نحتاج إلى اجتماع حكومة ، والجو ملائم لإجرائها .. وأشار إلى أن اجتماعه والرئيس العماد ” ميشال عون ” كان جيدا للغاية ، وأن الرئيس ” عون ” وضعه في أجواء اللقاءات التي أجراها لحماية الاستقرار وتثبيت الأمن .. وحول استقالة ” الحريري ” ومتى سيقبلها الرئيس ” عون ” قال ” بري ”  هذا الموضوع يعود للرئيس ” عون ” وهو ينتظر لقاء ” الحريري ” والاستماع اليه .

الخُلاصة :

الأزمة الحالية أعمق بكثير من مجرد قبول استقالة ” الحريري ” أو عدم قبولها ، وهي مُرتبطة بتوازنات إقليمية اختلت بشكل كبير لصالح إيران ، الأمر الذي لم يُعد بإمكان السعوديّة السكوت عنه أو عدم السعي لمحاولة تصحيحه .. ولهذا فإن لبنان ينتقل تدريجًا بفعل هذا الصراع الإقليمي إلى أزمة سياسية طويلة الأمد ، كما أن لبنان مُرشح لأن يدخل في مرحلة طويلة من الشلل على مُستوى السلطة التنفيذيّة ، ما لم يُبادر أكثر من طرف داخلي إلى تقديم تنازلات متبادلة ، وإلى مُحاولة التملص من الضغوط الإقليمية والدولية المتقابلة والمختلفة .

الخيارات الفعلية المتاحة أمام الأزمة اللبنانية تقتصر على عدة سيناريوهات ، كالتالي :

الإقرار باستقالة الحكومة ، والسعي لتشكيل حكومة سياسية جديدة توافقية .. يكون فيها محاولة لتحجيم دور حزب الله في لبنان ، دون إقصاءه من الحكومة ، لأن الواقع اللبناني يؤكد صعوبة إقصاء حزب الله من الحكومة ، وفي هذه الحالة سيطول الأمر لعدة أشهر من المُفاوضات ، ومن المتوقع وجود ضغوط خارجية .

يعد هذا السيناريو  ، هو الأنسب للبنان نظراً للتعقيدات السياسية هناك ، وبناءً عليه يجب أن تكون الحكومة توافقية لتجنب الصراعات السياسية والطائفية .

حكومة تسيير أعمال .. سيناريو من المرجح تنفيذه

ثاني السيناريوهات اللجوء إلى الدستور اللبناني ، ووفقا له يحق لرئيس الجمهورية ” ميشال عون ” تسمية رئيس الحكومة بالتشاور مع رئيس مجلس النواب ” نبيه بري ” ، بما يشكل حكومة تيسير أعمال لحين إجراء الانتخابات النيابية .. وحسب المادة ( 59 / 2 / 3 ) من الدستور اللبناني ” يسمي رئيس الجمهورية رئيس الحكومة المكلف بالتشاور مع رئيس مجلس النواب استنادًا إلى استشارات نيابية ملزمة ، يطلع رسميًا على نتائجها ويصدر مرسوم تسميته منفرداً .. ولكن ستواجه الرئيس ” عون ” أزمة في اختيار خليفة ” الحريري ” في رئاسة الحكومة اللبنانية ، نظراً لأن رئيس الحكومة دائما يأتي من ( كتلة المستقبل ) ، ومن البيت السني منذ اتفاق الطائف الذي أنهى الحرب الأهلية في لبنان .

تشكيل حكومة تكنوقراط لا تضم أي شخصية حزبية من أي طرف كان ، بحيث يخرج “حزب الله ” وسواه من الحكومة ، على أن تكون مهمتها الوحيدة تنظيم ​الانتخابات​ النيابيّة المُقبلة في موعدها ، ولكن هذا الخيار مرفوض أيضاً من قبل حزب الله .

تجميد الوضع :

بقاء وجود فراغ في السلطة التنفيذية ” رئاسة الحكومة ” تهدد لبنان بالشلل وتضع الساسة اللبنانيين أمام أزمة حقيقة قد تشتعل نيرانها وتصل إلى حد الصراع .. ولكن هذا السيناريو لن يكون فاعلاً في ظل تصاعد الأوضاع الإقليمية والدولية ، ووجود ما يشبه الحرب المفتوحة بين ( إيران / السعودية ) .

زر الذهاب إلى الأعلى