توترت العلاقات بين ( روسيا / بريطانيا ) على خلفية اتهام رئيسة الوزراء البريطانية ” تيريزا ماي ” لروسيا بالتورط في محاولة اغتيال الجاسوس المزدوج العقيد الروسي السابق ” سيرجي سكريبال ” ، وابنته ” يوليا ” في (4) مارس 2018 ، عن طريق تسميمهما باستخدام مادة ( نوفيتشوك ) – الفئة الأحدث في مواد غازات الأعصاب السامة – أثناء تواجدهما في مركز تجاري بمدينة ( سالزبري ) جنوب غرب إنجلترا .
جدير بالذكر أن مدير مستشفى سالزبوري قد أعلن خروج ” يوليا سكريبال ” من المستشفى بعد تحسن حالتها الصحية وأعلنت السلطات البريطانية أنه تم نقلها إلى مكان آمن ، فيما تتحسن حالة ” سكريبال ” ، ويستجيب للعلاج بشكل جيد.
يذكر أن ” سكريبال ” عقيد سابق في المخابرات العسكرية الروسية ، جندته المخابرات البريطانية (MI6) عام 1990 ، وانكشف أمره وقبض عليه عام 2006 ، وتمت محاكمته عسكرياً وأدين بالخيانة العظمى ، وتمَّ تجريده من الأوسمة والألقاب التي منحت له ، وحكم عليه بالسجن (13) عام ، حتى أطلق سراحه ضمن صفقة تبادل جواسيس بين ( الغرب / روسيا ) عام 2010 ، حيث أطلقت المحكمة الأمريكية سراح (10) متهمين في شبكة تجسس ، وتمَّ تبادلهم مع (4) جواسيس بينهم ” سكريبال ” .
و أمهلت بريطانيا روسيا حتى يوم (13) مارس 2018 لتقديم توضيحات مُفصلة حول الحادث ، إلا أنها لم تتلقى أي رد من الجانب الروسي ، ونتيجة لذلك عقدت ” ماي ” جلسة طارئة لمجلس العموم يوم (14) مارس ، أكدت خلالها أن روسيا هي المسئولة عن محاولة الاغتيال ، وأن ذلك يُشكل استخدام غير مشروع للقوة من جانب روسيا ضد بريطانيا ، كما اتخذت عدة قرارات ضد روسيا ، تمثلت في الآتي :
أ – استدعاء السفير الروسي لدى بريطانيا عدة مرات لبحث الأزمة .
ب – طرد (23) دبلوماسياً روسياً من المملكة المتحدة ، وإمهالهم (7) أيام لمغادرة البلاد .
جـ- تجميد الأصول الروسية الموجودة في بريطانيا .
د – تجميد الاتصالات رفيعة المستوى مع روسيا ، وسحب الدعوة الموجهة لوزير الخارجية
” لافروف ” لزيارة لندن .
هـ- تشديد التفتيش الجمركي وتفتيش الطائرات الخاصة .
و – تأكيد وزير الخارجية البريطاني ” جونسون ” أن الشرطة قد تستهدف الروس الفاسدين الذين لديهم صلة بالرئيس ” بوتين ” .
ز – مقاطعة المسئولين البريطانيين لبطولة كأس العالم لكرة القدم في روسيا – والتي ستقام منتصف يونيو المقبل – ، ويتمثل ذلك في عدم ذهاب أي من أفراد العائلة المالكة أو الوزراء أو المسئولين إلى هذه البطولة .
ح – قامت بريطانيا بتفتيش طائرة تابعة لشركة الخطوط الجوية الروسية ” آيروفلوت ” في مطار هيثرو الدولي بلندن ، دون تقديم أي مبررات ، وقد اعتبرت روسيا هذا الإجراء بأنه عملاً استفزازياً .
و سعت بريطانيا للحصول على تأييد دولي ضد روسيا وتدويل الأزمة وتشعيب أطرافها ، حيث تمثلت أطراف الصراع – بجانب بريطانيا – في ( دول الاتحاد الأوروبي على رأسهم فرنسا / حلف الناتو / الولايات المتحدة ) ، وذلك على النحو التالي :
أ – تدويل الأزمة وتوسيع أطراف النزاع – جلستين بمجلس الأمن – :
دعت رئيسة الوزراء البريطانية ” ماي “ إلى جلسة طارئة لمجلس الأمن لبحث الأزمة ، والذي بدوره عقد جلسة يوم (15) مارس أدان خلالها العديد من الدول من بينها ( الولايات المتحدة / ألمانيا / فرنسا ) ، تورط روسيا في محاولة اغتيال ” سكريبال ” ، وأكدت تضامنها ودعمها لبريطانيا .
كما عقد المجلس جلسة أخرى يوم (5) أبريل 2018 بطلب من روسيا ، حيث طالب مندوب روسيا في مجلس الأمن ” فاسيلي نيبينزيا “ خلال الجلسة بمناقشة الاتهامات المتكررة التي كررتها رئيسة الوزراء البريطانية ” ماي ” التي زعمت خلالها أن هناك احتمالات كبيرة تشير إلى أن روسيا لديها دور في حادث تسميم ” سكريبال “ ، نافياً اتهامات بريطانيا حول تلك القضية ، موضحاً أنها لا أساس لها من الصحة ودون وجود أي أدلة ، مضيفاً أن ذلك العميل لم يكن يشكل أي خطر على روسيا .. من جانبها جددت المندوبة البريطانية لدى المجلس ” كارن بيرس “ تمسك لندن بفرضية ضلوع روسيا في تلك القضية ، موضحة أن استخدام عبارة ( الترجيح ) في التصريحات الرسمية البريطانية لا تعكس سوى التزام المملكة بنظامها القضائي الذي تعود إليه الفصل في إدانة أي طرف في قضية ما .. فيما أكدت مندوبة الولايات المتحدة ” نيكي هايلي “ أن واشنطن لا تزال مقتنعة بأن روسيا هي التي تتحمل المسئولية عن ذلك الهجوم ، سواء كانت روسيا استخدمتها بتعمد أو بسبب إخفاقها في ضمان حماية ترساناتها من المواد السامة للأعصاب .
ب – الاتحاد الأوروبي :
دعماً لموقف بريطانيا في مواجهة روسيا عقدت الدول الأعضاء في الاتحاد قمة في بروكسل على مدار يومي (22 / 23) مارس لمناقشة الأزمة ، وقامت باستدعاء سفير الاتحاد الأوروبي من موسكو للتشاور في بروكسل ، وعقب ذلك قررت (25) دولة أوروبية طرد (57) دبلوماسي روسي من أراضيها ، وتعتبر تلك الحملة أكبر عملية طرد غربية لدبلوماسيين روس منذ الحرب الباردة .
جـ- حلف الناتـــــــو :
أعلن الحلف تضامنه الكامل مع بريطانيا ، وعرض مساعدتها في إجراء التحقيق ، ودعا روسيا إلى الإجابة عن استفسارات بريطانيا ، بما في ذلك الكشف بشكل كامل عن برنامج ( نوفيتشوك ) أمام منظمة حظر الأسلحة الكيماوية ، كما أعرب الحلف عن قلقه إزاء أول هجمة باستخدام غاز أعصاب على أراضي الحلف منذ تأسيسه ، مشدداً على أن الحلف سيواجه أي تهديد لأعضائه ، ولاحقاً أعلن الأمين العام للحلف ” ينس ستولتنبيرج ” عن طرد (7) موظفين في البعثة الدبلوماسية الروسية لدى مقر الناتو ورفض قبول اعتماد (3) آخرين ، وتقليص عدد موظفي البعثة الدبلوماسية الروسية لديه من ( 30 : 20 ) شخصاً .
د – الولايات المتحدة :
ساهمت هذه الأزمة في تأجيج توتر العلاقات القائم فعلياً بين ( الولايات المتحدة / روسيا ) ، حيث تسعى الولايات المتحدة إلى الهيمنة على العالم واتباعها سياسة ( القطب الأوحد ) ، وهو ما تعارضه روسيا ، والتي تحاول تطبيق فكرة تعدد الأقطاب واحترام سيادة الدول وعدم التدخل في شئونها ، ولذلك أعلنت الولايات المتحدة دعمها الكامل لبريطانيا ضد روسيا ، وأكدت أن روسيا تتعمد تجاهل القواعد الدولية ، وتسعى إلى هدم المؤسسات الديمقراطية الغربية ، وأكد وزير الدفاع ” جيمس ماتيس “ أن روسيا اختارت دور الخصم الاستراتيجي للولايات المتحدة ، وتتحمل المسئولية عن فشل كل محاولات البلدين للتقارب ، ودعماً لموقف لبريطانيا ضد روسيا قررت الولايات المتحدة طرد (60) دبلوماسياً روسياً من بينهم (12) دبلوماسياً لدى الأمم المتحدة ، مُؤكدة أنهم ضباط مخابرات يعملون تحت غطاء دبلوماسي ، كما أعلنت إغلاق قنصلية موسكو في مدينة ( سياتل ) ، ولاحقاً عرضت الخارجية الأمريكية على روسيا إرسال (60) دبلوماسياً ليحلوا محل الدبلوماسيين الذين تم طردهم من البلاد .
هذا وقد عدد إجمالي الدبلوماسيين الروس المطرودين حول العالم نحو (151) دبلوماسي ( 23 من بريطانيا / 60 من الولايات المتحدة / 57 من الدول الأوروبية / 7 من حلف الناتو / 4 من كندا ) .
الموقف الروسي من الأزمة :
استنكرت روسيا اتهام بريطانيا لها منذ بداية الأزمة وحتى الآن ، واتهمت بريطانيا بارتكاب الحادث لأنها المستفيدة من تسميم ” سكريبال ” ، حيث نفى المتحدث باسم الكرملين ” دميتري بيسكوف “ أن يكون لموسكو أي علاقة بتسميمه ، مؤكداً أن بلاده لا تقبل ادعاءات لا أساس لها من الصحة واتهامات بحقها غير مؤكدة ومدعمة بأي أدلة ، ولا تقبل لغة الإنذارات من أي نوع ، وفي الوقت نفسه تظل موسكو منفتحة على التعاون في التحقيق في هذا الحادث ، لكن للأسف لا تلقى استعداداً للمعاملة بالمثل من جانب البريطانيين في هذا المجال ، كما أعلن أن الكرملين لا يستطيع طرح افتراضات وترجيحات حول الشخص الذي يقف وراء تسميم ” سكريبال ” ، لأنه لا يشارك في التحقيق في هذا الحادث .
و دعت روسيا منظمة حظر الأسلحة الكيماوية لتسليمها جميع المعلومات التي حصلت عليها من لندن عن القضية ، كما طالبت بريطانيا بأن تقدم الأدلة التي تثبت تورط روسيا في محاولة اغتيال ” سكريبال ” ، وإثبات أن العملاء البريطانيين لم يسمموا ” سكريبال ” ، مُؤكدةً أنه في ظل غياب هذا الإثبات ستعتبر روسيا الواقعة اعتداء على حياة مواطنين روس ، مٌعتبرةً أن عدم اهتمام بريطانيا بالتحقيق لمعرفة من يقف وراء تسميمه يجعل موسكو لا تستبعد تورط الاستخبارات البريطانية في الحادث .
و اتهم وزير الخارجية ” لافروف “ بريطانيا بأنها تسعى لتقويض العلاقات مع روسيا عن عمد ، كما اتهمها بدفع حلفائها لمواجهة مع موسكو ، مشيراً إلى أن مبعوثي بريطانيا يجوبون العالم مطالبين الدول الأخرى باتباع أجندتها ، فيما أكدت الخارجية أن الهدف الرئيسي لـ ( بريطانيا / الولايات المتحدة ) هو عدم السماح بإقامة كأس العالم في روسيا .
ورداً على الإجراءات العقابية ( البريطانية / الأوروبية / الأمريكية ) ، قامت روسيا باتخاذ العديد من الإجراءات المماثلة ، تمثلت في الآتي :
(1) مطالبة بريطانيا بتقديم أدلة فعلية حول الاتهامات بشأن تسميم ” سكريبال ” .
(2) استدعاء السفير البريطاني لدى موسكو ” لوري بريستو ” (4) مرات ، لبحث القضية .
(3) طرد (23) دبلوماسي بريطاني رداً على الإجراء المماثل الذي اتخذته لندن .
(4) تعليق عمل المركز الثقافي البريطاني في روسيا .
(5) إغلاق القنصلية الأمريكية في مدينة سان بطرسبورج .
(6) طرد (60) دبلوماسي أمريكي ، رداً على إجراء مماثل اتخذته واشنطن ، حيث أكد وزير الخارجية ” لافروف ” أنه ” بناء على مبدأ المعاملة بالمثل ، سنرد بالمثل بإعلان (58) موظف في السفارة الأمريكية في موسكو و(2) من موظفي القنصلية العامة للولايات المتحدة في يكاترينبورج ( أشخاص غير مرغوب بهم ) لأنشطة تتعارض مع الوضع الدبلوماسي .
(7) أبلغت الخارجية الروسية بريطانيا بضرورة سحب أكثر من (50) دبلوماسياً من بعثتها في روسيا ، وإمهالها شهراً لتنفيذ ذلك ، وذلك لكي يتساوى عدد الدبلوماسيين البريطانيين في السفارة البريطانية والقنصليات العامة لدى روسيا مع عدد الدبلوماسيين الروس الموجودين في بريطانيا .
(8) أعلنت الخارجية عدداً من الدبلوماسيين المعتمدين لديها أشخاصاً غير مرغوب بهم في روسيا .
(9) وجهت روسيا تحذيراً لرعاياها من السفر لبريطانيا خوفاً من تعرضهم للاعتقال ، كما حذرت رعاياها من ( إرسال أطفالهم للمدارس الصيفية لدراسة اللغة الإنجليزية ببريطانيا / أنهم ربما يواجهون إدخال أشياء غريبة في أمتعتهم عندما يسافرون إلى بريطانيا / استفزازات أخرى ) .
هذا ، و طالب الكرملين لندن بالاعتذار ، وذلك بعدما أعلن المختبر البريطاني الذي حلل المادة المستخدمة ضد ” سكريبال ” أنه لا يملك دليلاً على أن مصدره روسيا ، وأكد المتحدث باسم الكرملين ” بيسكوف ” أن نظريتهم لن تتأكد بأي حال لأنه من المستحيل أن تتأكد ، وأضاف أن وزير الخارجية ورئيسة الوزراء اللذان اتهما الرئيس ” بوتين ” عليهم مواجهة زملائهم في الاتحاد الأوروبي ، وتقديم اعتذار إلى روسيا .
و أكد مندوب روسيا في مجلس الأمن ” فاسيلي نيبينزيا ” أن روسيا ما كانت لتنتظر (8) سنوات لتنتقم من ” سكريبال ” ، وذلك بعد العفو عنه في عام 2010 ، فضلاً عن تنفيذ ذلك قبل أسبوعين من الانتخابات الرئاسية في روسيا وقبل أشهر من بطولة كأس العالم التي تنظمها ، موضحاً أن هناك مئات الطرق لقتل فرد ما ، ولكن من سعى لقتل ” سكريبال ” اختار أكثر الطرق صعوبة بتنفيذ ذلك بغاز الأعصاب ، حتى أنه لم يتمكن من إنهاء عمله باستمرار الشخصين على قيد الحياة ، موضحاً أن المادة الكيميائية السامة ( نوفيتشوك ) الذي يقول الغرب أنه روسي الصنع وتتهم بريطانيا روسيا باستخدامه في تسميم ” سكريبال ” هو موجود في العديد من الدول من بينهم ( الولايات المتحدة / بريطانيا ) .
كما أكد رئيس المخابرات الخارجية ” سيرجي ناريشكين “ أن تصرفات الولايات المتحدة تجاه روسيا تشير إلي أنه من الممكن الحديث عن عودة الحرب الباردة ، موضحاً أن الولايات المتحدة أصبحت تركز اهتمامها على محاربة شيء غير موجود يُسمى التهديد الروسي ، مضيفاً أن تسميم ” سكريبال ” عمل استفزازي أعدته أجهزة المخابرات ( الأمريكية / البريطانية ) .
الموقف المصري من الأزمة
تمثل الموقف المصري من تلك الأزمة في الوقوف على الحياد ، بعدم اتخاذ أي موقف سواء بالإيجاب أو السلب تجاه الأزمة ، حيث تحاول مصر الحفاظ على علاقاتها مع جميع الدول وعدم الدخول في تحالفات وتكتلات قد تؤثر على مصالحها أو علاقاتها الاستراتيجية مع الحلفاء على مستوى العالم ، خاصة ( روسيا / الولايات المتحدة / الاتحاد الأوروبي ) .
هذا و يرجع موقف مصر المحايد إلى :
(1) علاقاتها المتميزة مع الجانب الروسي خلال الفترة الأخيرة على كافة الأصعدة ( السياسية / الاقتصادية / العسكرية ) ، ورغبتها في تعزيز تلك العلاقات لتنعكس إيجاباً على الشعب المصري ، خاصة على الصعيد السياحي والاقتصادي ، في ظل (استئناف الرحلات الجوية الروسية لمصر خلال شهر إبريل الجاري / التعاون المصري – الروسي لبناء المحطة النووية بالضبعة ) .
(2) تربط مصر علاقات جيدة أيضاً مع الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي ، حيث تعتبر الولايات المتحدة داعم كبير لمصر لدى صندوق النقد وفي المحافل الدولية ، فضلاً عن تحسن العلاقات بين البلدين ، خاصة في ظل الإدارة الأمريكية الجديدة تحت إدارة ” ترامب ” ، ودعم مصر لأي طرف من أطراف الصراع في تلك الأزمة المتمثلة في ( روسيا من جانب / بريطانيا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وحلف الناتو من جانب آخر ) سيكون على حساب مصالحها الشخصية ، ولذلك تتبع مصر سياسة خارجية معتدلة لعدم توريطها في أي صراعات وحسابات خارجية .
التداعيات المحتملة للأزمة على الجانب الروسي
هناك العديد من التداعيات ( السياسية / الاقتصادية / الرياضية ) على روسيا جراء تلك الأزمة ، حيث من المتوقع أن تتعرض روسيا لحالة من العزلة الدولية جراء عملية طرد الدبلوماسيين الروس من عدد من الدول الأوروبية والأمريكية ، مما يزيد من العزلة والتوتر بين ( روسيا / الاتحاد الأوروبي / حلف الناتو ) .
اقتصادياً .. من المتوقع أن تتخذ دول أوروبية أعلنت تضامنها مع بريطانيا بدائل عن المنتجات الروسية ، خاصة الغاز ، ودخول الولايات المتحدة كبديل لها ، مما سيسبب خسائر كبيرة متوقعة في الاقتصاد الروسي ، كما يُمكن للحكومة البريطانية أن تقوم بتطبيق قانون ( مصادر الثروة غير المبررة ) على مجموعة من رجال الأعمال الروس الذين يعملون على أراضيها ، حيث إن هذا القانون عبارة عن مجموعة إجراءات محاسبة تم وضعها في يناير 2018 ويتيح للسلطات مصادرة ثروات وأموال الأفراد الروس المشتبه بتورطهم بأعمال إجرامية ، مما سيؤثر على الاقتصاد الروسي بشكل كبير .
رياضياً .. من المُتوقع أن تُؤثر الأزمة على بطولة كأس العالم لكرة القدم ، والتي تستضيفها روسيا خلال الفترة من (14 يونيو : 15 يوليو ) 2018 ، حيث قررت لندن عدم إيفاد أي من المسئولين والعائلة المالكة لحضور البطولة ، كما هددت أستراليا بمقاطعة كأس العالم ، فيما دعا عدد من الساسة البريطانيين الدول الأوروبية لمشاركة مخاوف لندن فيما يخص كأس العالم ، ومن المتوقع أن يؤدي ذلك إلى إرباك وإحراج روسيا في كأس العالم .
دوافع وأسباب التصعيد الأوروبي ضد روسيا
شهدت العلاقات ( الأوروبية / الروسية / الأمريكية ) العديد من الأزمات الأكثر أهمية من أزمة اغتيال ” سكريبال ” ، لكن لم تشهد تصعيداً لنبرة التهديد الأوروبية – الأمريكية لروسيا كتلك التي ارتبطت بتلك الأزمة ، واقتصر رد الفعل الأوروبي بشأن بعض تلك الأزمات على فرض عقوبات على موسكو مثل ( الأزمة الأوكرانية / الاتهامات الأمريكية لروسيا بالتورط في الانتخابات الرئاسية / أزمة الدروع الصاروخية للناتو وموقف روسيا المتشدد بشأنها ) ، لكن هناك العديد من الدوافع والأسباب وراء حالة التصعيد الحالية وتوقيتها ، منها الآتي :
أ – الخطاب الذي ألقاه الرئيس الروسي ” بوتين ” في مارس 2018 أمام البرلمان الروسي ، والذي أكد خلاله أن روسيا تمتلك العديد من الأسلحة الاستراتيجية النوعية ، والتي ستُحدث انقلاباً في موازين القوى العسكرية ، حيث إنها قادرة على الوصول لأي مكان في العالم ، وهو ما اعتبرته الدول الأوروبية تهديداً لها من قبل ” بوتين ” ولأمنها القومي ولمصالحها في أي منطقة من العالم ، كما اعتبرته أنه مؤشر على مرحلة جديدة من العلاقات مع روسيا تتسم بالتصعيد على المستوى العسكري ، خاصة وأن بريطانيا تُعد من أكثر الدول الأوروبية انتقاداً للسياسة الروسية في أوروبا بعد ضمها لشبه جزيرة القرم من أوكرانيا ، إضافة إلى تأييدها لاستمرار العقوبات الأوروبية المفروضة على موسكو ، وقيامها بتعزيز قوتها العسكرية المتواجدة في قواعد حلف الناتو بإستونيا خلال عام 2017 ، في أكبر عملية انتشار للقوات البريطانية في شرق أوروبا – الدول الأوروبية المحيطة بروسيا – ، وقد أراد ” بوتين ” من وراء ذلك الخطاب أيضاً تهديد الدول الأوروبية بعدم الانجرار وراء السياسات الأمريكية في الشرق الأوسط ، خاصة الملف السوري – تهديد فرنسا وبريطانيا باستهداف النظام السوري – .
ب – توتر العلاقات الأوروبية الروسية على خلفية تعامل روسيا مع الملف السوري ، ويتضح ذلك من خلال الآتي :
بالرغم من تطابق وجهات النظر ( الأوروبية / الروسية ) بشأن محاربة الإرهاب ، والتوافق الأوروبي على بقاء الرئيس السوري ” الأسد ” في السلطة باعتباره شريكاً فاعلاً في محاربة الإرهاب ، إلا أن الاستخدام المفرط للقوة العسكرية من قبل النظام السوري والطيران الروسي ضد المدنيين في الغوطة الشرقية استفز الدول الأوروبية ، خاصة بعد تقارير حول تورط النظام في استخدام أسلحة غازات سامة محرمة دولياً ، مما زاد من مخاوف أوروبا بشأن ترسانة الأسلحة الكيماوية السورية التي سبق وأن تعهدت روسيا بتدميرها في عام 2013 ، ومن ثم وجدت أوروبا أن النظام السوري لم يكن جاد في التخلص من ترسانته الكيماوية ، أو أنه حصل على السلاح الكيماوي من روسيا .
و قدمت بريطانيا العديد من مشاريع القرارات لمجلس الأمن بشأن الأوضاع الإنسانية في سوريا ، وتم وقفها من جانب روسيا عبر استخدام الفيتو ، ويعد ذلك استمراراً لإخفاقات مجلس الأمن في وقف السياسة الروسية في الغوطة الشرقية .
والرفض الأمريكي لحالة التنسيق الروسي – الإيراني داخل سوريا ، وذلك لتعارضه مع سياستها بشأن إجهاض المشروع الإقليمي لإيران عبر ( العراق / سوريا ) ، ورفضها لحالة التنسيق الروسي – التركي لتعارضه مع سياستها بشأن التعاون العسكري مع الأكراد السوريين في الشمال السوري .
و وجود تقارير ترجح رغبة أوروبية – أمريكية مشتركة للربط بين ملف الأسلحة الكيماوية السورية وملف روسيا الكيماوي ، وذلك على خلفية الاتهامات بأن المادة المستخدمة في محاولة اغتيال ” سكريبال ” شبيهة بتلك التي كان يتم إنتاجها خلال الحقبة السوفيتية ، وأن الغاز المستخدم من قبل النظام السوري في الغوطة مصدره روسيا ، وبالتالي تهيئة المجتمع الدولي لقبول ضربة عسكرية بريطانية – أمريكية محتملة ضد النظام السوري خلال المرحلة المقبلة ، بهدف كسر الهيبة الروسية الداعمة للرئيس ” الأسد ” من ناحية ، وإظهار أن الانتصار الروسي في سوريا ليس انتصاراً كاملاً ، وهو ما تعتبره روسيا احتمالاً ممكناً ، لذلك أعلنت هيئة الأركان الروسية أن إقدام الولايات المتحدة أو أياً من الدول الأوروبية على استهداف دمشق سيكون له عواقب وخيمة ، وذلك في مؤشر على احتمال استهداف روسيا للوجود العسكري الأمريكي في سوريا .
و تعتبر ( واشنطن / لندن ) هما المستفيدتان الأساسيتان من الأزمة ، حيث إن الدافع الرئيسي لهما هو تحقيق مكاسب ( اقتصادية / سياسية ) ، فبالنسبة للولايات المتحدة فهدفها هو تهميش روسيا في سوق الطاقة الأوروبية واستبدال الغاز الطبيعي الروسي بالغاز المسال الأمريكي ، فضلاً عن الحفاظ على هيمنة واشنطن على العالم عبر تشكيل تحالف جديد لإضعاف روسيا بأكبر قدر ممكن ، كما أن الإدارة الأمريكية بدأت شن حرب تجارية مع الصين ، خاصة بعد قرار الرئيس ” ترامب ” فرض رسوم جمركية على واردات الألومنيوم والحديد الصلب للولايات المتحدة ، وتسعى واشنطن للحصول على دعم أوروبا في تلك المعركة .
و تحاول بريطانيا من خلال إطلاقها حملة مضادة لروسيا التخلص من موقعها كدولة كانت تابعة للاتحاد الأوروبي وبدء سياسة عقوبات خاصة بها كدولة تطمح لدور قيادي في أوروبا – بعيداً عن الاتحاد الأوروبي – ، خاصة على خلفية الانسحاب من الاتحاد الأوروبي ، حيث تنظر رئيسة الوزراء ” ماي ” إلى القضية كفرصة مناسبة لخطف الأضواء وتثبيت نفسها كسياسية قوية .
السيناريوهات المُتوقعة لتك الأزمة
هناك العديد من السيناريوهات المتوقعة في تلك الأزمة ، وذلك في ظل حالة التصعيد المستمرة بين ( روسيا / بريطانيا ) من ناحية ، وبين ( روسيا / الولايات المتحدة ) من ناحية أخرى ، أبرزها الآتي :
السيناريو الأول : استمرار حالة التصعيد في إطارها الدبلوماسي ، كالطرد المتبادل للدبلوماسيين التي بدأتها بريطانيا ودعمتها الدول الأوروبية بخطوات مماثلة ، أو في إطار العقوبات الاقتصادية كتجميد الأصول الروسية في عدد من الدول الأوروبية ، واستهداف أنشطة تجارية لرجال أعمال روس داخل بريطانيا وباقي الدول الأوروبية ، إلى جانب استمرار فرض العقوبات الاقتصادية على الحكومة الروسية نفسها .
السيناريو الثاني : استهداف المصالح الاستراتيجية الروسية في الشرق الأوسط ، وذلك عبر توجيه ضربة عسكرية للنفوذ الروسي في سوريا ، باستهداف النظام السوري ، وذلك على خلفية وجود قناعة أوروبية بأن النظام السوري يستخدم الغاز الكميائي ضد المدنيين ، وهذا يتحقق حالياً على الأرض من تهديدات ( أمريكية – بريطانية – فرنسية ) بشن هجمات عسكرية ضد أهداف في سوريا بسبب مزاعم قيام الجيش السوري بشن هجوم كيميائي على مدينة دوما السورية ، ويُعتبر دعم بريطانيا للولايات المتحدة في تلك العملية بمثابة رد للجميل لوقوفها بجانبها في أزمتها مع روسيا ( أزمة سكريبال ) .
السيناريو الثالث : احتواء أطراف الأزمة لخلافاتهم عبر عقد قمة ( روسية – أوروبية ) ، وقمة ( روسية – أمريكية ) ، وذلك نظراً للمصالح المتشابكة بين البلدين .. وهذا السيناريو مستبعد حالياً في ظل التوتر الذي تشهده العلاقات خلال الفترة الحالية .