العمل من تحت الطاولة هو النهج الذي يسير عليه رؤساء الولايات المتحدة الأمريكية وقادتها في سياساتهم الخارجية التي لا تطمح إلا لتحقيق المصالح العليا لواشنطن متجاهلة كل من حولها.
بذات المبدأ، حرص ترامب قبل شهر طويلة، دول الخليج على مقاطعة قطر وفرض عقوبات عليها ومحاسبتها على دعمها للإرهاب في المنطقة دافعا بكل أذرعه الإعلامية والقانونية لإثبات تورط قطر في دعم وتمويل الإرهاب ومن ثم محاصرتها كليا من بعد زيارة لترامب إلى السعودية في يونيو 2017.
أرادت الولايات المتحدة الأمريكية تحقيق مصالح خاصة بها من الإيقاع بين الأشقاء بالخليج وتفريق قوتهم الاقتصادية والمجتمعية من خلال الدفع بدول الخليج لاتخاذ إجراءات عقابية ضد الدولة الصغيرة لمعاقبتها على أفعالها دون أن يتخذ البيت الأبيض بنفسه دورا في ذلك، بل إنه خرج ليتشبه في صورة “حمامة السلام” الداعية للاجتماع تحت رعايتها لمصالحة أطراف النزاع.
في بداية الأزمة، أبدى ترامب دعمه الضمني للمقاطعة، حتى إنه قال في تغريدة على موقع تويتر: “خلال رحلتي الأخيرة إلى الشرق الأوسط، ذكرت أنه لا يمكن أن يكون هناك تمويل للأيديولوجية الراديكالية، وأشار القادة الحضور إلى قطر”، ثم قال في تغريدة تليها: “من الجيد جدا أن زيارتي للمملكة للقاء الملك السعودي وقادة 50 دولة بدأت تؤتي ثمارها فقد أكدوا أنهم سيتخذون موقفا متشددا من تمويل الإرهاب”، ثم تابع قائلا: “جميع الإشارات كانت تشير إلى قطر بدعمها للتطرف، ولعل هذا سيكون بداية النهاية لرعب الإرهاب”.
الرسائل المضطربة الصادرة من البيت الأبيض ذات الأوجه المتعددة والمعقدة فضحت موقف واشنطن تجاه قطر التي حافظت معها على علاقات سوية على الرغم من موقفها الداعم للمقاطعة في البداية والذي فوجئ العالم بتغييره من خلال تبرئة أمريكا للدوحة ضمن تقرير الخارجية السنوي للإرهاب واصفة إياها بالحليف الأساسي لها في محاربة الإرهاب بالمنطقة ومساعدا على مواجهة تنظيم داعش الإرهابي والعناصر المتطرفة حول العالم.
أرادت واشنطن، وبشكل مفاجئ أيضا الدفع بالرياض والدوحة نحو المصالحة بهدف تعزيز موقف الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة ضد تنظيم داعش الإرهابي خاصة وأن استمرار النزاع بين الجانبين سيخلق بيئة أكثر تحديا للولايات المتحدة في الشرق الأوسط للولايات المتحدة وسيحد من قدرة البيت الأبيض على تحقيق أهدافه في المنطقة.
ولما فشلت إدارة ترامب في إيجاد نية من الطرف الخليجي لمصالحة جدية تحقق هدفها، لجأت لسياسة لي الذراع من خلال تهديد دول الخليج بإلغاء قمة كامب ديفيد المقرر انعقادها خلال فصل الصيف المقبل، في حال عدم توصلهم لاتفاق فيما بينهم لحل الأزمة مع قطر.
وتضمنت الشروط الأمريكية لعقد القمة في المنتجع الرئاسي الواقع في جبال كاتوكتين بولاية ميريلاند، أن تتخذ دول الخليج خطوات لتسوية الخلاف الذي اندلع بينها قبل نحو عام، وإلا فلا فائدة من الانعقاد وهو ما بدا ظاهرا في الخطاب الرسمي الأمريكي خلال الحوار القطري الأمريكي الإستراتيجي الذي انعقد مؤخرا في واشنطن وبدت فيه وجهة النظر الأمريكية شديدة القرب من نظيرتها القطرية حيث خلا من أي إشارة سلبية لها، بل كانت الإشارات واضحة بدورها وتقدمها في مجال مكافحة الإرهاب، وتمويله والاتجار بالبشر.
وخلال الأيام القليلة المقبلة سيتضح للعالم تفاصيل جديدة للضغوط التي مارستها واشنطن على دول الخليج من أجل إجبارها على المصالحة مع قطر، التي ترى مصلحتها فيها في الوقت الحالي، وذلك من خلال الخطوات التي ستتبعها دول الخليج لوضع حد للأزمة وإنهائها مقابل انعقاد قمة كامب ديفيد التي يعلق عليها قادة الخليج الكثير من الآمال والطموحات بشأن علاقاتهم مع الولايات المتحدة.