وصف الباحث غاليب دالاي، في مقال نشرته مجلة فورين أفيرز الأمريكية، التحالف الذي شكله الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وحزبه العدالة والتنمية مع حزب الحركة القومية التركي، من أجل تأييد التعديلات الدستورية التي جرى تمريرها في الاستفتاء الأخير في 16 أبريل الماضي، بأنه “تحالف هش”، مشيراً إلى أن تركيا لن تشهد إصلاحاً سياسياً هادفاً عقب الاستفتاء.
يذكّر كاتب المقال أن الجمهورية التركية شهدت سبعة استفتاءات، ثلاثة منها في فترة حكم حزب العدالة والتنمية، ولكن الاستفاء الأخير يُعد الأكثر أهمية سياسياً؛ إذ إن تصويت الناخبين الأتراك بـ “نعم” لصالح الاستفتاء (51,4% فقط من الأصوات) من شأنه أن يسفر عن تغيير جذري في طبيعة النظام السياسي التركي الذي سوف يتحول من النظام البرلماني إلى نظام رئاسي جديد يحظى بقدر أكبر من السلطة التنفيذية ويضع جميع السلطات في أيدي الرئيس.
تغير جذري
وعلى الرغم من هذا التغير الجذري، فإن الاستفتاء لم ينتج عنه سوى القليل من الإثارة داخل الأوساط التركية، ويرجع ذلك، بحسب الكاتب، إلى أن تأثيره، في المدى القريب، سيكون محدوداً على هيكل السلطة التركية والسياسات المحلية؛ إذ سوف تستمر سيطرة أردوغان وحزبه على السلطة الحقيقية في البلاد. والواقع أن هذا هو التبرير الذي لجأ إليه زعيم حزب الحركة القومية التركي، دولت باهشلي، لدعمه حزب العدالة والتنمية في التعديلات الدستورية، بحجة أن الاستفتاء لن يؤدي إلى شيء سوى إضفاء الشرعية على نموذج الحكم الذي تجري ممارسته فعلاً.
فوز ضئيل
ويلفت الكاتب إلى سبب آخر لذلك يتمثل في أن الاستفتاء قد تم تمريره بفوز ضئيل وهامش ضيق في الأصوات بين المؤيدين والمعارضين للتعديلات الدستورية، ومن ثم فإنه حتى الأحزاب المؤيدة للاستفتاء (كل الأحزاب الدينية والمحافظة) فشلت في إقناع نسبة كبيرة من ناخبيها بالحاجة إلى تغيير النظام السياسي، وهذا يعني أن قاعدة الناخبين الذين صوتوا بـ “لا” لم تكن قاصرة فقط على أتباع أحزاب المعارضة (حزب الشعب الجمهوري وحزب الشعوب الديمقراطي) وإنما تضمنت أيضاً جزءاً كبيراً من الموالين للأحزاب المؤيدة للاستفتاء.
استفتاءات حزب العدالة والتنمية
ويعتبر الكاتب أن الاستفتاءين السابقين اللذين شهدتهما تركيا خلال فترة حكم حزب العدالة والتنمية كانا بمثابة مقدمة للرئاسة التنفيذية؛ حيث قرر الحزب في عام 2007 إجراء انتخابات مبكرة وطرح استفتاء يسمح للجمهور بانتخاب الرئيس بدلاً من البرلمان، وذلك على خلفية مقاومة المؤسسة العلمانية في تركيا احتمالية أن يصبح نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية آنذاك عبد الله غول رئيساً لأن زوجته كانت ترتدي الحجاب الإسلامي، وتم تأييد هذا الاستفتاء بنسبة 69% من الأصوات رغم أن حزب العدالة والتنمية كان قد حصل على 46,5% فقط من الأصوات في الانتخابات العامة للعام 2007.
وفي عام 2009، انخفض تأييد حزب العدالة والتنمية في الانتخابات المحلية ولم يحصل إلا على 38% فقط من أصوات الناخبين، ومع ذلك جرى تأييد الاستفتاء الذي طرحه الحزب في عام 2010 حول إعادة هيكلة السلطة القضائية العليا بنسبة 58% من أصوات الناخبين. ويعني هذا أن حزب العدالة والتنمية نجح، خلال هذين الاستفتاءين، في إقناع جزء كبير من الناخبين الذين لم يصوتوا لصالحه في الانتخابات العامة (أكثر من 20%) بأهمية التعديلات الدستورية المقترحة، ولكن ما حدث في الاستفتاء الأخير (16 نيسان الماضي) كان عكس ذلك تماماً؛ إذ من الواضح أن ما بين 11 و12 في المئة من مؤيدي حزب العدالة والتنمية وحزب الحركة القومية رفضوا التغيير الدستوري “الرجعي” و”انتهاك” الفصل بين السلطات، وذلك رغم الحملات المكثفة لمؤيدي التعديلات الدستورية وأجواء الاستقطاب السياسي، ويرى الكاتب في ذلك علامة مشجعة لمستقبل الديمقراطية التركية.
تحالف هش
ويوضح الكاتب أن المسار المستقبلي للسياسة التركية حتى عام 2019 يتوقف على كيفية تعامل أردوغان وحزب العدالة والتنمية مع المؤيدين للاستفتاء، وتحديداً التحالف الرسمي الذي شكله الأخير مع حزب الحركة القومية وكذلك الدعم الإضافي من أصوات بعض الناخبين الأكراد، بيد أن هذا التحالف “الهش” لن يفضي إلى إصلاح سياسي هادف في تركيا، على الأقل على المدى القصير، لاسيما
أن التطلعات السياسية مختلفة بين الحزبين، ومن شأن أي محاولة للتفاوض على المطالب السياسية للأكراد أن تقود إلى انهيار التحالف مع حزب الحركة القومية المناهض للأكراد.
انتخابات مبكرة
وعلى الأرجح أن حكومة حزب العدالة والتنمية لن تتخذ خطوات سياسية لمكافأة الأكراد على دعمهم، وسيكون الاختبار الحقيقي إذا قامت الحكومة بعمليات عسكرية جديدة ضد الأكراد في سوريا أو العراق، وهو ما ألمح إليه أردوغان في بعض الخطب عقب الاستفتاء. ولا يستبعد الكاتب إمكانية إجراء انتخابات مبكرة إذا رأى أردوغان أن المناخ السياسي مواتياً بدلاً من الانتظار للموعد المقرر لعقد الانتخابات المحلية والبرلمانية والرئاسية المقبلة في عام 2019.
وبغض النظر عن توقيت الانتخابات، فإن أردوغان سيحاول الإبقاء على التحالف “الهش” للحصول على أصوات الناخبين القوميين والمحافظين، إذ تستهدف تصريحات أردوغان، حول إعادة عقوبة الإعدام والاستفتاء على عضوية تركيا في الاتحاد الأوروبي، كسب تأييد حزب الحركة القومية المؤيد لعقوبة الإعدام والمناهض للاتحاد الأوروبي، ولكن مثل هذه الاقتراحات لن تحظى بشعبية بين الأكراد.
نهج أردوغان
وعقب توليه رئاسة حزب العدالة والتنمية في 21 مايو الجاري خلال المؤتمر الاستثنائي للحزب، سوف يعمد أردوغان، بحسب الكاتب، إلى اتخاذ إجراءات للإيحاء بأن تركيا تشهد مرحلة جديدة ومنها تجديد اللجان التنفيذية والمركزية والهيئات الرئيسية الأخرى، وربما يتم تغيير مجلس الوزراء وهيكل الحزب، ولكن أردوغان سوف يستمر في انتهاج السياسات ذاتها بدلاً من الالتفات إلى خسارته لتصويت المدن الثلاث الكبرى في الاستفتاء الأخير (أنقرة واسطنبول وإزمير).
ويختم الكاتب بأن فرصة الإصلاح لا تزال محدودة لمعالجة الأخطار الجسيمة الناجمة عن تمرير التعديلات الدستورية من خلال الاستفتاء الذي أحرز فيه أردوغان فوزاً هزيلاً ولا يمكن اعتباره انتصاراً سياسياً حقيقياً، وبخاصة لأن الانتصار يتوقف على إدارة فترة ما بعد الاستفتاء أكثر من نتائج التصويت ذاته، واتخاذ التدابير السليمة ومنها إصلاح الأحزاب السياسية ومواءمة القوانين والتشريعات لتمهيد الطريق للانتقال إلى نظام الرئاسة التنفيذية في عام 2019 وتعزيز السلطة التشريعية في مقابل السلطة التنفيذية. وحتى الآن لا توجد لدى الحكومة أي نية لاتخاذ مثل هذة التدابير، ومن ثم فإن الاستفتاء لن يخفق فقط في حل الأزمة السياسية في تركيا وإنما سوف يعمقها أيضاً.