تطبيقات حديثة في التشخيص الطبي
A A لم يعد استخدام الطبيب لخبراته ومهاراته الحسية باللمس، والتحسس، والسمع، كما كان معهوداً في السابق، كافياً ولا مقبولاً في عصر الطب المبني على الأدلة والبراهين، إذ وبعد أن كان التشخيص يتم باستخدام تلك الوسائل البدائية البسيطة أصبح اليوم تحدياً كبيراً للأطباء بوجود الوسائل المتطورة للتشخيص، سواء المختبرية منها أو الشعاعية أو التنظيرية، أو حتى التدخلات الجراحية التشخيصية.
ومنذ وقت ليس ببعيد، بدأ العلماء والباحثون في مجال التشخيص الطبي في تقديم العديد من الإنجازات حول النظريات والمفاهيم الهامة المتعلقة بهذا المجال الطبي الحيوي، وجعلها قابلة للتطبيق، حيث إنها بلا شك قد ساعدت في توفير الطرق، ومهدت لجيل جديد من الأدوات لتحسين نتائج الصحة والاكتشاف المبكر للأمراض.
التقت «صحتك» الدكتورة إلهام بنت طلعت بن محمود قطان، أستاذة الفيروسات الممرضة والجزيئية المساعدة، مساعدة عميدة الدراسات الجامعية بالعلا، عميدة كلية العلوم الطبية التطبيقية فرع العلا، والمكلفة بينبع، عضو مجلس إدارة الجينات والأمراض الوراثية بالمدينة المنورة، والمشرف العام على مركز سدرة للاستشارات والدراسات الإحصائية، لتسليط الضوء على هذا الجانب المهم في المجال الطبي وتشخيص الأمراض، والمستجدات التي دخلت المجال، وساهمت في دقة التشخيص والتوصل إليه في وقت قصير وقياسي.
أوضحت الدكتورة إلهام قطان أنه منذ اكتشاف سماعة الطبيب قبل مائتي سنة، اتخذ تشخيص الأمراض بعداً مختلفاً عما كان عليه ذي قبل، ومن ذلك الحين وإلى العصر الحديث شهد الطب تطوراً مذهلاً في كافة المجالات التشخيصية والعلاجية والوقائية والتأهيلية، مما أدى إلى تغيّر العلاقة بين الطبيب والمريض، كما هو الحال في التطور الذي طرأ على غيره من العلوم، بفضل التوسع الأفقي في التكنولوجيا.
وأضافت، أن نطاق نشوء التكنولوجيا ودخولها في مجال التشخيص الطبي هو في واقع الأمر ضرب من الخيال العلمي الذي ظهر مع الأجهزة الجديدة التي مكنت، على سبيل المثال، في الكشف عن مجموعة من الأعراض المرضية في ثوانٍ معدودة مما أكسب التشخيص سهولة وواقعية.
وأشارت د. قطان إلى أن هناك، بالتأكيد، الكثير من الاهتمام بالبيانات والبحوث في الطب التطبيقي التي تركز على النتائج طويلة الأجل في هذا المجال، مثل التصحيح الذي يستخدم مجموعة من الإشارات لتحديد مرض معين أو عيب خلقي محدد، وحينئذ ومن أجل تحقيق هذه المنظومة، وجب الاهتمام بتحسين تكنولوجيا التعليم وتحليل كميات البيانات المدخلة ذات الصلة بالمرض علمياً وسريرياً، مع وضع استراتيجيات لدمج جميع العوامل المتعلقة بالمرض والتشخيص عن طريق توحيد شمولية السياسات والإجراءات وضمان تطبيقها.
ابتكارات الطب التكنولوجي
وأشارت د. قطان إلى كتاب «الطب التكنولوجي – العالم المتغير للأطباء والمرضى» لستانلي جويل ريزر المترجم إلى العربية، وأن قراءة سريعة وقصيرة في هذا الكتاب سوف توضح لنا ابتكارات تكنولوجيات الطب ونجاحها في الطرق التي تمارس بها التجديدات أو الابتكارات الطبية. ومن التكنولوجيات الحديثة، نذكر: الأشعة السينية، التصوير بالأمواج فوق الصوتية، جهاز التنفس الصناعي، ثم ابتكار الممارسات المطورة في العناية الصحية بفاعلية مع الطب التكنولوجي وخروج اكتشاف الأشعة السينية (X Ray) للرؤية داخل الجسم، وتطور جهاز التنفس الاصطناعي وما وصل إليه في مساعدة ضحايا شلل الأطفال والغيبوبة، وهذا ما عُرف بالاختراق التكنولوجي، الذي أصبح الآن يُثير الرؤى حول الاختراعات المختلفة والتطوير التقني فيها، وتكامل العلاقة بين الطبيب والمريض في الدلائل التشخيصية التي ترتبط ببعضها البعض.
ورغم كل هذا التطور الكبير، فإن سماعة الطبيب كانت وما زالت هي الدالة الرئيسة على التشخيص المبدئي المبني سابقاً على الكلمات والشعور وروايات المريض والملاحظات الجسدية واللمس والتعبير الحركي، وذلك لاستكشاف مظهر المريض الخارجي، إضافة إلى المواد التي يفرزها ويطردها الجسم مروراً بتقييم النبض وقياس حرارة الجسم ونمو الأورام تحت الجلد، إلى أن بدأت الثورة الحقيقية في تحديث طريقة التشخيص وكيفية التعامل مع المرض.
وذكرت د. إلهام قطان أنه مع ازدياد وشيوع انتشار الأمراض غير المتناقَلة بالعدوى، كالسرطان واضطرابات القلب والأوعية الدموية وداء السكري وأمراض الكلى وغيرها في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك في البلدان المنخفضة الدخل والبلدان المتوسطة الدخل، على حد سواء، وتنامي عدد الأشخاص الذين يعانون من هذه الحالات المرضيَّة، فإن الأمر بات يلقي أعباءه على كاهل الحكومات التي كثيراً ما تفتقر إلى الموارد اللازمة، سواءً البشرية أو المالية أو التقنية لتشخيص هذه الحالات المرضية المتزايدة، وبالتالي علاجها على نحو فعَّال. كما ظهرت تحديات جديدة واجهت الأطباء بسبب عدم قدرتهم على استيعاب الكميات المتزايدة من المعرفة الطبية والتقنية، ناهيك عن بذل الجهد في توفير التمويل للأجهزة الحديثة التي باتت تفرض نفسها على أرض الواقع، والتي أدت بالتالي إلى تضييق مدى الممارسة والتخصص في المجالات الطبية، وذلك لتسهيل العمل والتشخيص دون إخفاق في تقديم الفائدة المرجوة والمتكاملة للمريض.
تخصصات فرعية دقيقة
أشارت د. إلهام قطان إلى أنه بناءً على دخول الكومبيوتر وتطور نظام المعلوماتية والتحاليل الافتراضية المرتبطة بالاستنتاجات الفعلية في الطبّ والتشخيص، فقد شهد ميدانُ الطب تقدُّماً وإنجازات لا سابقة لها. فإلى جانب الاكتشافات العديدة مثل اللقاحات والمضادات الحيوية، فقد ظهرت تقنيات وفروع تخصصية أكثر دقة مثل التشخيص الجزيئي والبروتيني والطب النووي الإشعاعي الذي استطاع أن يمكِّن الأطباء من ملاحظة أداء الوظائف العضوية الفيزيولوجية والنشاط الأيضي (الاستقلابي) داخل الجسم البشري، حيث إن اكتشاف الإشعاعات والنويدات المشعَّة لاستخدامها في الطبّ أدى إلى خيارات أكثر تنوعاً وفعالية في مجالات الوقاية والتشخيص والمعالجة لكثير من الحالات المرضية.
كذلك، فإنَّ أمراضاً مثل السرطان، التي كانت تُعتبر عصية على التدبُّر، ومميتة، فقد أمكن الآن تشخيصها في وقت مبكر ومعالجتها بمزيد من الفعالية باستخدام تقنيات نووية، مما أتاح للمرضى خياراً في محاربة المرض، وبالنسبة للكثيرين فقد بات فرصة بالغة الأهمية في الشفاء.
العلاج عن بعد
أوضحت د. إلهام قطان أن الطرق الإجرائية التشخيصية خارج الجسد، التي تتم باستخدام الأجهزة الحديثة تعتبر بمثابة بوابة العبور التي تخفف من معاناة المريض، وتسهل على الطبيب سبل التشخيص وكيفية الاستطباب والعلاج مبكراً. ومما لا شك فيه أن الأجهزة الحديثة التي تحتاج إلى وقت أطول لشرحها وسرد التطور الذي أدى لاكتشافها، قد وفرت وأحدثت نقلة نوعية لاكتشاف وتشخيص الأمراض. وما زال العديد من الاكتشافات في طريقها لتمكين الأطباء من التنبؤ بالمرض قبل حدوثه. ومع هذا الأمر تتشكل المتابعة والوقاية قبل التشخيص، وهي الفكرة التي تولدت معها تقنية أخرى هي التشخيص بنقل البيانات والعلاج عن بعد.
إن توارد النظريات والفرضيات العلمية من القرون السابقة مروراً بالقرن الحالي أدى بالتأكيد إلى ابتكار رموز تشخيصية دقيقة على المستوي الجيني والجزيئي والفحوص التي ترمي إلى الكشف المعلوماتي عن المسببات المرضية والمناعية المتداخلة وراثياً. لقد بات التسابق المطرد في التطور التقني للعلاج والتشخيص أمراً حتمياً، وكذلك تسابق الشركات الطبية المختلفة وسط انتصارات التكنولوجي الحديثة للعناية بالصحة والرعاية المستمرة كمنظومة لتفعيل وتطويع هذه الخدمات التي لها الأثر البالغ في حياة البشرية وراحتها وتوفير العيش لها بصحة وأمان. الصحة