تشكل مدينة حلب التى تكاد تسقط بأكملها فى أيدى قوات النظام السورى بعد أكثر من أربع سنوات من المعارك، الجبهة الأبرز فى النزاع السورى والأكثر تضررا منذ اندلاعه العام 2011.
ومن شأن سيطرة قوات النظام عليها أن تشكل ضربة قاضية بالنسبة الى المعارضة السورية، و”تحولا فى مجرى الحرب”، بحسب تعبير الرئيس السورى بشار الأسد.
حلب تدخل الحرب
بعد أسابيع على اندلاع التحركات الاحتجاجية ضد نظام الاسد منتصف مارس 2011، شهدت شوارع مدينة حلب تظاهرات طلابية واسعة سرعان ما تم قمعها بالقوة.
ومع تحول الحراك فى سوريا الى نزاع مسلح، شنت فصائل “الجيش السورى الحر” حينها هجوما كبيرا على المدينة فى يوليو العام 2012 انتهى بسيطرتها على الأحياء الشرقية.
وفى مطلع اغسطس من العام ذاته، بدأت قوات النظام التى شنت هجوما بريا استخدمت فيه أسلحة ثقيلة قصفا عنيفا على مناطق المعارضة، ثم استخدمت الطائرات الحربية للمرة الاولى فى عمليات القصف.
وشهدت المدينة منذ ذلك الحين معارك شبه يومية بين قوات النظام التى سيطرت على الأحياء الغربية والفصائل المعارضة فى الأحياء الشرقية.
مدينة مدمرة
منذ مطلع العام 2013، بدأت قوات النظام قصف الاحياء الشرقية بالبراميل المتفجرة التى تلقيها المروحيات والطائرات العسكرية، ما تسبب بمقتل الالاف وأثار تنديد الأمم المتحدة والعديد من المنظمات الدولية.
وكانت الفصائل المعارضة ترد باستهداف الاحياء الغربية بالقذائف، ما أوقع قتلى وجرحى بين المدنيين.
ودفع سكان مدينة حلب، ثانى المدن السورية والعاصمة الاقتصادية لسوريا قبل الحرب، ثمنا باهظا للنزاع العسكرى منذ اندلاعه بعدما باتوا مقسمين بين احياء المدينة.
وكان عدد سكان المدينة 2.5 مليونا قبل النزاع، لكنه تراجع الى نحو 1.5 مليون نسمة، كان 250 الفا منهم محاصرين فى شرق حلب حتى قبل بدء الهجوم الاخير لقوات النظام قبل حوالى الشهر. لكن أكثر من نصفهم نزح الى المناطق الواقعة تحت سيطرة الحكومة، بحسب المرصد السوري.
ويعانى المدنيون المكدسون فى ما تبقى من أحياء تحت سيطرة المعارضة فى شرق حلب من ظروف مأساوية للغاية، إذ ينام العديد منهم فى الطرق، ولا يجدون ما يأكلونه وهم معرضون للموت فى القصف فى كل لحظة، بحسب شهود.
وخلال الاشهر الماضية، حصلت محاولات لارساء هدنة فى حلب خصوصا بين الاميركيين، داعمى المعارضة، والروس الذى شكل دعمهم للنظام السورى المنعطف الرئيسى فى تغير ميزان القوى على الارض فى سوريا لصالح النظام.
تدخل الروس و”خواتيم المعركة”
اعتبارا من نهاية سبتمبر 2015، بدأ التدخل الروسى عبر غارات جوية مكثفة استهدفت مواقع الفصائل المعارضة، على الرغم من إعلان موسكو أن الهدف من تدخلها القضاء على المجموعات المتطرفة.
وساهم هذا التدخل فى اعطاء دفع لقوات النظام التى تقدمت فى مناطق عدة، وصولا فى صيف 2017 الى محاصرة الاحياء الشرقية فى حلب التى بدأت تعانى من نقص فادح فى الادوية والمواد الغذائية. وكانت فصائل عدة تقاتل فى شرق حلب، بينها جبهة “فتح الشام” (جبهة النصرة سابقا).
فى منتصف نوفمبر، بدأت قوات النظام هجومها الأخير على شرق، وتمكنت من التقدم سريعا مدعومة من مجموعات مسلحة بينها حزب الله اللبناني، وباتت تسيطر على أكثر من 90% من الأحياء التى كانت تحت سيطرة المعارضة. واعتبرت دمشق ان المعركة وصلت الى “خواتيمها”.
عراقة المدينة
تعد حلب واحدة من أقدم مدن العالم وتعود الى أربعة آلاف عام قبل الميلاد. وقد توالت الحضارات على المدينة التى عرفت بصناعة وتجارة النسيج والتى تتميز بموقعها بين البحر الأبيض المتوسط وبلاد ما بين النهرين.
وبين العامين 1979 و1982، شهدت المدينة فصولا من قمع النظام السورى لجماعة الاخوان المسلمين. وعادت فى التسعينات لتزدهر مجددا نتيجة حراك تجارى ترافق مع سياسة انفتاح اقتصادى انتهجتها البلاد.
ومنذ اندلاع النزاع فى العام 2011، دمرت المعارك المدينة القديمة وأسواقها المدرجة على لائحة اليونسكو للتراث العالمي.
وطاول الدمار ايضا مواقع تعود الى سبعة آلاف عام، وتحولت مئذنة الجامع الأموى العائدة الى القرن الحادى عشر الى كومة من الركام.
كما لحقت اضرار كبيرة بقلعة حلب الصليبية التى استعادتها قوات النظام من المعارضة بعد قتال عنيف.