شارك الرئيس، اليوم، في جلسة الحوار رفيع المستوى تحت عنوان “الانتقال بالتعاون إلى العصر الرقمي”، وذلك في إطار المنتدى الأوروبي الأفريقي رفيع المستوى بفيينا، حيث ألقى الرئيس كلمة خلال الجلسة.
وقال الرئيس السيسي: “إن قارتنا الأفريقية حققت على مدار السنوات العشر الماضية، معدلات نمو إيجابية مستدامة، غير أن هذا الأداء الاقتصادي، الذي تمكن من الصمود رغم التقلبات الاقتصادية العالمية، لم يحقق المستهدف منه بعد، نظرًا لصعوبة الأوضاع الاقتصادية في العديد من بلدان القارة، وشروط التجارة والاستثمار الدولي غير المواتية، وتحديات الأمن والاستقرار، التي تحول دون ترجمة هذا النمو لتحسن ملموس في حياة الأفراد، فضلًا عن تزايد مخاطر النزاعات المسلحة والأنشطة الإرهابية والإجرامية العابرة للحدود، واستمرار التدخلات الخارجية التي تؤثر على استقرار المجتمعات والدول”.
وأوضح الرئيس: “وفي هذا الإطار، نسعى من خلال عملنا المشترك، والتفاعل الإيجابي مع شركائنا من الدول والمؤسسات، لتحقيق التنمية المستدامة، التي من شأنها تبديد مخاوف أبنائنا وبناتنا من المستقبل، وتحقيق تطلعاتهم في الحياة الآمنة الكريمة”.
وأضاف السيسي: “أن من أهم التحديات التي تواجه شعوبنا، هي التغلب على دعاوى الانغلاق والحمائية، ولعلكم تتفقون معي بأن موضوعات التحول الرقمي وتكنولوجيا المعلومات، تمثل البوابة الذهبية لتحقيق هذا الهدف، كما أنها من أهم محفزات النمو الاقتصادي، وأحد دعائم التنمية المستدامة، وركيزة أساسية لبناء اقتصاديات تنافسية ومتنوعة، وإقامة مجتمعات حديثة داعمة للمعرفة والابتكار، وجاذبة للاستثمارات، من خلال توفير فرص عمل استنادًا إلى عوائد الابتكار والتجديد”.
وتابع: “إن قارتنا الأفريقية مؤهلة أكثر من غيرها، للتعامل مع الأدوات المستحدثة في القرن الحادي والعشرين، خاصة أن 60% من سكان أفريقيا البالغ تعدادهم 1.2 مليار نسمة هم دون سن 25 عامًا، ينضم منهم 12 مليون لسوق العمل سنويا، وهو ما أدى إلى ارتفاع معدلات البطالة، أو غياب الأمن الوظيفي في أفريقيا”.
واستطرد السيسي: “وإيمانًا من مصر بأهمية التحول الرقمي، فقد خطت على هذا الطريق بشكل ملموس، وعمدت إلى وضع خطة شاملة لنشر الوعي المجتمعي بأهمية التحول الرقمي، وتحقيق طفرات على صعيد البنية التحتية الرقمية، وتوطين التكنولوجيا في مختلف المحافظات المصرية، وذلك من خلال عدة مشروعات، على رأسها مشروعات منصة تقديم وتبادل الخدمات الحكومية، وتطوير الإدارة المحلية بالأحياء والمدن، ونظام تسجيل المواليد والوفيات، إلى جانب تنفيذ عدد من المبادرات، أهمها مبادرة المعامل الإلكترونية المتكاملة بالمناطق التكنولوجية، ومبادرة تصميم وتصنيع الإلكترونيات محليًا، كما تم إنشاء الأكاديمية الوطنية لتكنولوجيا المعلومات لذوي الاحتياجات الخاصة، لتمكين أبنائنا من ذوي الاحتياجات الخاصة من استخدام الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، وإتاحة الفرصة لهم لمواكبة التطورات الحديثة، والمشاركة فيها”.
وذكر السيسي: “إننا في مصر نعتز كثيرًا بانتمائنا الأفريقي، الذي دون الارتكاز عليه لن تؤتي جهودنا العائد الأمثل على الصعيدين المحلي والقاري. وعليه، فقد سعت مصر ونجحت، في استضافة معمل الأمم المتحدة الأفريقي لرعاية الإبداع التكنولوجي، والذي تم تجهيزه بأحدث الوسائل العلمية والتكنولوجية، لتعزيز قدرات الباحثين والعاملين بالمجالات التكنولوجية، من مختلف أنحاء القارة الأفريقية، على صياغة حلول تكنولوجية مبتكرة، تساهم في مواجهة التحديات العالمية، وتنفيذ أهداف الأمم المتحدة التنموية 2030، والأجندة الأفريقية للتنمية 2063”.
وأكد: “كما قمنا بإطلاق مبادرة أفريقيا لإبداع الألعاب والتطبيقات الرقمية، بهدف تدريب 10 آلاف شاب مصري وأفريقي، كمطوري ألعاب وتطبيقات إلكترونية خلال الثلاث سنوات المقبلة، ودعم إنشاء 100 شركة متخصصة في هذه المجالات في مصر والقارة الأفريقية، وانتهت مصر الشهر الماضي، من استضافة النسخة الحادية والعشرين، من معرض القاهرة الدولي للاتصالات وتكنولوجيا المعلومات ICT، والذي يُعد ملتقى لشركات القطاع العام والخاص، لعرض أبرز ما توصلت إليه، على صعيد الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات”.
وتابع: “تأتي موضوعات التكنولوجيا والتحول الرقمي، ضمن الأولويات الرئيسية لأجندة 2063، حيث تهدف الدول الأفريقية إلى ربط القارة، من خلال مشروعات البنية التحتية عالية المستوى، في مجالات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات. وقد تم في هذا الشأن تدشين مشروع الشبكة الإلكترونية الأفريقية، في مجالات التعليم والعلاج عن بُعد، باعتباره أحد المشروعات الرائدة في القارة، والمرتبطة بأجندة 2063”.
وقال: “وتعول القارة الأفريقية على شركائها في أوروبا والعالم، للتعاون في مجالات تكنولوجيا المعلومات، ونقل وتبادل الخبرات في هذا القطاع الهام، لتعظيم الاستفادة منه، وإنشاء جيل جديد، قادر على قيادة برامج التحول الرقمي، وإدارة أنظمة العمل في البيئة الرقمية”.
ولفت إلى أنه في هذا الإطار تتطلع دولنا للمزيد من الاستثمارات الأجنبية في مجال التحول الرقمي، وتيسير شروط الائتمان الأفريقية، سواء في الإطار الثنائي، أو من خلال محافظ مؤسسات التمويل الدولية والإقليمية، كما نتطلع إلى تبادل الخبرات والمعلومات مع الشركاء، في مجالات تكنولوجيا المعلومات واستخدام نظم المعلومات، وتفعيل الشراكة بين القطاعين الخاص والعام، لربط تكنولوجيا المعلومات والنقل والطاقة الجديدة والمتجددة، والعمل على ربط الدول الأفريقية ببنية تحتية، تؤمن جودة الاتصالات وسهولة نقل السلع والخدمات.
وقال إن تطبيقات العصر الرقمي، قادرة على المساهمة في إيجاد بعض الحلول العملية، لقضية تؤرق البشرية بأسرها، وهي مخاطر تغير المناخ، وزيادة الانبعاثات والاحتباس الحراري الذي يتولد عنها، وهنا نقدّر أنه من خلال العمل المشترك على توظيف التقنيات الرقمية، يمكن تقديم حلول مبتكرة للتعامل مع هذه الظاهرة الخطيرة.
وشدد الرئيس على أهمية التعاون المشترك لمواجهة هذه التحديات، وضرورة المضي قدمًا، في وضع أطر وآليات تنفيذ وتمويل واضحة لمستقبل العلاقات الأفريقية الأوروبية، ترتكز على أسس الاحترام المتبادل، والندية، والمسئولية المتبادلة التاريخية، بما يؤمن لأولادنا وبناتنا جميعًا مستقبلًا أفضل، وعالمًا تسوده الرفاهية والأمان والرخاء.