تحقيقات و تقاريرعاجل

تفاقم الأزمة بجمهورية الكونغو الديمقراطية

تشهد جمهورية الكونغو الديمقراطية حالة من عدم الاستقرار السياسي الأمني ، في ضوء تمسك قوى المعارضة بضرورة رحيل الرئيس ” جوزيف كابيلا ” من السلطة بحلول نهاية العام الجاري ، فضلاً عن تدهور الأوضاع الأمنية بعدة مناطق بشرق البلاد ، نتيجة عودة ظهور الجماعات المسلحة ضد الحكومة ، وسط أنباء عن وقوع عمليات عنف واسعة ، من بينها عمليات توغل للحدود من قبل المسلحين الذين قاموا بذبح العديد من أفراد الشرطة والمدنيين .. الأمر الذي أدى إلى انهيار المحادثات الرامية إلى التغلب على المأزق السياسي بالبلاد .

الملامح العامة للأزمة بجمهورية الكونغو الديمقراطية

الأزمة السياسية :

1 – تواجه جمهورية الكونغو الديمقراطية خطراً كبيراً يتمثل في الأزمة ( السياسية / الدستورية ) القائمة في البلاد ، بسبب عدم إجراء الانتخابات التي كانت من المقرر أن تجرى في شهر إبريل 2017 وفقاً لدستور البلاد ، حيث تمسك الرئيس ” جوزيف كابيلا ” بالسلطة ، وادعى هو وحكومته بأن العقبات ( اللوجستية / المالية ) عقب إجراء الانتخابات ، تجعلها غير مجدية ، مما أدى إلى احتجاجات واسعة النطاق من جانب قوى المعارضة ، بالإضافة إلى وقوع عمليات انتقامية دموية من قبل الأجهزة الأمنية بحسب ما ذكرته وكالات الأنباء العالمية ، وذلك على الرغم من التوصــل لاتفــاق بيــن ( الحكومة / تحالف المعارضة ) بتاريخ (31) ديسمبر 2016 ، يقضي بتنحي ” كابيلا ” وتشكيل حكومة انتقالية ، وإجراء الانتخابات في نهاية عام 2017 .

2 – وجاء تنفيذ الاتفاق بيــن ( الحكومة / تحالف المعارضة ) بطيئاً من جانب حكومة ” كابيلا “ ، وتراجع أكثر بوفاة زعيم المعارضة ” ايتين تشيسيكيدي ” – البالغ من العمر 84 عام في فبراير الماضي – ، ومع عدم وجود شخصية مركزية للمعارضة ( المنقسمة ) للالتفاف حولها ، توقفت المحادثات ، بسبب انسحاب الأساقفة الكاثوليك الذين كانوا يتوسطون المحادثات لعدم إحراز أي تقدم ، والأمر الذي عزز التوترات بشكل كبير – إضافة إلى ما سبق – هو قيام ” كابيلا ” بتعيين رئيساً للوزراء من الحزب الحاكم ، في مخالفة واضحة لاتفاق (31) ديسمبر2016 مع المعارضة ، والذي يقضي بضرورة أن يكون رئيس الوزراء من جناح المعارضة .. وفي هذا الإطار هناك إمكانية لتصاعد الأزمة سياسياً وأمنياً على نطاق واسع في البلاد إذا ما رفض ” كابيلا ” الالتزام بجدول زمني لترك منصبه في نهاية عام 2017 .

 الأزمة الأمنية ( أساسها عرقي ) :

1 – تعاني جمهورية الكونجو الديمقراطية أيضاً من عدة صراعات محلية أخرى في ظل الأزمات الحالية ، أبرزها التوترات الكبيرة بمقاطعتي ( كيفو الشمالية / كيفو الجنوبية ) ، بسبب عدم التجانس العرقي وارتقاع الكثافة السكانية بين القبائل هناك ، للصراع على الموارد ، فضلاً عن انتشار العنف في بعض الفترات عبر الحدود كنتيجة لتراجع الوضع السياسي ، بالإضافة إلى التدخلات الخارجية التي تتمثل في تدخل دول الجوار ( رواندا / أوغندا  ) سعياً إلى تحقيق مصالحهما السياسية والاقتصادية .. أيضاً قيام بعض أفراد الجيش الكونغولي بتكوين تحالفات داخلية متغيرة باستمرار ، والاشتباك مع بعضهم البعض ، بسبب استغلال ثروة الموارد الغنية بالمنطقة .

2 – كانت قد ظهرت (  حركة إم 23 ) المتمردة مرة أخرى في يناير الماضي بشرق البلاد ، مما يمثل مشكلة أمنية للرئيس ” كابيلا ” ، تهدد البلاد بفوضى جديدة ، حيث أفادت تقارير إخبارية  بأن مجموعة من متمردي ( حركة إم 23 ) عبروا الحدود من أوغندا واستولوا على قرية بالمنطقة الشرقية .. جدير بالذكر أن العاصمة الأوغندية ( كمبالا ) أكدت أن هناك (400) من المتمردين المعتقلين كانوا قد هربوا وهجموا على قاعدة عسكرية بغرب أوغندا ، في حين ألقي القبض على نحو (100) ، بينما كانوا يحاولون عبور الحدود لجمهورية الكونغو .. وفي  هذا الصدد نشير إلى أن ظهور الجماعة المتمردة من جديد قد يعمل على اضطراب العلاقات بين ( أوغندا / الكونغو الديمقراطية )  .. ومن جانبهم برر المتمردون عودتهم بأن الشروط التي وضعت في اتفاق سلام ديسمبر 2013 لم تلب طلباتهم ، وبقاء ” كابيلا ” في السلطة رغم انتهاء فترة ولايته .. وما سهل عودتهم أيضاً وجود مجموعات انفصالية موالية لهم داخل الكونغو الديمقراطية .. جدير بالذكر أن حركة ( إم 23 ) هي جماعة مسلحة متمردة متمركزة بالمناطق الشرقية من الكونغو الديمقراطية ، وتنشط في شمال كيفو  ، كما أنها تأسست بتاريخ (2) أبريل 2012 عندما انقلب نحو (300) جندي ، غالبيتهم أعضاء سابقين في المؤتمر الوطني للدفاع عن الشعب ، على الحكومة الكونغولية ، بسبب مشكلات الفقر بالجيش وعدم رغبة الحكومة في تنفيذ اتفاقية السلام في 2009 .  

3 – ولمعرفة أساس هذا الصراع نشير إلى أن مقاطعات ” كيفو ” ( الشمالية / الجنوبية ) كانت تتضمن أكثر من نصف جميع حالات العنف السياسي في البلاد خلال الفترة بين عامي ( 1997 / 2016 ) ، على الرغم من كونها موطناً لـ (13%) فقط من سكان الجمهورية ( البالغ عدهم وفقاً لتقديرات عام 2016 بحوالي 81,936,135 نسمة وفقاً لتقديرات 2017 ) ، ولكن العنف انتقل مؤخراً لمنطقة كاساي ، حيث اندلعت احتجاجات ضد الحكومة بتاريخ أغسطس 2016 ، لأنها لا توفر سوى القليل من السلع والخدمات العامة ، بالإضافة إلى ذلك قتل ” جان بيار مباندي ” الزعيم الذي كان يحرض على سرعة إجراء انتخابات رئاسية في عملية نفذتها أجهزة الأمن الكونغولية في أغسطس 2016 .. الأمر الذي أدى إلى تزايد التوترات فقام المتمردون بذبح العشرات من رجال الشرطة ، كما هاجموا مراكز سكانية .. فيما ردت الأجهزة الأمنية بمذابح مدنية عديدة .

مما سبق يتضح الآتي :

1 – أنه هناك حاجة لحل سريع للأزمة ، حيث ما زالت المعارضة تحاول إجبار ” كابيلا ” على التزاماته الدستورية ، ولكن إذا استطاعت الجهات المحلية المؤثرة في المشهد الداخلي معالجة تلك الأمور ، فإن ذلك يساعد على تخفيف بعض السخط ، ويحد من خطر نشوب النزاعات .

2 – على الصعيد الدولي ينبغي أن تكون الأولوية لتوسيع عمليات حفظ السلام ، ومع انتشار الصراع ، يجب أن يزداد الانتشار من حيث النطاق والحجم لمواجهة التهديد المتزايد بالعنف في المناخ السياسي المتفجر حالياً .

أبرز الأحداث الأمنية التي أدت إلى تفاقم الأوضاع :

1 – الإعلان يوم (15) مارس 2017  عن مقتل (32) شخص في اشتباكات بين ( محتجين / الشرطة ) اندلعت على هامش تظاهرة للمعارضة في كينشاسا قبل أن تتطور لأعمال شغب .

2 – الإعلان يوم (25) مارس 2017 عن قيام مسلحين تابعين لميليشيا وسط جمهورية الكونغو الديمقراطية بذبح نحو (40) شرطي في كمين ، واستولوا على سياراتهم وأسلحتهم .

3 – الإعلان يوم (20) إبريل 2017 عن مقتل (20) مدني في اشتباكات اندلعت شرق الكونغو الديمقراطية بين فصيليْن متمرّدين تابعيْن لـ ( القوى الديمقراطية لتحرير رواندا ) .

4 – الإعلان يوم (28) إبريل 2017 عن مقتل (29) شخص فى مواجهات بين أجنحة متحاربة من ميليشيا للدفاع الذاتي تتنازع السيطرة على قرية فى شرق البلاد .

5  – الإعلان يوم (10) مايو 2017 عن فرار الآلاف الكونغو الديمقراطية إلى أنغولا بسبب الاشتباكات المتواصلة في البلاد ، كما أعلنت  الأمم المتحدة بتاريخ (9) مايو 2017 ، أيضاً أن نحو (100) ألف شخص نزحوا في الأسبوع الماضي وحده ، لترتفع أعداد النازحين بمنطقة كاساي إلى نحو (1.3) مليون شخص .

6 – الإعلان يوم (18) مايو 2017 أن تصاعد وتيرة العنف بمنطقة كاساي وسط البلاد أسفرت عن مقتل (390) مسلح قبلي و(124) جندي حكومي منذ نهاية شهر مارس 2017 ، وذلك وفقاً لما أعلن الجيش الكونغولي .

7 – الإعلان يوم (19) مايو 2017 ، عن هروب نحو ( 4600 ) سجين من سجن بالعاصمة الكونغولية ” كينشاسا ” ، وفقاً لوكالة الأنباء الألمانية .

8 – الإعلان بشكل مستمر من جانب المعارضة على تنظيم مظاهرات ، والتي تطالب الرئيس ” جوزيف كابيلا  ” بالتنحي من منصبه وترك السلطة . 

زر الذهاب إلى الأعلى