أجرى الإعلامى نشأت الديهى، مقدم برنامج «بالورقة والقلم»، المذاع عبر فضائية «TeN» أمس، حواراً مع محمد فتح الله جولن، المعارض التركى، زعيم حركة «الخدمة»، تحدث فيه عن جملة التجاوزات التى ارتكبها الرئيس التركى رجب طيب أردوغان فى حق الشعب التركى، منذ وصوله لحكم البلاد، إضافة إلى هيكلته القوات المسلحة التركية، بهدف تنفيذ أجندته الخاصة، مشيراً إلى أن الرئيس أطاح بكثير من الضباط المعارضين لمخططاته وأحلامه التى يطمح بها، من أجل استغلال نفوذه فى المنطقة، كما أشاد «جولن»، بما تقدمه مصر من نموذج يحتذى به فى الاعتدال والتوازن السياسى، فضلاً عن أنها تحتل مكانة مهمة فى تاريخ العالم الإسلامى. وإلى نص الحوار:
زعيم حركة “الخدمة التركية” لـ”نشأت الديهى”: الدستور التركى الحالى لا يصلح لإدارة المجتمع.. ولا بد من مراعاة وضع الأغلبية المسلمة
لماذا توترت العلاقات بين مصر وتركيا، وهل يجوز أن يُفعل كل هذا باسم الدين؟
– الحقيقة أنه لم يَبْلُغْنى أن أى مسئول مصرى، على أى مستوى، أساء إلى الشعب التركى. لكن لما وقعت الأحداث فى مصر (عام 2013) بادر رئيس الحكومة التركية فى ذلك الوقت (أردوغان) إلى القول: «إن لكل فرعون موسى»، وأطلق على الرئيس المصرى لقب «فرعون»، قبل أن يطلع على شخصيته ويتعرف عليه كما ينبغى، وهو ما أدى إلى تأزم العلاقات بين الطرفين. إن التغيير القائم على مبادئ وقيم معينة (تحفظ أمن البلاد واستقرارها) يختلف عن التغيير الذى يهدف إلى إحداث بلبلة وفوضى فى البلاد.
القيادة المصرية تتمتع بنضوج يجعلها قادرة على خلق طاقة جماعية تؤدى لتحقيق التضامن بين الدول الأفريقية والإسلامية
ما كلمتك إلى الشعب المصرى؟
– إن الشعب المصرى يُكنّ للشعب التركى محبة عميقة ويتعاطف كلا الشعبين مع بعضهما. أما المسئولون الأتراك فهم ميالون بطبيعتهم إلى الخوض فى جدليات مع نظرائهم المصريين انطلاقاً من الاعتبارات السياسية، ولا تزال هذه الجدليات مستمرة حتى اليوم. وأعرب بعض المسئولين الأتراك فى مناسبات مختلفة عن رغبتهم فى تجديد العلاقات بين مصر وتركيا مرة أخرى وعودتها إلى طبيعتها. لكنى لست متأكداً من إمكانية تحقيق ذلك بعد هذه القطيعة الطويلة، رغم تمنياتى بأن تعود العلاقات بين البلدين إلى طبيعتها بالفعل. لكن فى ظل وجود أمثال هؤلاء المسئولين الأتراك فى السلطة لا تزال هذه الأمنيات صعبة، إن لم نقل مستحيلة، فهم متقلبون، كثيرو التحول، اليوم هُمْ هنا وغداً هناك. كما فى قوله تعالى: ﴿مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لاَ إِلَى هَؤُلاَءِ وَلاَ إِلَى هَؤُلاَءِ﴾.
أعتقد أنهم يستغلون السمعة التى ورثوها من تاريخ العثمانيين ليحدثوا بها تأثيراً فى العالم الإسلامى. ومن المعلوم أن العثمانيين كان لهم تأثير فى العالم الإسلامى فى فترة تاريخية معينة. لكنى أعتقد أن مصر تستطيع أن تقدم نموذجاً يحتذى به إذا حافظت على هذا الخط من الاعتدال والتوازن، وهى قادرة على ذلك بما تتمتع به من سمعة طيبة، وشعب عريق يتمتع بذكاء عالٍ، كل ذلك جعلها فى فترة من فترات التاريخ تهيمن على مقدرات الإنسانية وتحتل مكانة مهمة فى تاريخ العالم الإسلامى.
وكثير من الدول، خاصة فى القارة الأفريقية وبعض بلدان العالم الإسلامى، ينظرون إلى مصر نظرة احترام وتقدير ويتخذون منها نموذجاً يقتدى به. لذا أظنّ أن القيادة المصرية بما تتمتع به من نضوج، قادرة على خلق طاقة جماعية، تؤدى إلى تحقيق تعاضد وتساند بين هذه الدول كافة، إذا واصلت سيرها على هذا الدرب.
حركة “الخدمة” تقوم على مكافحة “الجهل والفقر والنزاعات”.. وآلاف المعتقلين بتهمة الانضمام إليها لا أعرف منهم أحداً
لماذا قام النظام التركى الحالى بحبس الكثير من الصحفيين والمعارضين بسبب تعبيرهم عن رأيهم؟
– هؤلاء المسيطرون على مقاليد الأمور فى بلادنا اليوم ليسوا من أبناء الأناضول الحقيقيين، بل حتى يقال إنهم قدموا من الشمال. لقد غابت عنهم قيم شعب الأناضول الأصيلة، لكنهم يتظاهرون بأنهم يحترمون قيم هذا الشعب ومبادئه الدينية والأخلاقية والتراثية والثقافية. إنهم يعانون من هضم هذه القيم واستساغتها، ويستخدمون الشعارات الدينية والخطابات الإسلامية البراقة لضمان بقائهم فى السلطة.
نعم، لقد كنا ندعم هؤلاء فترة من الزمان، فقد جاء أردوغان إلىّ يستشيرنى عندما بدأ فى إطلاق مشروعه السياسى. كنت أسمع أنه يصلى، وأنه خريج ثانوية الأئمة والخطباء، وليس لديه مؤهل جامعى، قدمت له آراء إيجابية ونصحته ببعض النصائح.
لماذا قام أردوغان بتقويض المؤسسات التربوية والتعليمية فى البلاد؟
– منذ وصوله إلى الحكم اتخذ من «الخدمة» هدفاً وبدأ فى تقويض مؤسساتها التربوية والتعليمية، فأغلق معاهد التحضير الجامعى والمدارس والجامعات الخاصة.. تلك المؤسسات التى لا وجود فيها للخمر ولا للتدخين أو المخدرات وما شابهها.. لقد قوَّض تلك المؤسسات لا لشىء إلا لأنها لم تخضع لأجندته الداخلية والخارجية. نعم، لقد اعترف بذلك، اعترف بأنه غيّر ثلاثة وزراء من أجل إغلاق هذه المؤسسات. وقد ظهروا على حقيقتهم خلال تحقيقات الفساد والرشوة فى 17-25 ديسمبر 2013، ظهرت الرشوة واللصوصية وظهر فسادهم رغم ادعاءاتهم بأنهم إسلاميون.
ومع أن أجهزة الأمن والقضاء الخاضعة لسلطته هى التى كشفت عن هذه الفضائح، اتهم أردوغان القائمين على هذه التحقيقات من أفراد الشرطة والقضاة ووكلاء النيابة بأنهم من «الخدمة».
إننى لا أعرف واحداً من ألف من هؤلاء. قد يكون منهم من يتعاطف مع أفكار «الخدمة» ويؤمن بمعقولية أنشطتها وفائدة ما تقدمه من خدمات للمجتمع لكنى لا أعرفهم أيضاً.
إن الفلسفة التى تقوم عليها الخدمة هى مكافحة ثلاثة أشياء: الجهل والفقر والنزاعات. فالتعايش والتعاون والاتفاق من وسائل استمداد التوفيق الإلهى. ولا بد من مواصلة السير قُدماً فى هذا الطريق.
ومن هذه الناحية، فإن المتعاطفين مع الخدمة وجدوا أن هذه الأفكار معقولة ونافعة للإنسانية فالتفوا حولها. ومن أجل ذلك لاقت هذه الأفكار قبولاً واسعاً وحظى المتعاطفون معها بالقبول فى كثير من البلاد. وأصدقك القول إننى لا أعرف أكثر هؤلاء.
هل قام أردوغان بإعادة هيكلة القوات المسلحة التركية لخدمة أجندته؟
– نعم، لقد كان هدف (أردوغان) هو السيطرة على القوات المسلحة وإعادة هيكلتها لصالحه، ثم أطلق حملته ضد «الخدمة» وعزم على التخلص من المتعاطفين مع أفكارها.
هل يوجد فى تركيا ديمقراطية حقيقية أم لا؟
– الديمقراطية هى أفضل نظام للمجتمعات التعددية غير المتجانسة. وفى تركيا ومصر أطياف متعددة من مسلمين ومسيحيين وأحياناً ملحدون وربوبيون أيضاً. لذا أعتقد أنه ينبغى تبنى إدارة تراعى السمة العامة للمجتمع ولا تسبب أى ضرر لأى أحد من أفراده. إن فرض المعتقدات والتصورات التى يتبناها أنصار «الإسلام السياسى» على المجتمعات التعددية من شأنه أن يخلق اضطرابات ويحدث نزاعات فى هذه المجتمعات، وهو ما يحدث حالياً فى تركيا بالفعل. وليس من الواضح حتى الآن ما إذا كانوا يفعلون ذلك عمداً لاستثمار نتائجه لصالحهم أم أن ذلك يحدث نتيجة لأخطائهم التى يرتكبونها. إنهم لا دراية لهم بالسياسة.
صحيح أنهم قدموا بعض الأمور التى تخدم قضايا المسلمين، لكنهم غلفوها بالشعارات الإسلامية واستخدموها بضاعة رخيصة لضمان بقائهم فى السلطة ولإضفاء الشرعية على فسادهم وحياتهم المترفة.
لم أسمع أن مسئولاً مصرياً أساء إلى الشعب التركى.. والقاهرة تقدم نموذجاً فى الاعتدال والتوازن السياسى
هل يتم مراعاة آراء كل أطياف المجتمع فى تركيا؟
– إن المشهد الحالى يوضح لنا أنهم يتصرفون فى كل الأمور بميكيافيلية. والمجتمع المصرى مجتمع تعددى مثل تركيا، ومن ثم فإن مراعاة معتقدات ومشاعر كل الأطياف أمر جدير بالاهتمام فى كلا البلدين.
إن الديمقراطية لها أشكال وتطبيقات مختلفة حول العالم. ومن الممكن أن نطور نظاماً ديمقراطياً يتلاءم مع أوضاعنا وقيمنا، مع الاستفادة من تلك الممارسات الديمقراطية المتعددة. وإذا كان النظام فى تركيا يريد أن يضع دستوراً جديداً، فعليه أن يضع دستوراً يراعى وضع الأغلبية المسلمة ويحترم فى الوقت ذاته معتقدات الآخرين وقيمهم.
لو سألونى عن رأيى فى ذلك لاقترحت على المسئولين أن يستفيدوا من الدستور الأمريكى الذى يحترم كل الآراء والمعتقدات مع مراعاة حقوق المسلمين بصفة أساسية. يمكنهم أن يستفيدوا منه كما استفادوا فى الماضى من الدستور الفرنسى.
ما رأيك فى الدستور التركى الحالى؟
– الدستور التركى الحالى لا يصلح لإدارة مجتمع مثل المجتمع التركى الذى يشتمل على أطياف وقوميات متنوعة. فبلادنا تشتمل على قوميات مختلفة من أتراك وأكراد وشركس ولاظ وعلويين، وأطياف متعددة من مسلمين وربوبيين وملحدين وكماليين وغير ذلك.
لا يمكن حمل أفراد مثل هذه المجتمعات التعددية على رأى واحد، بل يجب احترام مشاعر الجميع. لأن ما تنتظره من الآخرين ينتظرونه منك أيضاً.
متى تستطيع زيارة مصر؟
– إننى أتناول العلاج كل نصف ساعة، وقد خضعت لعملية جراحية قبل فترة وجيزة أدت إلى مضاعفات مختلفة، لذلك أعتقد أن ظروفى الصحية لا تسمح لى بالسفر.
إذا طُلب منك أن تبعث رسالة إلى أردوغان، ماذا تقول له؟
– أردوغان لا يصغى إلى أحد، وبالذات إلينا نحن، فلديه أحكام مسبقة عنا، إنه يتهمنا بالإرهاب ويتهمنى شخصياً بأننى رأس الإرهاب، وقد أصدروا ضدى أحكاماً متعددة بالمؤبد، لذلك ليس لدىّ شىء أوجهه إليه.
ويمكن للبلدان الديمقراطية والدول الغربية ودول العالم الإسلامى أن تتخذ تجاهه موقفاً موحداً للضغط عليه كى يتراجع عن استبداده. وأعتقد أن هذا هو السبيل الوحيد لكى تتوقف الفوضى والاضطرابات التى تشهدها تركيا حالياً. وهذا ما أخبرنى به صديق محب لـ«الخدمة» كان يشغل منصب وزير الخارجية فى حكومة أردوغان من قبل.
عودة العلاقات بين مصر وتركيا فى ظل وجود “أردوغان” صعبة.. بل شبه مستحيلة
هل الأوضاع فى تركيا اقتربت من أن تسير فى طريقها الصحيح؟
– المسار الحالى يبدو لى جيداً، لكنى أتابع من الخارج. ولست فى موقع يسمح لى بأن أتحدث عمّا يقع، كمن يعاين الأحداث ويسجّلها.
كيف ننقذ العالم من الإرهاب، وكيف ننقى الدين من هذه الشوائب؟
– أعتقد أن هذه الفوضى التى تعم العالم ستستمر، ما لم ننجح فى تأسيس نظام مثالى يستثير غبطة الإنسانية جمعاء. لكن ينبغى علينا أن نصر على المضى قدماً فى هذا السبيل. أظنّ أن الشعب المصرى الحبيب وكذلك الذين لم يفقدوا إنسانيتهم فى تركيا، قادرون على تحقيق ذلك، إذا نجحوا فى تحقيق التوازن والاعتدال على المستويين الفكرى والعاطفى، وأفلحوا فى تشكيل نظام مثالى يُحتذى به على مستوى العالم.
ما رأيك فى سلوكيات إيران تجاه الدول الإسلامية؟
– إن إيران اليوم تتبنى عداوة غريبة للعالم السنى، وتقود عمليات سلبية ضد البلدان السنية. على كلٍّ آمل أن يتصرفوا أيضاً بصورة متوازنة، ويتجنبوا الإساءة إلى قيمنا ورموزنا من أمثال سيدنا أبى بكر وعمر وعثمان (رضى الله عنهم)، وعن سيدنا «على» ألف ألف مرة. وما زلت آمل أن يقلعوا عن الافتراء على أمنا عائشة (رضى الله عنها). نعم، هذه أمور مهمة للغاية، لكى تجتمع كلمة المسلمين ويتحقق بينهم الوئام والاتفاق والتضامن.