نشرت صحيفة المصري اليوم مقالاً للكاتب “حسن حنفي ” جاء به الأتي :
هذا مقال من مصرى قومى عربى وحدوى ثورى. يحترق قلبه لما يحدث الآن لمعرفة من العدو ومن الصديق. وهو القصد من الحج فى سورة براءة. «بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ». وهى السورة الغاضبة التى تخلو من بسم الله الرحمن الرحيم. فالهدف من السورة وحدة الأمة فى مكان واحد وزمان واحد لمعرفة صديقها من عدوها بعد أن اختلط الأمر الآن لمعرفة مَن الصديق ومَن العدو. هل العدو هو قطر والإخوان وحماس والإرهاب والعنف أم استمرار الصلح مع إسرائيل دون أن تنسحب من باقى الأراضى المحتلة فى الضفة والجولان؟.. ففى سيناء متسع لهم للتخفيف من الضغط على غزة من الداخل، والحصار عليها من الخارج. اختلط الحابل بالنابل. بل إن وهج الشمعة فى ثورة الشعب الكبرى يناير 2011 سرعان ما تطفأ. كان مجرد برق يخطف الأبصار وينير السماء لحظة. وعاد الظلام مخيما على السماء والأرض. وحتى الآن تزداد السماء عتمة. ولا يرى العرب إلا مصباحا خادعا من بعيد، نورا اصطناعيا سرعان ما ينطفئ بمجرد نهاية غازه أو انقطاع الكهرباء عنه. وهذا ما سيكشفه الزمن عن قريب. والأفضل إخراج ما فى القلب الآن. لعل ما يتراكم فى القلوب يُحدث أمراً.
لقد نزلت آخر مرحلة من مراحل الوحى عند العرب، تاركا بنى إسرائيل بعد أن أعيتهم تجارب الوحى السابقة ولم ينقصهم الأنبياء، وظلوا على عصيانهم الميثاق. تحول الوحى من مركزه التقليدى إلى مركز جديد هم العرب. ونجح فى توحيدهم وجعلهم إمبراطورية كبرى من الأندلس غربا إلى الصين شرقا. ترث إمبراطوريتى الفرس والروم. وكانوا تجارا. لا يعرفون إلا الحِلّ والترحال. لهم مضارب خيام حول الآبار ومصادر المياه والرزق. وأخلاق التجار كما هو معروف فى علم الأخلاق الاجتماعية، تقوم على المكسب والخسارة، والبحث عن الأسواق، وكما وصف القرآن فى رحلتى الشتاء والصيف، لا وطن لها، ولا استقرار. قبائل سيارة اضطر بعض الفقهاء أن يفتوا بزواج المسيار الذى يتفق مع الرحلات البعيدة. يسعون وراء المطر والنخيل للسقيان والطعام، للشراب ضد الجفاف، وللظلال ضد الشمس. وطنهم حيث البئر. وطنهم حيث الأمان. وهو ما يحدث للفلسطينيين الآن ثم للعراقيين والسوريين والليبيين واليمنيين، حيث يهجر الكل أوطانه بحثا عن الرزق والأمان. ويبحث العرب عن الأحلاف حاليا شرقا وغربا إلا الحلف مع أنفسهم. ويكثرون الدعاء إلى الله بأن ينزل عليهم الأمطار كما ينزل البنك الدولى القروض. لا حلف لهم إلا المصلحة. فكانت مع مصر. وهم الآن مع إسرائيل بعد أن مهدت لهم مصر والأردن الطريق.
لقد قامت مصر بدور المركز فى الوطن العربى بل للخلافة الإسلامية، ونقلها من استانبول إلى القاهرة. وهو دور محمد على الذى فتح الشام والسودان. وقضى على الوهابيين فى الحجاز. وكان ملك مصر بالرغم من الاستعمار هو ملك مصر والسودان. وقال النحاس باشا كلمته الشهيرة «تقطع يدى ولا أوقع على معاهدة فصل مصر عن السودان». وكانت سوريا حبيبة مصر الأولى مع أول تجربة وحدوية معها فى الجمهورية العربية المتحدة 1958-1961. ثم تجربة الجمهوريات العربية المتحدة بين مصر وسوريا والعراق واليمن بعد الثورة اليمنية فى 1961. وكان يبدو أن ناصر قادم إلى هدفه، وهو الوحدة العربية الشاملة بعد ثورة الضباط الأحرار فى ليبيا 1969 لولا أن القدر لم يمهله وهو مجهد للمصالحة بين الفلسطينيين والأردنيين، فغادر الدنيا فى سبتمبر 1970. ورّد الأسلحة للجزائر. وكان بورقيبة يقيم فى مصر فترةً لقيادة النضال ضد الفرنسيين فى تونس. وكان الملك محمد الخامس فى المغرب بجواره وهو يقيم الحجر الأساسى للسد العالى مع خروشوف.
ثم دارت الدائرة على مصر بعد اتفاقية كامب ديفيد 1978، واتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل 1979 أمام دهشة الإسرائيليين أنفسهم مما يفعله مركز العرب الأول. وتبعتها الأردن فى اتفاقية وادى عربة 1984. وعرضت إسرائيل شروطها على العرب بالاعتراف بها دولة قومية تقوم على أساس العرق والدين ليهود العالم دون الاعتراف بفلسطين كدولة وطنية مستقلة، ودون الاعتراف بالعرب كقومية عربية، وقبل الانسحاب من الأراضى المحتلة فى 1967. وبدأ التفكير فى قناة جديدة لربط البحر الميت بالأحمر بديلا عن قناة السويس، فتفقد مصر الممر الملاحى التجارى الدولى الذى يمر بأراضيها. وربما كان هذا هو الهدف من اتفاقية رسم الحدود الجديدة التى تعطى إسرائيل إلى الأبد حق الملاحة فى خليج العقبة حتى باب المندب، فيصبح البحر الأحمر بحيرة إسرائيلية بين مصر والسعودية بعد أن أخذت أم الرشراش فى 1948، وجعلتها مدينة إيلات. وتقسم بإقامة خط مباشر بين الرياض وتل أبيب كما فعل الرئيس الأمريكى فى زيارته الأخيرة واثنتان من الدول العربية. ولم يعد أحد يفكر فى المشروع العربى للسلام فى مقابل الأرض. وأصبحت قطر هى العدو. يضرب حوله الحصار أو المقاطعة. وتصبح إسرائيل بدل مصر أداة للتنمية والتحديث بالوطن العربى بعد أن قامت مصر بذلك منذ قرنين من الزمان. فيستورد منها النفط والغاز بدلا من الخليج، والغذاء والماء بدلا من السودان، ويستورد منها السلاح. ويستورد منها العلم والمعلومات. ويعتمد عليها فى الأمن والأمان ضد الإرهاب العدو المشترك. وحماس منظمة إرهابية. مازالت تحمل السلاح. تصبح إسرائيل هى المركز لكل العرب بمن فيهم مصر من الأطراف. ويستبدل العرب بالقرب المركز البعيد إسرائيل المركز القريب. وهى مرحلة جديدة من مراحل التاريخ بدأها محمد على.
والسؤال هو: هل كان الربيع العربى نهاية المرحلة أم بداية مرحلة جديدة.. وبدل أن كانت أوروبا هى المركز والعرب هم الأطراف، تصبح إسرائيل هى المركز والعرب هم الأطراف. فالطريق إلى الحداثة الأوروبية يمر بإسرائيل؟
«الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ أَمَلًا».