ورد سؤال لدار الإفتاء نصه…”طلق رجلٌ زوجته ثلاث طلقات -بينونة كبرى-؛ فهل يجوز لآخر أن يتطوع من نفسه وبدون اتفاق مع المطلَّقَينِ ويتزوجها ليطلقها بعد ذلك لتعود لزوجها الأول، وهل يكون العقد صحيحًا؟، وجاء رد الدار كالآتى:
إذا كان النكاح بشرط تحليل المرأة لزوجها الأول فإنه حرام، ويكون باطلًا عند الجمهور، أما إذا كان منويًّا فيه فقط من غير اشتراطٍ مع توفر أركان النكاح وشروطه الأخرى فهو صحيحٌ كما ذهب إليه الحنفيّة والشّافعيّة، وتحلّ المرأة للأوّل بوطء الزّوج الثّاني؛ لأنّ النّيّة بمجرّدها في المعاملات غير معتبرة، كما لو نويا التّأقيت وسائر المعاني الفاسدة؛ والقاعدة في ذلك: “أن كل شرطٍ يَبطُل العقدُ بالتصريح به فإن إضمارَه مكروه”.
وفي ذلك يقول الإمام الشافعي رضي الله عنه في كتابه “الأم” (5/ 86، ط. دار المعرفة): [وإن قَدِم رجلٌ بلدًا وأحب أن يَنكح امرأةً ونِيَّتُه ونِيَّتُها أن لا يمسكها إلا مُقامَه بالبلد أو يومًا أو اثنين أو ثلاثة -كانت على هذا نِيَّتُه دون نيتها، أو نيتُها دون نيته، أو نِيَّتُهما معًا ونية الولي- غير أنهما إذا عقدا النكاح مطلقًا لا شرط فيه فالنكاح ثابت، ولا تُفسِد النِّيَّةُ من النكاح شيئًا؛ لأن النية حديثُ نَفْسٍ، وقد وُضِعَ عن الناس ما حَدَّثوا به أنفسهم، وقد ينوي الشيء ولا يفعله، وينويه ويفعله، فيكون الفعل حادثًا غير النية.
وكذلك لو نكحها ونِيَّتُه ونِيَّتُها أو نيةُ أحدهما دون الآخر أن لا يُمسِكها إلا قدرًا يصيبها فيحللها لزوجها ثبت النكاح، وسواء نوى ذلك الوليُّ معهما أو نوى غيره، أو لم ينوه ولا غيره، والوالي والولي في هذا لا معنى له أن يُفسِد شيئًا ما لم يقع النكاح بشرط يُفسِده] اهـ.
وقد نقل ابن بطال المالكي في “شرح البخاري” (7/ 480-481، ط. مكتبة الرشد، الرياض) جواز ذلك النكاح عن عطاء والحكم وعن القاسم وسالم وعروة والشعبي وربيعة ويحيى بن سعيد: [أنه لا بأس أن يتزوجها ليحللها إذا لم يعلم بذلك الزوجان، وهو مأجور بذلك] اهـ.
وبناءً على ذلك: فإنه يجوز لشخصٍ آخر أن يتطوع من نفسه وبدون اشتراطٍ في العقد ويتزوج المطلَّقة ثلاثًا ليطلقها بعد ذلك لتعود لزوجها الأول، ويكون العقد بذلك صحيحًا.