تعود وقائع القضية بأن تقدمت إحدى الطالبات وسط جموع الحاضرين بالمحكمة، وهى تتكأ على ذراع والدتها المسنة، حينما نادى الحاجب على اسمها، ونظرا لحالتها الصحية المتدهورة أمر القاضى الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجى على الفور بإحضار كرسى لها وآخر لوالدتها لتجلس عليه أثناء نظر القضية، فبكت الطالبة وقالت “سيدى القاضى أنا اُصبت بمرض تصلب في الوجه وتيبس في القدمين، وأحتاج إلى العلاج بعقار البوتوكس أفيال وغالى عليا”، وأضافت: “الجامعة قالتلى مفيش عندنا مستشفى طلبة بدمنهور عشان مفيش كلية طب بشرى وممكن تتعالجى فى التأمين الصحى”، وقدمت للقاضى تقرير طبى صادر من مستشفي الحضرة الجامعي قسم شئون المرضي التابعة لمستشفيات جامعة الاسكندرية , وقالت للقاضى ” التقرير بيقول إنه تشنج نصف الوجه لا إرادى نتيجة اضطراب الجهاز العصبي. ” فقال لها القاضى انا قرأت حالتك جيداً وححجز القضية للحكم خلال ساعة , فقالت الطالبة ليا كلمة اخيرة ممكن , فأعطاها القاضى الكلمة فقالت ” أنا مش بقدر أرفع الحاجب عشان أذاكر , ومش بقدر أغلق جفنى عشان انام ، ” وحينما أحس القاضى الإنسان بمرض الطالبة المؤثر وعدم تحكمها في حركة الشفتين، وتباطؤ النطق لبعض الكلمات قال لها بصوت العدالة المنجزة الشجى الرخيم ” الحكم خلال ساعة واحدة فقط “, وبعد ساعة نطق القاضى بالحكم لصالحها وذيل تنفيذ الحكم بالمسودة ودون إعلان , وكانت دموع الطالبة هى الناطقة بشكر القاضى فى حضن والدتها وسط بكاء الحاضرين .
قالت المحكمة برئاسة القاضى المصرى الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجى نائب رئيس مجلس الدولة أن قرار رئيس الجمهورية رقم 809 لسنة 1975 بشأن اللائحة التنفيذية للقانون رقم 49 لسنة 1972 فى شأن تنظيم الجامعات في الفصل الخامس:الخدمات الطلابية نص على أن ينشأ في كل جامعة جهاز خاص بالشئون الطبية يتولى الرعاية الصحية وتوفير العلاج لطلاب الجامعة ، وتعتبر مستشفيات طلاب الجامعة وحدة من وحدات هذا الجهاز , كما نص القرار الجمهورى المذكور على أن ينشأ بكل جامعة صناديق خاصة للأغراض الآتية :- صندوق الخدمات الطبية : وتتكون موارده من : ـ ( أ ) رسوم الخدمات الطبية المنصوص عليها في هذة اللائحة . ( ب ) سائر الموارد التي ترد لاغراض هذا الصندوق 0 ثم صدر قرار رئيس الجمهورية رقم 311 لسنة 1994ونص على أن يؤدي الطلاب الرسوم الآتية سنوياً، وتخصص حصيلة كل رسم للخدمات التي يؤدي عنها : رسم الخدمات الطبية خمسة جنيهات. وتؤدي هذه الرسوم دفعة واحدة قبل بدء الدراسة بالنسبة لطالب درجة الليسانس أو البكالوريوس
وأضافت المحكمة أن المشرع ألزم الجامعات بأن تنشئ كل منها جهازا خاصا بالشئون الطبية، تكون مهمته تقديم الرعاية الصحية لطلاب الجامعات وتوفير العلاج بالنسبة لهم، وذلك نظير ما يؤديه الطلاب من رسوم سنوية ومنها رسم الخدمات الطبية ، وفي سبيل ذلك الزم المشرع الجامعات بأن تنشئ كذلك بكل جامعة صناديق خاصة من بينها صندوق الخدمات الطبية وتكون موارده من رسوم الخدمات الطبية المنصوص عليها قانونا وسائر الموارد الاخري التي ترد لاغراض هذا الصندوق ، وبهذة المثابة لا يجوز للجامعات أن تتنصل من التزامتها بتقديم العلاج والرعاية الطبية لطلابها ، فهو حق لهم مستمد من القانون مباشرة وليس منحة منها ، إن شاءت منحتها وإن رغبت منعتها .
وأوضحت المحكمة التزام الجامعات بتقديم العلاج المجانى للطلاب عن طريق مستشفى طلبة الجامعة ،فإن لم تكن قائمة بالفعل او كان العلاج غير متوفر لديها تحملت نفقاته على حسابها , وإذا لم يوجد لدى الجامعة مستشفى طلبة تحملت نفقات العلاج على حسابها بأقرب مستشفى طلبة لجامعة أخرى , وأن هذه الرعاية الصحية من شأنها تعميق رابطة الانتماء بين الطالب ومجتمعه مما يعود بالاستقرار على الوطن ، ولا ريب أن تلبية طلب الطالب المريض بالعلاج أمر يفرضه القانون ويبرره الواقع ، والقول بغير ذلك فيه تعريض لحياة المرضى من الطلاب للخطر وهو ما يجب على الجامعات النأي عنه ، بحسبان أن الرعاية الصحية الكاملة بما في ذلك صرف الدواء لطلاب الجامعات تمثل ركنا جوهريا في تعويدهم على التمتع بالحقوق بشكل ديمقراطى فى المجتمع الجامعى .
وذكرت المحكمة أنه لا يغير مما سطرته من حق , قول الجامعة أنه لا يوجد كلية طب بها ولا يوجد لديها مسشفى خاصة بالطلاب فذلك مردود بأن حق الطالبة غير مرتبط بوجود كلية طب بالجامعة أو مستشفى للطلاب وإنما هو حق تسمده الطالبة من القانون مباشرة الذى لم يعلق حقها فى العلاج على شرط أو قيد وأن الجامعة ملزمة بعلاجها على نفقتها فى أقرب مستشفى طلاب جامعة أخرى على نفقتها انقاذا لحياتها .
كما ردت المحكمة على قول الجامعة أن التأمين الصحى هو الملزم بعلاجها، وذكرت أن التأمين الصحى يعالج المواطنين منذ ميلادهم حتى دخولهم مرحلة التعليم الأساسى – الابتدائية والإعدادية – ومرحلة الثانوية , أما مرحلة الجامعة فهى تقع على الجامعات ذاتها وفقا لقانونها دون التأمين الصحى الذى كلفه القانون بالمراحل الأخرى .
وأشارت المحكمة أن التأخير فى علاج الطالبة يعرض حياتها للخطر على الوجه الوارد بالتقرير الطبي المشار إليه ، وهو ما يستنهض همة المحكمة في اسباغ الحماية العاجلة للعلاج اللازم الواجب علي الجامعة تحمل نفقاته، حتي استقرار حالة المدعية وتمام شفائها وتنفيذ الحكم بموجب مسودته و بغير إعلان